حسني الزعيم (تفاصيل - خفايا-آراء)...إعدام الزعيم والبرازي

حسني الزعيم (تفاصيل - خفايا-آراء)...إعدام الزعيم والبرازي

ثقافة

الجمعة، ٧ سبتمبر ٢٠١٢

تبقى شهادة الضابط فضل أبو منصور، وهو الضابط الذي اقتحم القصر الجمهوري واعتقل حسني الزعيم وأوصله إلى الإعدام، من أهم الشهادات، على الساعات الأخيرة من حياة حسني الزعيم واللحظات الأخيرة لحياة الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي، ولكن شهادته تبقى غير واضحة في مقتل كل من الزعيم والبرازي، بحيث لم يذكر من قام بإطلاق الرصاص عليهما، إنما يذكر أن عدداً من الجنود هم من أطلقوا الرصاص عليهما، فهل لا يريد أبو منصور الإفصاح عن حقيقة لا يريد أن تُعرف! أو حقاً الحقيقة ضاعت مع عدد من الجنود!؟
فضل أبو منصور كان شاهداً على الدقائق الأخيرة من عهد الرئيس حسني الزعيم، واللحظات الأخيرة من حياته والرصاصات التي أنهت سيرة حياة أول قائد انقلاب عسكري في بلاد الشام.
رواية أبو منصور:
يروي الضابط فضل أبو منصور، كيف تم اقتحام القصر الجمهوري حيث كان يقيم الزعيم وزوجته، وكيف اقتاده أسيراً وأوصله إلى حتفه!: (أسندت إلي المهمة الرئيسية التي أخذتها وهي دخول الشام واعتقال رئيس الجمهورية حسني الزعيم، فانطلقتُ للقيام بهذه المهمة على رأس ست مصفحات وستين جندياً تنقلهم سيارات، ولما وصل الرتل إلى مسافة حوالي ثلاثماية متر عن القصر ترجلت من سيارتي ومشيت بعد أن قسّمت مصفحاتي قسمين... رجال الحرس، كان عددهم يناهز الثلاثين، وكلهم من الشراكسة وكان رئيسهم متغيباً عمداً بموجب اتفاق سابق مع رجال الانقلاب، وبموجب رشوة قيّمة أغرته فأبعدته.. تمت عملية التطويق "مشيت إلى باب القصر يرافقني أدهم شركسي والرقيب فايز عدوان، وقرعت الباب بقوة فلم أسمع جواباً وكررت القرع ثانية وثالثة والليل ساج والهدوء شامل والصمت تام، واصلت قرع الباب بشدة، فإذا بالأنوار الكهربائية تشع وإذ بحسني الزعيم يطل من الشرفة صائحاً: ما هذا؟.. ما هذا؟.. من هنا؟.. ماذا جرى؟ أجبته بلهجة الأمر الصارم: استسلمْ حالاً، فكل شيء قد انتهى، وإلا دمرت هذا القصر على رأسك! فانتفض وتراجع مذعوراً! عاجلته بوابل من رشيشتي، إلا أنه دخل القصر وتوارى فيه.. فأطلقت رصاص رشيشتي على باب القصر حتى حطمته ودخلت وإذا بحسني الزعيم ينزل من الدور الثاني وهو يرتدي بنطلونه فوق ثياب النوم وزوجته وراءه تصيح: حسني، حسني، إلى أين يا حسني؟ وقبل أن يتمكن من الرد على زوجته دنوت منه واعتقلته، ثم صفعته صفعة كان لها في أرجاء القصر دوي... فقال محتجاً: لا تضربني يا رجل. هذا لا يجوز، احترم كرامتي العسكرية! أجبته بقسوة نمَّ عنها صوتي المتهدج: أنا أول من يحترم الكرامة العسكرية... أما من كان مثلك فلا كرامة له ولا شرف، أما أقسمت للزعيم سعادة يمين الولاء وقدمت له مسدسك عربوناً لتلك اليمين ثم خنته وأرسلته إلى الموت؟ قال حسني: والله يا بابا أنا بريء... اتهموني بذلك ولكنني بريء. فانتهرته قائلاً: هيا بنا، اخرج، لا مجال لكثرة الكلام! ومشى حسني إلى الخارج صاغراً وهو يحاول أن يكبت الخوف الذي أخذ يبدو بوضوح في قسمات وجهه وحركاته المرتبكة، وكنت في ثياب الميدان، وقد أرخيت لحيتي السوداء الكثة فبدوت أشعث رهيباً. لم يعرفني حسني في بادئ الأمر، وحسبني شركسياً، فأخذ يخاطبني باللغة التركية ولكنني أمرته بالتزام الصمت، ثم أدخلته إلى المصفحة التي كانت تنتظر على الباب الخارجي وسرت به صوب المزة.
كان حسني في المصفحة ساهماً تائه النظرات، كأنه لا يصدق ما يرى ويسمع... كأنه يحسب نفسه في منام مخيف.. ثم تحرك محاولاً إنقاذ نفسه وتفرّس في وجهي فعرفني، وتظاهر بشيء من الارتياح ثم قال لي: يا فضل الله أنا بين يديك، معي ثمانون ألف ليرة، خذ منها ستين ألفاً لك ووزع عشرين ألفاً على جنودك وأطلق سراحي، دعني أهرب إلى خارج البلاد. فسألته: من أين لك هذه الثروة؟ ألست أنت القائل إنك دخلت الحكم فقيراً وستخرج منه فقيراً؟ كيف انقلب فقرك ثراءً؟ فأخذ يتمتم: والله يا بابا أنا بريء، أنا بريء.. هذه مؤامرة عليّ دبرها الإنكليز لتقويض استقلال البلاد... والله أنا بريء، أنا أحبكم، أنا جندي مثلكم. أجابه فايز عدوان: لو كنت تحبنا لما باشرت تسريحنا دون سبب ونحن في الجبهة نقاتل أعداء الوطن، أنت لا تخاف الله ولا تحب أحداً. قال: والله يا إخواني أنا مظلوم، الذي سرّحكم هو عبد الله عطفة رئيس الأركان العامة، أما أنا فقد أصدرت أمراً لتشغيلكم في خط التابلاين.
عند هذا الحد أمرت حسني بالصمت وحظرت عليه مخاطبة الجنود، فساد على المصفحة صمت ثقيل، إذ لزم حسني الصمت، وقد بدا على ملامحه الرعب الشديد من هول المفاجأة، فكان ينظر إلى مسدسي المصوب إلى رأسه، وإلى رشيشات الجنود المحيطة به فتلمع عيناه ذعراً.
سارت المصفحة على طريق المزة إلى حيث كان الحناوي وأركانه ينتظرون خارج المدينة حتى تأتيهم الأخبار عن نتيجة مغامرتي. ولما وصلت إلى مفرق كيوان وجهت رسولاً ينقل خبر اعتقال حسني الزعيم إلى الحناوي ويسأله: "ماذا تريدون أن أعمل بالأسير؟
ما كاد الرسول ينطلق على دراجته النارية حتى تكلم حسني وسألني: - من هو قائد الانقلاب؟.. أيكون أنور بنود؟ أجبته بالنفي ولم أذكر اسم أحد، فاستطرد قائلاً: إذن فهو الزعيم سامي الحناوي؟ فنهرته قائلاً: - هذا لا يعنيك الآن ولا يهمك، ستعرف ما يجب أن تعرفه بعد قليل. ولما تأخرت الدراجة رأيت أن طول الانتظار على مفرق كيوان لا يوافق، فأمرت آمر المصفحة فايز عدوان من "الكفر" بمواصلة السير على طريق المزة القنيطرة. ولما ابتعدت عن المدينة، انحرفت عن الطريق صوب اليسار وأقمت أنتظر.
كنت أظن أن الجميع زحفوا معي إلى دمشق، ولكنني علمت فيما بعد أنهم تريثوا حتى يروا نتيجة قيامي بمهمتي، ولما وصلت إلى مفرق كيوان من القصر الجمهوري بتلك السرعة التي عدت بها، ظن كثيرون أني فشلت ولذت بالفرار، فكادوا يفرون هم أيضاً.. وعاد الرسول بعد نصف ساعة ليقول لي: القيادة تطلب إليك أن تبقى هنا حتى يأتيك منها إشعار بما ينبغي أن تعمل، وكانت الساعة قد بلغت الثانية والنصف بعد منتصف الليل، أي إن عملية الانقلاب واعتقال رئيس الجمهورية انتهت في ربع ساعة.. وأقمت أنتظر في المصفحة دون أن أحوِّل نظري عن حسني الزعيم حتى الساعة الثالثة والدقيقة 45.
حسني كان يلبس بنطلونه العسكري المختص برتبة مشير وقميصاً تحتانياً من القطن، مما يدل على أنه هبَّ من فراشه مذعوراً ولبس بنطلونه بسرعة دون أن يجد متسعاً من الوقت ليلبس شيئاً آخر، لذلك أحسّ بالبرد وخاطبني قائلاً: يا فضل الله أعطني معطفك، بردان! فخلعت معطفي وهو قصير من نوع "تراوكار" وأعطيته إياه فارتداه شاكراً، (تعليق: وبعد إعدام حسني الزعيم تم خلع هذا المعطف عنه واسترده الضابط أبو منصور وهو لم يزل يحتفظ به) ثم طلب سيكارة، فأشعلت واحدة من النوع المختص بالجيش وقدمتها له فأخذ يدخنها ساهماً وقد بدا عليه شيء من الارتياح لأنني أعطيته كل ما طلب، وخُيل إليه أن هذه المسايرة تدعو إلى التفاؤل. فحاول من جديد أن يخاطب الجنود ولكنني أمرته بالصمت فقال: إلى أين تريدون أن تأخذوني؟ قلت: - إلى مكان يليق بك، فلا تخف.
قال: دعوني أنزل قليلاً من المصفحة.. أريد أن أقضي حاجة! قلت: اقض حاجتك هنا في المصفحة ولا حرج عليك! فأطاع دون أن يفوه بكلمة، وقضى حاجته في المصفحة!. وفي الساعة الثالثة والدقيقة 45 وصل الرئيس عصام مريود، والملازم أول حسن حكيم، والملازم عبد الغني دهمان، في مصفحة، تتبعهم سيارة كبيرة ملأى بالجنود، ومعهم معتقل آخر هو رئيس الوزراء محسن البرازي، يرافقه ابنه، بقي الابن في المصفحة على الطريق وجاءني الجنود بمحسن جرياً على الأقدام، فإذا هو في ثياب النوم "البيجاما" يرتعد خوفاً ويردد بصوت مرتجف: ارحموني.. ليس لي أية علاقة بما جرى.. ارحموني.. ارحموا أطفالي دخيلكم! وتكلم الرئيس عصام مريود فقال لي: حَكَمت القيادة على حسني الزعيم ومحسن البرازي بالإعدام. ويجب أن يتم التنفيذ فوراً.. هذا هو قرار المجلس الحربي! فأمسكت حسني الزعيم بيدي اليسرى، ومحسن البرازي بيدي اليمنى، وسرت بهما إلى المكان الذي تقرر أن يلاقيا فيه حتفهما وهو يقع على مقربة من مقبرة كانت للفرنسيين في مكان منخفض، وقد أدرت وجهيهما صوب الشرق، صوب دمشق. وكان الجنود في موقف التأهب لإطلاق النار.. أوقفتهما جنباً إلى جنب، وتراجعت مفسحاً للجنود مجال التنفيذ، فإذا بمحسن البرازي يصيح: دخيلكم.. ارحموني.. أطفالي.. أنا بريء! وإذا بحسني الزعيم يشجعه باللغة الفرنسية قائلاً:
n, ayez pas peur, ils ne nous tuerons pas c,est impossible
أي لا تخف لن يقتلونا، هذا مستحيل. وما كاد حسني يصل إلى هذا الحد من كلامه حتى انطلق الرصاص يمزق الرجُلين ويمزق أزيزه سكون الليل ولم يكن الفجر قد بزغ بعد).
والسياسي السوري المعروف أكرم الحوراني يؤيد رواية الضابط فضل الله أبو منصور هذه حين يتطرق في مذكراته عن حادثة إعدام الرئيس حسني الزعيم.
خالد البرازي:
روى خالد البرازي، ابن رئيس الوزراء محسن البرازي والذي رافقه (معتقلاً) إلى ساحة الإعدام لأحد أصدقائه ليلة إعدام والده وحسني الزعيم فيقول: (دخل الجند منزلنا في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، وأطلقوا الرصاص إرهاباً، فأطلّ أبي يستطلع الخبر. وإذ بهم يقبضون عليه ويضربونه ويضعونه في سيارة جيب. ووضعوني أنا في السيارة المصفحة، وساروا بنا إلى مركز أركان حرب الجيش، فأخذوا والدي وصعدوا به إلى مركز القيادة بينما ظللت أنا في المصفحة، وبعد وقت قصير عادوا به وانطلقت السيارات باتجاه قلعة المزة، وعلى بعد مئتي متر تقريباً من قرية المزة رأيت حسني الزعيم واقفاً وحوله الجند على بضعة أمتار من الطريق العام. فأنزل الجند والدي من السيارة وقادوه إلى قرب الزعيم وأطلقوا عليه الرصاص، فسقطا مضرّجين بدمائهما).
الضابط أبو فضل ردّ في مذكراته أن إعدام رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه تم من مجموعة جنود، بينما الضابط محمد معروف، قال إن الذي أطلق الرصاص عليهما هو الضابط عصام مريود، وحسب ما يذكر أكرم الحوراني في مذكراته، فإن مريود كان حاقداً على حسني الزعيم.. ورواية ابن محسن البرازي (خالد) عن اللحظات الأخيرة من حياة والده وحسني الزعيم تتطابق مع رواية الضابط فضل أبو منصور أن الذي أطلق الرصاص عليهما هو مجموعة من الجنود.
 وتضيع الحقيقة الواضحة، من هو قاتل الرئيس حسني الزعيم ورئيس الوزراء محسن البرازي!؟ من أمر بقتلهما!؟ تكتم الزعيم سامي الحناوي ومن حوله عن تفاصيل مصرع حسني الزعيم ومحسن البرازي ومن أطلق الرصاص عليهما خشية من الثأر. ومع ذلك اغتيل سامي الحناوي على يد حرشو البرازي ثأراً لابن عمه محسن البرازي!
يتبع

شمس الدين العجلاني - أثينا 
alajlani.shams@hotmail.com