فضيحة الوثائق السريّة تُحاصر بايدن: ولايةٌ واحدة تكفي!
أخبار عربية ودولية
الخميس، ٢٦ يناير ٢٠٢٣
راكمت قضيّة الوثائق السريّة التي عُثر عليها في منزل الرئيس الأميركي، جو بايدن، مزيداً من الصدع في المشهد السياسي الداخلي، مع تحوُّلها إلى مسألة سجال حزبي، لا سيما وأنها تساوقت مع كشْفٍ مماثل جرى الإعلان عنه، في آب الماضي، ويخصّ الرئيس السابق دونالد ترامب. وإذا كان من مؤّشر أوّل، فهو أن حظوظ الرَجلين للترشُّح لرئاسيات 2024، تراجعت إلى حدودها الدنيا. ففي حالة بايدن، بدأ الغضب يتنامى في صفوف المعسكر الديموقراطي إزاء تعامل البيت الأبيض مع القضيّة، فيما يتربّص الجمهوريون في مجلس الشيوخ، بالرئيس، مهدّدين بإطلاق إجراءات العزْل في حقّه، ذلك أنه «غير مؤهّل، ولا يصلح لولاية ثانية»
لطالما أثارت قضيّة احتفاظ الرؤساء الأميركيين ببعض «تذكارات» عهدهم - تكون عادةً على شكل وثائق سريّة تعود إلى الفترة التي شغلوا فيها منصب الرئاسة -، كثيراً من اللغط، حتى أنها شكّلت «معضلة» في بعض الحالات؛ كحالة ريتشارد نيكسون، مثلاً، الذي، وعلى رغم انتهاء عهده بفضيحة «ووترغيت» الشهيرة، واستقالته على إثرها تجنُّباً لإطلاق إجراءات عزْله في الكونغرس، إلّا أنه احتفظ بمستندات سريّة، ورفض إعادتها بحجّة أن ملكيتها تعود إليه. وإذا كان في مثال نيكسون المتقدِّم ما يثير بعض الغرابة، ثمّة مَن يؤكد أن مسألة «السطو» على الوثائق المصنّفة: «خاص»، «سرّي» و«سرّي للغاية»، تنسحب على جميع الرؤساء الأميركيين. «أَخذ كلّ رئيس - عن طريق الخطأ - وثائق مصنّفة سريّة. الآن، اكتشفنا أن جو بايدن فعل الشيء نفسه الذي فعله جميع الرؤساء»، والإشارة لرئيس «لجنة الرقابة» في مجلس النواب، الجمهوري جيمس كومر. وإذا لم يكن بايدن هو وحده مَن وقع في هذا «الشَرك»، فلا شكّ في أن ارتدادات الكشف ستطاول ولايته الرئاسية، كما حظوظه في المستقبل، في حال كان لا يزال عازماً على الترشُّح لولاية رئاسية ثانية.
في تفاصيل ما جرى، وجد محامو الرئيس الأميركي الشخصيّون، في الثاني من تشرين الثاني الماضي، أي قبل أسبوع من موعد انتخابات التجديد النصفي، أثناء «تعزيل» مكتبه في مركز «بن بايدن» للأبحاث في نيويورك، التابع لجامعة بنسلفانيا، حيث كان لدى بايدن مكتب، وثائق مخبّأة في «خزانة مقفلة» تعود إلى الفترة التي تولّى فيها منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما (2009 - 2017). سارع المحامون إلى إبلاغ الأرشيف الوطني، كما وزارة العدل، بالمحتويات التي عثروا عليها، علماً أن الرئيس نفسه، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، الذي كان المدير العام للمركز في حينه، قالا إنهما لم يكونا على علم بوجود أيٍّ من هذه المستندات. وبعد مضيّ أكثر من شهر، وتحديداً في 20 كانون الأوّل الماضي، أبلغ المحامون، وزارة العدل، بأنهم عثروا على وثائق كانت مخبّأة في مرأب منزل بايدن في ويلمنغتون في ولاية ديلاوير. ولاحقاً في الـ9 من كانون الثاني، سرّبت شبكة «سي بي أس» الإخبارية أمر المستندات التي عُثر عليها في مركز «بن بايدن»، وهو ما أكده فريق الرئيس من دون ذكر أوراق المرأب. بعدها بيومين، أماط المحامون اللثام عن وثيقة أخرى في إحدى غرف المنزل المذكور. وفي اليوم التالي، أفادت الناطقة باسم البيت الأبيض، كارين جان-بيار، الصحافيين، ردّاً على سؤال عن عملية البحث: «يجب أن نفترض أنها قد اكتملت»، لكن يبدو أنه تمّ العثور، في ذلك المساء، على خمس وثائق إضافيّة في الغرفة نفسها. وصُنّفت الوثائق التي عُثر عليها في مكتب بايدن على أنها «معلومات حسّاسة ومصنّفة» عن أوكرانيا وإيران وبريطانيا، وفقاً لشبكة «سي أن أن». غير أن الفجوة التي دامت شهرَين بين اكتشاف الوثائق قبل أيّام من الانتخابات النصفية، والإعلان عنها في الشهر الحالي، أثارت تساؤلات حول مدى شفافيّة البيت الأبيض.
على مدى الأسبوعين الماضيَين، شغلت قضيّة احتفاظ بايدن بوثائق سريّة، الرأي العام الأميركي والمحلّلين، لا سيما وأن الواقعة جاءت بعد أشهر قليلة (خمسة للدقّة) من العثور على أوراق سريّة في منزل الرئيس السابق، دونالد ترامب، في فلوريدا، يمكن أن تتسبّب، من بين أمور أخرى، في تعطيل فرص ترشُّحه إلى انتخابات 2024. ولأن القضيّة تمثّل جزءاً من الصراع السياسي الآخذ في التمدُّد بين الحزبَين الديموقراطي والجمهوري، بعث رئيس «لجنة الرقابة»، كومر، برسالة إلى البيت الأبيض، يسأله فيها عمّا إذا كان هانتر بايدن، نجل الرئيس، قد تمكّن من الوصول إلى هذه الوثائق، ويَذكر أن المنزل، حيث عُثر على الوثائق، مسجَّل باسم هانتر، مشيراً إلى أن «اللجنة تشعر بالقلق من أن الرئيس بايدن خزّن وثائق سريّة في نفس الموقع الذي أقام فيه ابنه أثناء مشاركته في صفقات تجارية دولية مع خصوم الولايات المتحدة (أوكرانيا والصين)». وأعلن كومر، الذي يمكنه الآن ممارسة سلطة الاستدعاء، أن لجنته ستكثّف التحقيق في تعاملات هانتر التجارية، وتلك الخاصة بأفراد الأسرة الآخرين وشركائها، فيما اعتبرت مارجوري تايلور غرين، العضو في اللجنة، أن قضيّة الوثائق هي مثال على «نظام عدالة من مستويَين»، وأنه يجب عزْل بايدن من منصبه. وبفضل الوعود التي قطعها رئيس مجلس النواب، كيفن مكارثي، لتولّي المنصب بعد 15 جولة تصويت، حصل بعض الأعضاء الأكثر تشدُّداً في المجلس، مِن مِثل: لورين بويبرت، وبول جوسار، ومارجوري تايلور غرين، وسكوت بيري على مقاعد في اللجنة. وأخذت القضية بُعداً آخر مع تعيين وزير العدل، ميريك غارلاند، المستشار روبرت هور، مدّعياً عاماً مستقلّاً للتحقيق في المسألة، تماماً كما فعل في القضيّة نفسها التي يواجهها ترامب، وذلك لتبديد الشكوك حول وجود ازدواجية معايير، لكن المعارضة الجمهورية استغلّت أكثريتها الضئيلة في مجلس النواب، وأطلقت تحقيقاً برلمانيّاً، مطالبةً بالحصول على مزيد من المعلومات.
وإذا كان بايدن، حتى وقت قريب، ظلّ يبدو مستعدّاً لإعلان ترشُّحه لولاية رئاسية ثانية، غير أن تكشّف أزمة الوثائق السريّة في مواقع عائدة إليه، أعاد خلط حسابات الرئيس، الذي كانت حظوظه بدأت تنتعش أخيراً، مع ارتفاع ملحوظ في نسبة التأييد الشعبي له مقارنةً بما كانت عليه الحال قبل انتخابات التجديد النصفي. ويَظهر أن ملفّ الوثائق يتفاقم بصورة لا يمكن الرئيس احتواءها، بما يهدّد فرصه في الإعلان عن الترشُّح لولاية ثانية، بل يمكن أن ينسف خططه لولايته الحالية، والتي تنتهي في 20 كانون الثاني 2025. ويترافق الكشف خصوصاً مع تربّص الجمهوريين في الكونغرس بالرئيس الديموقراطي، بعدما تجاوزوا انقسامهم الأخير والذي تجلّى في خوض 15 جلسة اقتراع قبل انتخاب كيفن مكارثي رئيساً لمجلس النواب في الكونغرس. ومضافاً إلى النكسات التي يتعرّض لها بايدن، بدأ المعسكر الجمهوري في مجلس النواب تحقيقاً برلمانياً في الانسحاب الفوضوي للقوّات من أفغانستان في عام 2021، والذي قتل في خلاله 13 جندياً أميركياً. وانتقلت نكسات الرئيس إلى داخل حزبه الديموقراطي، بعد إعراب حلفاء ديموقراطيين عن إحباطهم من النهج الذي اتّبعه مسؤولو البيت الأبيض تجاه الوثائق السريّة التي عثر عليها، داعين الإدارة إلى أن تكون أكثر انفتاحاً في تعاملها مع القضيّة.
ستمثّل قضيّة الوثائق السرية التي عُثر عليها في منزل بايدن، على ما يبدو، عقبة في طريق الرئيس الأميركي المؤدّية إلى ولاية ثانية. وفي هذا الجانب، يقول أستاذ السياسة في الجامعة الأميركية، ألن ليختمان: «سيؤثّر ذلك سلباً. لكن السؤال هو إلى أيّ مدى»، موضحاً أن «الأمر سيُنسى إلى حدّ كبير إذا قرّر المدّعي العام الخاص أنه نجم عن قلّة انتباه فقط، وليس مخالفة جنائية». ومع ذلك، سيبقى الجمهوريون متمسّكين بهذه الواقعة كدليل على أن «بايدن غير مؤهّل ولا يصلح لولاية ثانية».