عندما يخلد الكاتب إلى النوم.. بقلم: د. حسن مدن
تحليل وآراء
الأحد، ٢٥ أبريل ٢٠٢١
العنوان مستوحى من عبارة قالها الأديب الإنجليزي جراهام جرين، ولم يقلها على سبيل المجاز قط، فهو عناها حرفياً، وبمعناها المباشر، وذلك في حوار صحفي مطول أجري معه عن شؤون وشجون الكتابة؛ حيث أوضح أنه عندما تستعصي عليه عبارة ما، وهو منهمك في الكتابة، يختار أن يخلد إلى النوم، «وفي الصباح تنحل الأزمة بسهولة»، حسب قوله، أو كما نقول نحن في العامية: «الصباح رباح».
وإذا كان النوم مخرجاً أو هروباً من استعصاء عبارة من العبارات، فماذا عن شعور الكاتب بالرغبة في أن «يتقاعد» عن الكتابة، تماماً كما يتقاعد الموظفون، وهي مسألة قيل حولها الكثير؟ وعلى سبيل الاستهجان ترد العبارة التالية، وعلى صيغة سؤال: «هل يمكن للكاتب أن يتقاعد أصلاً؟» بالنظر إلى أن الكتابة ليست وظيفة محكوم العمل فيها بعمر معين.
هذا أيضاً بعض ما جرى تناوله في الحوار المشار إليه، والمنشور في كتاب أعدّه عصام محفوظ، حين قال جرين عن كتاب بعينه من كتبه إنه لم يتعذب مع كتاب كما تعذّب معه، لأنه كان يشعر بأنه كتابه الأخير، وهنا بادره محاوره بالسؤال الاستهجاني الذي أشرنا إلى محتواه، عما إذا كان بوسع الكاتب أن يتقاعد عن الكتابة أصلاً؟
كان جرين عند إجراء الحوار معه في الرابعة والثمانين من عمره، لذلك لم يحر جواباً، وردّ قائلاً: «عندما تكون في الخامسة والستين من عمرك، فإن تقاعد الكاتب قاتل»، كأنه يشير إلى أنه قد بلغ من العمر عتيّاً، ما يجعله غير مطمئن إلى أنه ما زال لديه، بعد، ما يقوله، قبل أن يستدرك: «ربما أكتب في المستقبل قصصاً قصيرة، وليس الرواية». وعلى هذا الاستدراك، استدرك أيضاً: «لست واثقاً من هذا الكلام، فقد سبق أن قلته قبل سنوات، ثم أصدرت دزينة روايات»، وبذلك أبقى الباب مفتوحاً لمواصلة الكتابة.
للعمر أحكامه مهما كان الكاتب مبدعاً، فجرين قال حينها إنه يستيقظ في السابعة صباحاً بفنجان من الشاي، ثم يكتب نحو ثلاثمئة كلمة، هي قدرته في يوم واحد في عمره ذاك، على خلاف ما كانت عليه الحال في سنيّ الشباب، حيث كان ينجز الكتاب في تسعة أشهر، فيما بات يحتاج، وقد كبر، إلى نحو ثلاث سنوات ليتمّ ذلك.
وفي ما نعدّه درساً في الكتابة والنشر، أوضح جرين أن الكتاب مثل الحمل، تضعه حين يحين الوقت. وإذا نضج الكتاب فلتساعده على الخروج، حتى لا تتعسر الولادة، لأنه يصبح دملاً إذا لم يخرج.