حسني الزعيم (تفاصيل – خفايا – آراء)
ثقافة
الجمعة، ١٤ سبتمبر ٢٠١٢
وثائق سرية
كان ولم يزل الزعيم حسني الزعيم، و137 يوماً التي حكم بها سورية، وإعدامه في المزة، مادة خصبة وألغاز وحقائق لم تُكشف بعد، واختلفت الآراء في كل ذلك هنالك، منهم من جعله بطلاً قومياً، وهنالك من قال عنه مغامراً طائشاً فتح باباً ولم يُغلق بعد، اختلفوا، ما هو الدافع لعمله العسكري الذي أوصله إلى سدة الحكم بسورية، هل كانت وراءه أميركا أو بريطانيا أو الشركات النفطية!؟
كنّا ولم نزل (مع الأسف) يطبخون لنا ويقدمون لنا وجباتهم الفاسدة!؟ ونحن نتجرع هذه الوجبات على حساب الوطن! بعد رحيل الزعيم حسني الزعيم، ورئيس الوزراء محسن البرازي، بدأت وثائقهم تكشف لنا بعضاً من الخفايا، كيف وصل هذا إلى سدة الحكم في سورية، ولماذا وصل؟
لعبة الأمم: ذُكر في كتاب لعبة الأمم لمايلز كويلاند عضو الاستخبارات المركزية الأميركية سابقاً عن المساعدات الأمريكية لحسني الزعيم؛ الآتي: (سورية كانت على حافة اضطراب سياسي عنيف، بينما كانت حكومة الكتلة الوطنية عمياء عنه. ورأى السفير الأمريكي في سورية آنذاك أن الأوضاع ستأخذ أحد مجريين: إما احتمال قيام الانتهازيين قريباً مع مساعدة السوفييت بانتفاضة دموية، أو أن يسيطر الجيش على السلطة بمساعدة الأمريكيين السرية للمحافظة على النظام، إلى حين إحداث ثورة سلمية... وهكذا شرعت المفوضية الأمريكية بالقيام بعملية هدفها تشجيع الجيش السوري على القيام بانقلاب، من أجل الحفاظ على سورية من الاختراق السوفييتي، وجلبها إلى طاولة السلام مع إسرائيل، ولم يكن حسني الزعيم الخيار الأول لفريق العمل السياسي الأمريكي المشرف على العملية، ولكنه أصبح هدفها لأنه لم يكن هناك الكثير مما يمكن عمله، لقد رأى فيه الأمريكيون نواحي إيجابية عديدة، فقد كانت له مواقف شديدة العداء للاتحاد السوفييتي، وكان يرغب في الحصول على مساعدات عسكرية أمريكية، بالإضافة لكونه مستعداً لعملٍ بنّاء بخصوص (القضية الفلسطينية)، واستناداً للوثائق السرية التي سُمح بنشرها التقى الزعيم حسني الزعيم مرات مع مسؤول من السفارة الأمريكية، للنقاش حول الانقلاب، وقد بدأت هذه اللقاءات في أواخر 1948، وانتهى الإعداد للانقلاب أوائل 1949، وفي شهر آذار من العام نفسه تقدم حسني الزعيم بطلب المساعدة من الأمريكيين للقيام بانقلابه).
وثائق سرية:
بعد مرور حوالي ثلاثين سنة وتحديداً في عام 1980، على انقلاب حسني الزعيم، سمحت وزارة الخارجية البريطانية للمرة الأولى بكشف النقاب عن وثائق هذا الانقلاب، تبدأ وثائق الخارجية البريطانية (الفورين أوفيس) ببرقية سرية رقمها 122 تحمل تاريخ 31 آذار 1949، وجاء فيها (بالإشارة إلى الانقلاب الذي قاده حسني الزعيم فلقد نجح الانقلاب وهدفه الأساسي، الإطاحة بشكري القوتلي، والقوات التي استخدمت في الانقلاب، كانت في طريق عودتها من الحدود اللبنانية، وقد تم انقلاب الزعيم دون مساندة أي مجموعة من خارج الجيش. ولم يلق الانقلاب حتى الآن تأييداً من الشخصيات السياسية باستثناء الأمير عادل أرسلان، ومن المستبعد أن يستقيل الرئيس القوتلي لأنه شخص عنيد" ولقد أجرى الرئيس اتصالات مع رئيس مجلس النواب فارس الخوري. وفي خلال الغداء اليوم قال الأمير عادل أرسلان لونداس ونداس (هو أحد رجال المخابرات البريطانية)، إن الزعيم كلفه تشكيل حكومة إلا إنه لا يستطيع ذلك من دون استشارة فارس الخوري، وناقش أرسلان الأمر مع الخوري، ولم يتوصلا إلى قرار لكن إنذاراً وجهه إلى الزعيم بأنه إذا مسّ البرلمان فلن يحصل على أي مساعدة كانت. وأشار أرسلان إلى أنه زار شكري القوتلي وخالد العظم في سجن المستشفى العسكري وتأكد من أنهما يلقيان معاملة حسنة، أما أعضاء حكومة العظم فهم أما أحرار أو قيد الإقامة الجبرية في منازلهم.)
والبرقية الثانية كانت تشير إلى اهتمام فرنسا بالحدث السوري وتقول الوثيقة رقم 357 بتاريخ أول نيسان (أخبرنا دي مارجيري مدير قسم إفريقيا والشرق الأوسط أن معلومات ضئيلة وصلت إلى الحكومة الفرنسية عن أسباب الانقلاب، وقد قام أعضاء البعثة الفرنسية بمقابلة الزعيم الذي بدا متعباً ومثبط العزيمة ولم يقدر على إعطاء أي رواية واضحة كانت عن أسباب انقلابه. والانطباع السائد لدى وزارة الخارجية الفرنسية أن وراء الانقلاب - ربما - طموح عسكري على الطريقة التقليدية في أميركا اللاتينية. وطلبت وزارة الخارجية الفرنسية أن تبقى وزارة الخارجية البريطانية على اتصال معها خشية توجه الزعيم إلى طلب الدعم من أي جهة إذا لم يتوافر له الدعم المدني داخل سوري).
وجاء بعد ذلك الدور الأمريكي. وهو ما روته الوثيقة رقم 190 بتاريخ 3 نيسان 1949، إذ ورد فيها: (ذكر السفير الأميركي في دمشق أن الزعيم سيحاول تصفية شكري القوتلي، ويجب أخذ إجراء مبكر لإجبار رئيس الأركان السوري على عدم القيام بتلك الجريمة السياسية واللاإنسانية).
وفي اليوم نفسه وفي وثيقة أخرى تحمل الرقم 190 جاء ما يأتي: " بعثت الحكومة اللبنانية إلى السفير البريطاني في دمشق برقية تعرب فيها عن اهتمامها بسلامة الرئيس القوتلي وتطلب تدخل الحكومة البريطانية لاستخدام تأثيرها وتأكيد معاملته معاملة حسنة ".
ثم جاء تحرك أميركي آخر إذ تقول الوثيقة رقم 75531 / 371 " تلقت وزارة الخارجية الأميركية تقريراً يشير إلى احتمال قيام الزعيم بتصفية القوتلي وقد أبرقت الوزارة فوراً إلى سفارتها في دمشق وطلبت إليها إبلاغ الزعيم أن مثل هذا العمل سيؤدي إلى نتائج وخيمة".
الغرب يوحد اعترافه:
وبعد الانقلاب السوري كان لا بد من الاعتراف به، وكانت تلك المرحلة من أهم المراحل التي شهدت الكثير من الاتصالات والمراجعات والاستشارات.
في البرقية رقم 376 بتاريخ 6 نيسان (أبريل) 1949 تقول: "تستعد الحكومة الفرنسية للاعتراف المبكر بالنظام السوري الجديد ولكنها تفضل أن يتم ذلك بالاتفاق مع الحكومتين الأميركية والبريطانية، وخلال عدة أيام، وذلك حتى لا تتهم بتأييد الانقلاب والتحمس له".
والحكومات العربية كانت تنتظر موقف الغرب من الانقلاب، حتى أن الحكومة اللبنانية سألت بريطانيا عن موقفها وكان الجواب البريطاني: "إن الموقف يعتمد على نتائج محددة وهي: هل سيعترف النظام بالمواثيق الدولية؟ وهل سيستمر هذا النظام طويلاً؟".
وفي الوقت نفسه كان حسني الزعيم يسعى لإرضاء الغرب. ولذلك خطط لوضع ألفي شيوعي في السجن في معسكر تدمر ليثبت للغرب إنه ضد الشيوعيين.. كما سمح لرجل المخابرات البريطاني الكولونيل فوكس بزيارة شكري القوتلي في سجنه ليطمئن عليه وليرى أنه يتمتع بصحة جيدة. وأن ثمة أطباء يعنون به كما أنه جلب طباخيه ليعدّوا له المآكل التي يريدها!
ومن ناحية أخرى، وكما تقول الوثيقة رقم 159 بتاريخ 7 نيسان، أكد الزعيم أن انقلابه حال دون قيام ثورة دموية شعبية وأن الانقلاب تم لتحقيق آمال الشعب، وإنه إجراء دفاعي بعد الإجراءات المخالفة للدستور، وإن موقف سورية تجاه حلف شمال الأطلسي وبرنامج مارشال هو الموقف الذي تقرره الجامعة العربية. واستمرت المساعي للحصول على اعتراف بالانقلاب.. غير أن مصر ترددت طويلاً في الاعتراف بالنظام السوري الجديد لأنها كانت على علاقات جيدة مع حكومة شكري القوتلي، كما أن الملك فاروق كان يعتبر أن سورية لن تنعم بحكومة أفضل من حكومة شكري القوتلي.
سامي كبارة والسيد ونداس:
وتمضي الوثائق البريطانية بعد ذلك في سيل من التفاصيل عن مراجعات واتصالات. لكنها تصب في مجموعها في قناة الاعتراف.
وثيقة رقم 214 تقول قابل سامي كبارة السيد ونداس (رجل المخابرات البريطاني) وأبلغه إنه إذا لم تحصل حكومة حسني الزعيم على مساعدة فورية فإن النظام الجديد سينهار نتيجة اضطراب مالي واقتصادي.
وإذا اعترفت بريطانيا بحكومة حسني الزعيم فيجب أن تطلب منه تسليم الحكم إلى الشعب، أما إذا لم تعترف الحكومة البريطانية بالزعيم ولم تمنحه الدعم المعنوي، فلن يجد أي دعم داخلي كان يساعده على الاستقرار، وكما قال الكولونيل فوكس، فإن تأخر بريطانيا في إظهار تأييدها للزعيم - ولو بشكل غير رسمي - سيؤدي إلى أن يحيط الزعيم نفسه بأسوأ أنواع المستشارين.
يتبع
شمس الدين العجلاني - أثينا
alajlani.shams@hotmail.com