مات العيب.. بقلم: مارلين سلوم
تحليل وآراء
السبت، ٢ يوليو ٢٠٢٢
هي ليست أزمة نقابة المهن الموسيقية، ولا الفنان هاني شاكر، ولا أزمة حسن شاكوش، ولا أزمة ممثل صار نجماً بأدوار البلطجة والذبح والدم والانتقام.. هي أزمة القيم والمثل العليا، والسقف الذي لا يجوز تجاوزه، والحدود التي من المعيب الانحدار لما دونها. هي أزمة كلمة في الأغنية والدراما والسينما، فقدت قيمتها، وشردت نحو الانحطاط، فأهدرت معها كل قيمة للأخلاق، وشوّهت صورة البطل، ونزعت برقع الأدب، وتجاوزت كل المحرمات، لتفرض نماذج جديدة على المجتمع؛ الرداءة عنوانها، والعضلات والعنف والقتل سلوكها.
ما وصلنا إليه في العالم العربي من تفكك في قيم ومفهوم الأسرة والمجتمع على الشاشة، وفي الأغنية، لا بد أن ينعكس على الناس في تصرفاتهم وأخلاقهم؛ فأخطأ كل من ادعى أن ما يراه الجمهور ويسمعه ويردده ليل نهار مغلفاً بموسيقى ونغمة وإيقاع لا يؤثر فيه سلباً، ولا يتأثر به أو يحاول تطبيقه في حياته اليومية. والتأثير هذا ليس جديداً، فالأجيال التي تشبعت من أغنيات ومسرحيات فيروز تأثرت بكلمات الأخوين رحباني، وعاشت الأحلام الوردية، والخجل في الحب البريء، وفي زمن تألق سعاد حسني وحسين فهمي في «خلي بالك من زوزو» سارعت الفتيات إلى ارتداء أزياء «زوزو»، وتسريحة شعرها، وتقليد تصرفاتها وقوة شخصيتها، كما حلم كل شاب بأن يكون «الواد التقيل» بالشكل والنظرة والكبرياء.. وفي زمن شادية وفاتن ومريم فخر الدين، خصوصاً في فيلم «رد قلبي»، كانت كل نجمة تمثل نموذجاً للفتاة المثالية والجميلة، وكل نجم هو المثال الذي يُحتذى، ووقتها كانت الأفلام والمسلسلات، تركز على البيت والأسرة المتماسكة، والقيم و«العيب».
مات «العيب» وقتلوا القيم والمشاهد الجميلة التي تنعش الروح والقلب في كل وسيلة فنية تصل إلى مسامع الناس وأبصارهم فتتشربها عقولهم. كل الإجرام والعنف الذي يسود على الشاشة ليس مجانياً؛ بل يدفع ثمنه الناس الذين يصدقون ما يرون ويسمعون ويقلدونه بشكل أعمى.
الأزمة ليست أزمة شخص واحد، ولا أزمة نجم صار رمز البلطجة، ونشرها في المجتمع، ولا السكاكين والمطاوي التي صارت إكسسوار الرقص في كل المناسبات وبأيدي الأطفال والشباب، المشكلة في العيون التي أغفلت كل هذا، وغضت الطرف بحجة «الحرية»، فوصلنا إلى هذا التشوه المدمّر، والمشكلة في الأهل الذين أسقطوا التربية من حساباتهم، وتركوا أبناءهم للرياح تتقاذفهم، وتشكلهم كيفما تشاء، فهل من وقفة جدية حاسمة تعيد بناء النفوس والمجتمعات، كي نغسل العقول من جديد، لكن ب«الغسيل الإيجابي» هذه المرة؟