«حياكة» دستور جديد.. بقلم: محمد عبيد
تحليل وآراء
الأربعاء، ٦ نوفمبر ٢٠١٩
وانتصر خيار الشعب السوري وقرار دولته حصر الحوار بين السوريين وحدهم، من دون أي مشاركة أو تدخل مباشر أو غير مباشر أممي أو دولي أو إقليمي.
فانطلاق أعمال اللجنة المصغرة المنبثقة عن اللجنة الموسعة والمُمَثِلة للمجموعات الثلاث: الأولى، التي تعكس وجهة نظر الحكومة غير أنها ليست رسمية، والثانية التي تجمعت فيها ما يسمى «المعارضة الوطنية»، والثالثة التي تضم في صفوفها شرائح من المجتمع المدني، يضع مسألة الانتقال إلى التفاهم على معالجة سياسية للأزمة في سورية على الطريق الوطني الصحيح.
في جنيف الحالية التي لا تشبه مطلقاً جنيف السابقة لا من حيث نوعية الحاضرين وأجنداتهم المُعدة سلفاً، ولا لجهة القرارات المُعلبة التي كانت المنظومة الإقليمية-الدولية تسعى لفرضها حلاً فوقياً، أو بالأصح أمراً محتوماً على الشعب السوري القبول به والاستسلام.
وبين جنيف تلك وجنيف اليوم معمودية حرب وطنية استطاعت خلالها سورية الدولة والشعب والجيش ومعهم الحلفاء أن يهزموا المجموعات الإرهابية الوكيلة، بحيث صارت المواجهة اليوم مع رعاة هذه المجموعات الأصيلين الذين لطالما اختبؤوا خلفها.
لاشك أن دعم الحوار السوري- السوري أمر مهم للغاية، وخصوصاً بعدما تم التوافق مع المرجعية الأممية وأطراف الحوار الأخرى على ما سُمي «قواعد الإجراءات» التي حددت الضوابط اللازمة لضمان استقلالية المتحاورين، وبالتالي توفير فرص النجاح لهم وكذلك المساعدة على سلوك التفاهمات على المواد الدستورية التي سيتم الاتفاق عليها مسار الإقرار والتصديق.
لكن المهم أيضاً أن يُجمِع المتحاورون على إزالة ما تبقى من المجموعات الإرهابية عن الأراضي السورية ومعها الاحتلالات الأجنبية، وتحديداً الاحتلال الأميركي الذي ما زال يعبث بالنسيج الاجتماعي السوري من خلال استثماره في ما يسمى ميليشيا «قسد» وبثروات سورية، وكذلك الاحتلال التركي الذي لم يتوقف عن التحايل لعدم تنفيذ جميع الاتفاقات والوعود التي التزم بها أمام حليفي سورية: إيران وروسيا.. أن إزالتها جميعاً مسؤولية وطنية جامعة يجب أن يتحملها «المعارضون» للحكومة قبل الموالين لها.
لذلك فإن التلازم بين الحوار والتحرير يعتبر أمراً جوهرياً في مسار خلاص سورية وعودة الاستقرار السياسي والاجتماعي إليها، والذي لا يمكن أن يتحقق حتى لو نجح المتحاورون في الوصول إلى مبتغاهم الدستوري، في ظل وجود مجموعات إرهابية أو ميليشيات عميلة أو احتلالات جاثمة وطامعة.
والحوار السوري-السوري أيضاً حاجة للمعارضين الذين سيمنحهم هذا الحوار «شرعية» اعتراف الحكومة السورية ولو بالوساطة بحيثياتهم السياسية، كما تفتح لهم الأبواب لاحقاً للحصول على شرعية شعبية في حال عودتهم إلى وطنهم ومشاركتهم في أي انتخابات نيابية مستقبلية.
بالطبع هذا ليس تقليلاً أبداً من شأنهم الشخصي أو من كياناتهم الحزبية، ولكنه توصيفٌ لواقعِ أنه من المفترض أن هذا الفريق من المتحاورين منفصلٌ عن المجموعات المسلحة التي تتحرك على الأرض برعاية ودعم وتمويل الاحتلالات المذكورة آنفاً، كما أنه ترسيخ لمقولة إن هؤلاء المعارضين اختاروا الحوار مع نظرائهم من المقربين من الحكومة، كذلك الممثلون لشرائح المجتمع المدني، بدلاً من حمل السلاح والمساهمة في أذية الشعب السوري وتدمير البلاد ونهب ثرواتها والقضاء على مستقبل أجيالها.
إلا أن الأهم الأهم يكمن في عدم التفكير باستحضار نماذج دستورية خارجية تتناقض مع النسيج السوري الاجتماعي والحضاري. ذلك أن تلك التجارب القائمة في منطقتنا العربية وإن بدت من الخارج أنها توفر مساحات من الحريات المختلفة، غير أن معظمها يحمل في طياته عوامل استيلاد انقسامات طائفية ومذهبية وعرقية دائمة تمنع استقرار البلدان التي تعتمد هذه النماذج وتقودها من حروب صغيرة إلى حروب كبيرة.
تلبس سورية اليوم ثوباً دستورياً من حياكة أبنائها الذي وقاها شر الطائفية والمذهبية والعرقية، على الرغم من المعاناة التي فرضتها سنوات الأزمة فيها. وإذا افترضنا أن هذا الثوب بحاجة إلى تجميل أو تفصيل من جديد، فليحُك بأيدٍ سورية وطنية نظيفة حصراً.