حصاد دعم المنتج المحلّي في ميزان الاقتصاد السوري..رجحان كفّة الصناعة والزراعة والمستهلك وأرقام تبشّر بمتوالية نمو حقيقي
مال واعمال
الأحد، ١٤ أبريل ٢٠١٩
سامي عيسى:
تتعالى الأصوات المنادية بضرورة دعم الصناعة المحليّة بما يمكّنها من مواجهة التحديات القائمة وتلبية احتياجات المرحلة القادمة، ولما كانَ توفير المواد الأولية اللازمة للقطاع الصناعي حجرَ الأساس الذي تنطلق منه أي خطةٍ راميةٍ لدعم هذا القطاع فقد اتّبعت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية آليّةً جديدةً لمنح إجازات الاستيراد ركزت على السماح باستيراد المواد الأولية للصناعة واستبعاد المواد التي لها بديل محلي بما يسهم في دعم المنتج الوطني والحفاظ على موارد القطع الأجنبي وتوجيه استخدامه نحو الأولويات الاستثمارية والتنموية..
إضافة إلى دعم المستهلك وتحقيق وفورات كبيرة، وتؤكّد الوقائع أن تحرير إجازات الاستيراد انحدر بأسعار المواد الأساسية بنسب غير مسبوقة, وصلت إلى 100% بالنسبة للسكّر والرز والزيوت النباتيّة، نتيجة المنافسة بين المستوردين، وكانت هذه الفروقات الهائلة التي حصلت تذهب لجيوب الامتيازيين «كوّتا الاستيراد» يدفعها المواطن المستهلك.
شفافية
تحيّزٌ واضحٌ لدعم المنتج الوطني شرط أساس لنجاحِ أي معادلة اقتصادية في ظل التدمير الكبير الذي شهده القطاع الصناعي عبّرَ عنه الخبير الاقتصادي- الدكتور حيّان سلمان في معرض حديثه عن آلية منح إجازات الاستيراد الذي عدّ أن إساءة استخدامها في مرحلة من المراحل دفع وزارة الاقتصاد لتوحيد شروط ومعايير منح الإجازات وتحقيق العدالة والمساواة بين المستوردين بما يلغي حلقة السمسرة في عمليات الاستيراد ويوقف الاتجار بالموافقات بعيداً عن أيّ اعتبارات وطنيّة.
مبيناً ضرورة ضمان الشفافية لتحقيق العدالة بين جميع التجار والمستوردين وإرساء مبدأ المنافسة النزيهة بما يسهم في تخفيض الأسعار وانعكاسها على المستهلكين بشكلٍ إيجابي .
مستلزمات
ومع التعافي الواضح الذي يشهده القطاع الصناعي على مختلف الصعد يتزايد الطلب على المواد الأولية اللازمة للصناعة كل عام عن سابقه، وتؤكّد وزارة الاقتصاد زيادة إجازات الاستيراد خلال الربع الأول من عام 2019 بنسبة (60%) مقارنةً بالفترة ذاتها من العامين 2017 و2018 وشكلت المواد الأولية اللازمة للصناعة /80%/ من هذه المستوردات، بعد أن بلغت حصة هذه المواد من قيم الإجازات والموافقات الممنوحة لعام 2018 حوالي /75/ % ولعام 2017 /65/%. وقد بلغت قيمة الإجازات والموافقات الممنوحة للعام 2016 / 2.177 / مليون يورو, أما في العام 2017 فقد بلغت /3.224/ ملايين يورو، لتبلغ القيمة الأعلى في عام 2018 الـ /4.240/ ملايين يورو، وذلك بعد استعادة الجيش العربي السوري المزيد من المنشآت الصناعية التي بات أصحابها في إقبال متزايد على الاستفادة من الإجراءات الداعمة لإعادة تشغيل معاملهم التي شكلت المحور الأساس لسلسلة اللقاءات المستمرة بين الفريق الحكومي والاتحادات والصناعيين والمستثمرين لاستنهاض إرادتهم في استعادة مكانتهم في الاقتصاد الوطني .
إدارة النقصان
وفي ظل تراجع الاحتياطي النقدي والأجنبي بسبب العقوبات الاقتصادية الجائرة بحق الشعب السوري يعد الدكتور سلمان أنَّ حماية الإنتاج المحلي تطلبت اتخاذ خطوات جريئة لترشيد الاستيراد والبحث عن إدارة شديدة الدقة للموارد المتاحة التي شهدت نقصاً حاداً خلال الحرب، الأمر الذي أفسح المجال لمن تنقصهم «الجرعات الوطنية» من الفاسدين للتلاعب بـأسعار المواد الاستهلاكية، وهو ما جعل دعم الصناعة الوطنية لإعادة إقلاع منتجاتها هاجساً لمنع الاحتكار ومساعدة المنتج المحلي على تجاوز الصعوبات التي فرضتها الحرب والوصول إلى مرحلة ينافس فيها المنتجات الأجنبية بما يضمن انخفاض الأسعار من جهة وتخفيض فاتورة المستوردات بعد توفير البديل المحلي لها من جهة أخرى.
وتطلب النهوض بالتصنيع المحلي لإحلال الواردات وجود خريطة تنمية صناعية تركّز على الصناعات التي تتمتع سورية فيها بميزة تنافسيّة والتحديث الدوري لقوائم المواد المعتمدة بموجب الآلية الخاصة بمنح إجازات وموافقات الاستيراد، وهو ما ساهم, حسب رأي الصناعيين, في استعادة مجموعة من الصناعات المحلية عافيتها تدريجياً مثل (الألبسة والأقمشة وبعض الصناعات الكيماوية والمعدنية والغذائية….إلخ) التي أدت بدورها إلى تغطية حاجة الأسواق المحلية من هذه المواد وتصدير الفائض منها إلى خارج القطر.
انخفاض الأسعار
ضبط وتنظيم منح إجازات الاستيراد من دون تحديد سقوف للكميات أو قيم إجازات الاستيراد ساهم في إنهاء معاناة الصناعيين في الحصول على مستلزمات الإنتاج والسماح للتجار أيضاً باستيراد هذه المستلزمات وتأمينها للصناعيين غير القادرين على الاستيراد، وهو ما ساعد في إعادة إقلاع الكثير من المعامل المتوقفة عن العمل وحقق زيادة ملحوظة في كمية الإنتاج بما يكفي حاجة السوق المحلية منها .
ويجزم معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك -جمال الدين شعيب بأن لحظ الآلية الجديدة التي اتبعتها وزارة الاقتصاد في منح الإجازات الممنوحة لدعم الزراعة أدى إلى توفير مستلزمات قطاع الإنتاج الزراعي واستقرار مقبول في الإنتاج الحيواني من خلال توفير كل أنواع الأعلاف وانخفاض أسعارها نتيجة المنافسة, إضافة إلى تحسن واضح في توفر المواد الغذائية الزراعية خصوصاً الخضر والفواكه وانخفاض أسعارها في الأسواق المحلية وتصدير قسم كبير منها إلى خارج القطر، متوقّعاً انخفاض أسعار المزيد من المواد الغذائية والاستهلاكية خلال المرحلة القادمة مع استمرار تطبيق هذه الآلية الداعمة للإنتاج المحلي.
منع الاحتكار
ولما كانت المنتجات المستوردة «تُجبر» المنتجات المحلية التي عانت تبعات الحرب لمنافسة غير متكافئة، أدى استبعاد استيراد جميع المواد التي لها إنتاج محلي كافٍ من إجازات الاستيراد – حسب شعيب – إلى إيجاد حافز كبير لدى العديد من الصناعيين لزيادة إنتاجهم والتوسع في صناعاتهم, الأمر الذي أدى إلى تخفيض أسعار العديد من المواد مثل السكر والرز والحفاظ على استقرار أسعار مواد أخرى لكونه ألغى عمليات التلاعب والاحتكار التي حدّت منها إجراءات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لضبط الأسعار والرقابة على الأسواق.
منافسة فعالة
التوجه الحكومي لترشيد الاستيراد وتشجيع التصنيع المحلى خطوة مهمة في ظل الظروف الراهنة رغم تخوّف العديد من التجار والصناعيين من إمكانية تأثيرها سلباً في توفر المنتجات المحلية ذات الجودة العالية ووضع المستهلكين أمام خيارات محدودة نتيجة عدم توفر البدائل المناسبة وتالياً خلق حالة من عدم الثقة بين المواطن وصناعته المحلية وفتح مجال أكبر للاعتماد على البضائع المهربة. شعيب بين أن الدعم الاستثنائي الذي تحظى به الصناعة المحلية في هذه المرحلة والذي ترافق بحملة متكاملة لمكافحة التهريب أعطى الصناعيين فرصةً مهمة لاستعادة السمعة الحسنة لمنتجاتهم على مستوى سورية والعالم، وهو ما سيوجد منافسة فعّالة بين الصناعيين لمطابقة المواصفات العالمية في إنتاجهم وجذب المستهلكين عبر عروض وأسعار منافسة، عادّاً أن مخاوف البعض من أن يسهم ترشيد الاستيراد في تردي جودة الصناعة الوطنية غير مسوغة خصوصاً بعد أن أثبتت هذه الصناعة في أحلك الظروف قدرتها على الصمود والدفاع عن المكانة المميزة التي حظيت بها على مستوى المنطقة.
حماية المنتج الوطني
استدعى دعم المنتج المحلي إجراءات حقيقية لحمايته بما يمكنه من الاستمرار في التطور الذي يخدم الصناعة الوطنية، وبهدف تفعيل آلية منح إجازات الاستيراد بأفضل مستوى لتحقق الغايات المرادة منها تقرر خلال اجتماع عمل عقد برئاسة المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء حصر تمويل مصرف سورية المركزي للمستوردات بمدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي وتكليف الجهات المعنية بمراجعة قائمة المواد الأولية التي يتم تمويلها.
وهنا يقترح الدكتور حيان سلمان وفي السياق ذاته لدعم المنتج الوطني ومنع الاحتكار، أن تكون هناك أسعار استرشادية توضع من قبل الفعاليات الخاصة للتكلفة يضاف إليها هامش ربح معين، إضافة إلى قيام القطاع الخاص بتمويل مستورداته وألا يتدخل البنك المركزي في ذلك وأن تخصص الاعتمادات لدعم فاتورة استيراد السلع الضرورية للمواطنين إضافة إلى مدخلات الإنتاج الصناعي والزراعي وإعطاء حوافز معنوية لتنمية الصادرات وإيجاد أسواق خارجية جديدة للمنتجات السورية. وتبقى المرونة والشفافية التي يتم بهما تطبيق آلية منح إجازات الاستيراد بما يزيد من قدرة الصناعيين على توفير مستلزمات إنتاجهم وتقليص فاتورة الاستيراد هي المعيار الأساس لنجاح هذه الآلية في دعم القطاع الصناعي وتفعيل دوره الريادي في عملية التنمية والعودة إلى مربع الاكتفاء الذاتي الذي كان قبل الحرب.
تشرين