ماأهمية الفحوصات الطبية ما قبل الزواج..
الأزمنة
الخميس، ٢٤ نوفمبر ٢٠١١
إن الفحوصات التي تطلب من الخطيبين ما قبل زواجهما هي فحوصات علاوة على أهميتها الصحية فهي ذات أهمية اقتصادية، واجتماعية، فهي تقلّل من ازدياد الإصابات في الأجيال القادمة.
وما ندفعه اليوم من أجل تحليل لشخصين يقدّر بألوف يوفر مستقبلاً الملايين وربما أكثر. إذا ما استثنينا المعاناة التي يعاني منها المريض وخصوصاً في طفولته، وكذلك الأهل. فمثلاً نسبة التلاسيميا في بلادنا 7-8% وهذه النسبة فيما لو حُسبت مادياً على وزارة الصحة, فتقدر بأكثر من مليار ونصف سنوياً، إضافة إلى غياب الطلاب عن مدارسهم بسبب المعالجة التي لا تتم إلا بالمراكز، وغياب العمال عن عملهم...
بعد كل ما ذكر نجد أن تحاليل وفحوصات ما قبل الزواج تريح الفرد والمجتمع في مختلف نواحي الحياة.. لذا نؤكد على ضرورة وعي شبابنا لهذه الحالة وعدم الاستهتار بها. ومن هنا كان هذا الحوار مع الاختصاصي في الأمراض الداخلية والصدرية الدكتور نايف رشيد عبيد.. الذي قال في البداية إن أهمية الفحوصات الطبية قبل الزواج هي لكشف الأمراض الوراثية المزمنة التي لا تكتشف سريرياً، وإنما تكتشف عن طريق التحاليل الخاصة بها. وهناك مجموعة كبيرة من الأمراض المزمنة التي ينتقل أكثرها عن طريق زواج الأقارب، وإن كان هناك قسم كبير منها لا علاقة له بها.
وذكر بأن التحاليل المطلوبة للخطيبين قبل الزواج هي عبارة عن رحلان الخضاب الكهربائي لكشف حملة التلاسيميا أو المصابين بها. ومرض التلاسيميا هو فقر دم انحلالي وراثي ينتقل للأبناء عن طريق زوجين مصابين أو حاملين. فهي مورثة مقهورة. وفي حال عدم التأكد من الرحلان الكهربائي للخضاب، هناك تحاليل إضافية تسمى الطفرات. وهي عبارة عن تحاليل المورثات للخطيبين في حال عدم التأكد من إصابة أحدهما أو كليهما بالمرض. وهذه التحاليل مهمة جداً من أجل البدء بالعلاج أو عدمه. وللتنويه هنا بأن المريض يعاني من شيء اسمه فقر دم ولكن غير مشخّص بالتحاليل العادية.
وعن إمكانية توفر التحاليل والفحوصات وهل هي في متناول المريض أكّد بأن هناك بعض التحاليل مثل رحلان الخضاب الكهربائي، وهو متوفر بشكل جيد في جميع المخابر وخصوصاً في المركز الوطني للتلاسيميا. بينما تحاليل الطفرات فتتوفر في مشفى الأسد الجامعي، وفي هيئة الطاقة الذرية.
وعن إلزامية الفحص الطبي ووجوبه على الخطيبين أضاف بأنه في الفترة السابقة لم تكن هذه التحاليل ملزمة لهما، بل كان هناك تقرير طبي عن حالتهما العامة مثل الأمراض المعدية والأمراض المزمنة. أما الآن وبعد وجود عيادات ما قبل الزواج التابعة لنقابة الأطباء بالتعاون مع وزارة الصحة فأصبحت التحاليل لما قبل الزواج ملزمة، وتعدّ من الأوراق اللازمة لإتمام عقد القران.
والفحوصات الأخرى اللازمة لكل منهما قبل الزواج فحوصات الإيدز (نقص المناعة المكتسب)، والتهاب الكبد، إضافة لفحوصات التلاسيميا الآنفة الذكر.
وأوضح الدكتور عبيد أسباب عدم إلزامية فحوصات ما قبل الزواج سابقاً، أما حالياً فهي من الأوراق المتممة لعقد الزواج بقوله: " قد تكون الأسباب متعددة، فمنها عدم وجود الإمكانية، إضافة إلى أن الأمراض لم تكن بهذا الكم الكبير. فمثلاً لم يكن هذا العدد الكبير من مرضى التلاسيميا، والآن المبالغ التي تُدفع لمرضى التلاسيميا أصبحت أرقاماً مخيفة، فالمريض يكلّف وزارة الصحة بين 600 ألف و800 ألف ليرة سنوياً من عناية ونقل دم وأدوية تسمى (خالبات الحديد). أما بالنسبة لمرض الإيدز، فهو مرض حديث تقريباً فلم يكن مكتشفاً في بلادنا بعد، وهو دخيل عليها.
وكذلك التهاب الكبد الفيروسي C، التي ازدادت الإصابة به مؤخراً لأسباب منها: نقل الدم، وعن طريق ممارسة الجنس إذا كان أحد الزوجين مريضاً.
وأجاب فيما إذا كان هذا الإجراء (الفحص الطبي) مجرد ورق روتيني لتسهيل عملية الزواج، أم أن هناك قانوناً صارماً لمنع الخلل والتسيّب قال: في الفترة الحالية وبعد وجود عيادات ما قبل الزواج، وقد نوهت سابقاً بأن هذا الإجراء أصبح ملزماً لكل خطيبين مقدمين على الزواج، وليس روتينياً. فهو إجراء يجرى في عيادات خاصة ومحددة في كل محافظة، وقد يكون هناك عيادتان واحدة في المدينة وأخرى في الريف، كما في محافظة مدينة دمشق وريفها. والآن افتتحت عيادة مماثلة في مدينة دوما، وذلك تسهيلاً للمواطنين، والجدير بالذكر هنا بأن هذه الفحوصات تُقرأ من قبل أطباء مختصين في العيادة المختصة.
وعن المشاكل المعقدة من خلال زواج الأقارب، ومن خلال زواج المتقدمة بالعمر أضاف: بالنسبة لزواج الأقارب فهي ثقافة قديمة لدى العائلات اجتماعية اقتصادية، بأن يكون ابن العم أو ابن الخال أو ابن العمة أو ابن الخالة، ملزماً بالزواج من إحدى قريباته. وهذه الحالة الثقافية المتجذرة جاءت نتيجة العلاقات الاجتماعية والعائلية في المجتمعات العربية، فقد يكون هناك عائلتان متخاصمتان لا يحصل بينهما التبادل، وكذلك نتيجة الخصومات مع العائلات الأخرى، فالشاب ينظر دائماً إلى أن عائلته هي الأفضل، وتتكون لديه ثقافة جديدة بأن قريبته هي الأفضل أيضاً. وبالتالي فالشباب يتزوجون أو يقترنون بأقاربهم، وعبر الزمن أصبحت هناك مجتمعات متقاربة جداً إلى بعضها بعضاً، وأصبحت الأمراض الوراثية التي كانت كامنة تظهر في الولادات الجديدة.
وهذه العلاقات تنطبق كذلك على العشائر والقبائل المنتشرة في أنحاء الوطن العربي.
ومن المشاكل الأخرى أن التعليم لم يكن متاحاً كما هو اليوم للشباب والفتيات، وبالتالي لم يكن هناك الاختلاط بين الشبان من ذكور وإناث مع عائلات أخرى.
وعن الاختلاف في نتائج التحاليل من مخبر لآخر.. وفيما إذا كانت الأسباب هي خطأ في المؤشرات أم تعود للمكان أم لحالة المريض النفسية أجاب وبكل شفافية بأن الاختلاف في النتائج يأتي لعدة أسباب. فهناك حداثة الجهاز، والتقنية التي يتعامل بها المخبري، وهناك جزء بسيط من الاختلاف في التحاليل وهو الأيدي العاملة. وفي بعض التحاليل كالسكري مثلاً، وإن لم يكن مثبتاً علمياً، ولكن قد تختلف النتيجة من مخبر لآخر نتيجة العامل النفسي. أما بالنسبة لبقية التحاليل فنادراً ما يؤثر العامل النفسي عليها وخاصة إذا كان الاختبار كمّياً مثل فحوصات التهابات الكبد والإنزيمات.
وعن إمكانية اختلاف الفحص الطبي قبل الزواج من فترة زمنية لأخرى قال بأنه في الأمراض الوراثية تجرى الفحوصات الطبية لمرة واحدة في العمر، لأنها لن تتغيّر مثل التلاسيميا. أما في الأمراض الإنتانية مثل (التهاب الكبد الفيروسي C)، فهي إما أن يكون المريض قد استجاب للعلاج، وعندها يعامل معاملة الشخص السليم، أو لا يستجيب وهنا تقدّر نسبة إصابته والاختلاطات التي تحصل فيما بعد من قبل اللجان الطبية.
وعن التحاليل الدورية لكل عمر قال بأنها لكل الأشخاص فوق سن الأربعين، وتجرى التحاليل مثل السكري، شحوم الدم، والقلبية. بشكل عام، وكل ستة أشهر تقريباً.
وقدّم الدكتور عبيد النصائح لمن اكتشف أيَّ خلل أو مرض بعد الزواج دون عمل التحاليل أو الفحوصات بقوله : " في حال اكتشاف أي مرض دون أن يكون قد أجرى الفحوصات اللازمة قبل الزواج فهناك مجموعة أمراض ومجموعة إجراءات تخصّها. وبالنسبة لمرضى التلاسيميا لو أن الزوجين رُزقا بطفل مصاب بالتلاسيميا بسبب حملهما لسمة التلاسيميا، فهنا يكون الإجراء بالشكل التالي :
1- تسجيل الطفل في المركز الوطني للتلاسيميا لمتابعة علاجه.
2- أي حمل يحصل بعد أن علما أن قد يكون لديهما أطفال مصابون مستقبلاً.. يجب إجراء الفحص للجنين في الأسبوع العاشر حتى الأسبوع الثاني عشر، وهنا يمكن شرعاً وقانونا إجهاضه، وهذا يدخل ضمن الإجهاض العلاجي.
أما في الأمراض الأخرى التي يمكن علاجها فتعالج بالشكل المطلوب.
وذكر النصائح التي يقدمها لكل من هو مقبل على الزواج بخصوص أهمية الفحص الطبي قبل الزواج، بأن يكون الخطيبين على بيّنة بحالتهما الصحية، حتى لا يحصل الندم بعد ذلك. والوضوح يجلب السعادة الزوجية.
وأخيراً ختم حديثه عن مدى تأثير الفحص الطبي على الفرد وعلى المجتمع بشكل عام، حيث فقال: " في بلادنا الآن نعاني من الأمراض الوراثية المزمنة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. فالشخص المصاب بمرض مزمن وراثي، بالإضافة لمعاناته الشخصية يشعر دائماً بأنه أقل من الآخرين إذا لم يكن مستعداً صحياً. وأما من الناحية الاقتصادية فهناك مصروف إضافي هو – المريض- بغنى عنه، بالرغم من مساعدة الدولة له، علماً بأن الدولة تتكبّد مبالغ كبيرة تصل إلى المليارات سنوياً.
فمن ناحية الفرد هي معاناة شخصية أكثر، أما بالنسبة للمجتمع فكلما خفّت المصاريف على هذه الأمراض، كلما أنفقت على مشاريع أخرى وساهمت في تطوير وتحسين سبل الحياة، والفائدة تكون للجميع...
وفاء حيدر