بالجيش والعشائر.. الحسكة صمدت و الـ «YPG» ساومت

بالجيش والعشائر.. الحسكة صمدت و الـ «YPG» ساومت

أخبار سورية

الجمعة، ٥ يونيو ٢٠١٥

انعدام الإستراتيجية التي يدير من خلاها تنظيم داعش معاركه في الآونة الأخيرة تدلل على وجود عمليات تفاوض تمت في كواليس المخابرات التي تدير داعش وغيره من الميليشيات المسلحة في سوريا، فالتنظيم تمدد إلى مدينة تدمر في عمق الصحراء بالتوازي مع هجومه على مدينة الرمادي العراقية ضمن خطة من الواضح إنها تحمل لمسات مخابراتية، كما إن دخول التنظيم في حرب ميليشياوية مع تعمده إهمال الجبهات التي تتقدم فيها الوحدات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يقوده صالح مسلم، يثير الكثير من الأسئلة حول نشاط التنظيم، لتأتي عملية التشتيت التي حاول أن يمارسها في مدينة الحسكة مكملة لجملة المعارك العبثية التي يديرها التنظيم، إذ لم يعتمد كالعادة على العدد الضخم الذي يهاجم به المدن الكبرى في العادة، كما إن هجومه على المدينة كان مستفيدة من إخلاء غير مبرر للوحدات الكردية لعدد من المواقع التي تم السيطرة عليها في الآونة الأخيرة.
الهدف الواضح من الهجوم كان تخفيف الضغط السوري على مقرات داعش في ريفي الحسكة الشرقي والغربي، إذ إن التنظيم بات يدرك أن الشدادي ستكون الوجهة المقبلة للقوات السورية من جهة تعتبر الخاصرة الرخوة للتنظيم في المنطقة النفطية جنوب الحسكة، لذا عمد إلى الهجوم على مدينة الحسكة بالعمليات الانتحارية من جهة طريق أبيض، مستفيداً من الانسحاب غير المبرر لوحدات الحماية الكردية من جبل عبد العزيز ومحيطه، وهي مناطق أمنها الجيش السوري لكن وحدات الحماية ثبتت نقاط لها في المنطقة بحجة حماية تل تمر وريفها، وبعد انسحاب الوحدات الكردية من تلك المنطقة، أصبح تقدم داعش نحو مدينة الحسكة من المحور الجنوبي الغربي مفتوحاً، إضافة إلى تقدم عناصر التنظيم من المحور الجنوبي، وسجلت 18 عملية انتحارية خلال الأسبوع الماضي وحده، تمكنت القوات السورية من رصد واستهداف معظمها قبل بلوغ الهدف.
لكن الهجوم الأخير للتنظيم والذي بدأه صباح يوم الأربعاء الماضي مستخدماً 5 سيارات مفخخة، تعامل الجيش السوري معها، ضمن إستراتيجية اعتمدت الحواجز المرتكزة على بعضها، إضافة إلى نشر الكمائن المتقدمة، التي نشرت على طرفي الطرق في الخطوط الأمامية لضمان عدم تمكن داعش من اجتياح المدينة، وبحسب مصادر محلية فإن عدد عناصر التنظيم المشاركة في الهجوم على المدينة تراوح ما بين 3 - 4 آلاف مقاتل معظمهم من الانتحاريين والانغماسيين، وعدد كبير من القناصة الذين يستخدمون بندقية "الشتاير" نمساوية الصنع، والتي تعرف باسم "قناصة الدوشكا" وهي من الأسلحة الرائجة في السوق السوداء للأسلحة وهي سوق يتحكم بها تجار أمريكيين وإسرائيليين، ونتيجة لكثافة النيران التي استخدمها التنظيم من مدافع الـ 23 و الدوشكا انسحبت حواجز الجيش بإسناد من خطوط الدفاع لتتحول المواجهة إلى معركة استنزاف، ونتيجة للتقدم الكثيف لعناصر التنظيم، وقعت مجموعة من قوى الأمن الداخلي (الشرطة ) تحت حصار شديد ضمن مبنى "سجن الأحداث"، في حين حاولت مجموعة مكونة من خمس أشخاص نشر إشاعة تمكن داعش من الدخول إلى "حي الزهور"  الذي يعد أقرب أحياء مدينة الحسكة إلى نقاط التماس، وذلك لنشر الخوف بين الأهالي وإجبارهم على مغادرة بيوتهم، إلا أن عدد المتجاوبين مع الإشاعة كان قليل جداً، وقبل بدء الرد السوري، نفذت وحدة خاصة من الجيش العربي السوري مدعومة بمقاتلين من العشائر العربية بعملية التفاف على عناصر داعش المطوقة لسجن الأحداث، من خلف مستودعات شركة الخضار، ومرآب شرطة المرور، لتتمكن من فك الطوق عن العناصر المحاصرين، موقعة خسائر كبيرة من عناصر داعش قتلى ومصابين، دون أن تسجيل أي إصابة ضمن صفوف القوة السورية التي فكت الطوق، أو من المطوقين أنفسهم، وبعد عملية الإخلاء تمكن قناصة داعش من الدخول إلى سجن الأحداث والتمركز فيه مع مجموعة من الانغماسيين.
الرد السوري كان مشتركا أيضاً بين القوات السورية وأهالي المدينة الذين انخرطوا ضمن صفوف الجيش العربي السوري، وشهد ليل«الأربعاء – الخميس»، معركة يمكن وصفها بالملحمية، لكثافة النيران التي واجهها الجيش السوري، وتحت وقع العملية الدفاعية التي انتقل إلى الهجوم المعاكس الذي أنهى تقدم داعش، موقعا عناصر التنظيم المتواجدة في سجن الأحداث تحت مرمى  نيران الجيش السوري، دون أن يكون لهم أي إمكانية للتأثير على مجريات الميدان.
اللافت إن الوحدات الكردية حاولت المساومة على مصير المدينة لجهة تحقيق مكتسبات سياسية يريدها حزب الاتحاد الديمقراطي الذي بات دوره في الآونة الأخيرة مشبوهاً في طبيعة التعامل مع الأزمة السورية وتطورات الميدان و العلاقة مع الجيش السوري ومواجهة تنظيم داعش، إذ إن الوحدات الكردية، عرضت إسنادها للقوات السورية في صد الهجوم مقابل مطالب قديمة كانت الحكومة السورية قد رفضتها كونها تمس بالسيادة السورية بشكل مباشر، وبحسب مصادر محلية فقد رفضت القيادة السياسية والشعبية لمحافظة الحسكة هذه المساومة ولم تكن بحاجتها في صد الهجوم، ومع انتهاء عملية الدفاع انتقل الجيش السوري إلى مرحلة الهجوم المضاد مستفيداً من قواته التي استقدمت من مدينة القامشلي.
مساومة الوحدات الكردية على مصير المدينة جاءت منسجمة مع تصريح المتحدث الرسمي باسم هذه الوحدات "ريدور خليل" لقناة روسيا اليوم قبل أيام، إذ إنه أكد حينها أن وحدات الحماية لن تساند الجيش السوري الذي أسماه "جيش النظام" لأهداف سياسية، واللافت هنا، أن تنكر الوحدات وحزب الاتحاد الديمقراطي الدعم السوري المقدم بالسلاح والعمليات الجوية في معارك تحرير عين العرب، والمعارك التي فكت الطوق عن مدينة تل تمر بريف الحسكة مؤخرا، وبكون الوحدات سرقت النصر الذي أنجزه الجيش السوري في منطقة جبل عبد العزيز مستفيدة من الهالة الإعلامية الخليجية التي تركز على تقدم الوحدات الكردية وعزلها عن المعارك السورية وعن الدعم السوري إعلامياً، فإن إخلاء هذه الوحدات لمواقعها في جبل عبد العزيز كاشفة ظهر الجيش السوري لتنظيم داعش يثير الريبة، ويحتاج لتبرير منطقي من قبل حزب صالح مسلم الذي يمتلك اتصالات مشبوهة بالنظام التركي، فإما أن يكون حزب الاتحاد الديمقراطي يشارك عملياً في تنفيذ مشروع يستهدف الدولة السورية، وإما أن الأخير يلعب بورقة الصراع مع داعش ليوجه أنظار المجتمع الدولي إلى قضية مطالب تختلقها بعض القيادات الكردية لتحقيق مصالح قيادة إقليم كردستان في الملف السوري الساعية للانفصال عن الدولة العراقية وتشكيل ما يعرف بـ "دولة كردستان الكبرى"، وهذه المشاريع السياسية تسيء للسوريين الأكراد بالدرجة الأولى، إذ أن الآغاوات الأكراد الذين حرضوا على عدم حمل الجنسية السورية في إحصاء العام 1962، أورثوا أبنائهم قيادة المكون الكردي على أساس عشائري، لتعيد هذه القيادة الكرة، وتلعب بمصير المكون الكردي في كل من سوريا والعراق لتحقيق أحلامهم في "دولة مستقلة" لم تحضر إلى الآن إلا في الطروحات الأمريكية، ويعول على الأكراد السوريين أن يقوموا بتصحيح مسار الأحزاب السياسية التي تمثلهم في المحافل الرسمية لمناقشة الأزمة السورية، وتلعب بمصير أبناءهم المتطوعين في الوحدات الكردية لجهة حماية القرى الكردية، إذ أن  الواضح إن مشروع الوحدات تحول لصالح التنسيق مع إقليم كردستان و النظام التركي للمقامرة بحياة المتطوعين في هذه الوحدات.
في نقطة هامة من صد الهجوم، لابد من الإشارة إلى أن الجهات المختصة في محافظة الحسكة تمكنت من إلقاء القبض على 3 من المجموعة التي كانت تروج إشاعة دخول داعش إلى "حي الزهور"، وتبين إنهم ادعوا انتمائهم إلى الجيش السوري، وبالتحقيق معهم اعترفوا إنهم جزء من مجموعة كانت تحضر نفسها لسرقة بيوت سكان الحي بعد إن يخلوها، لتصمد المدينة وتنتصر بأبنائها في وجه أعنف هجمات داعش على الحسكة إلى الآن.