مشروع الانفصال الكردي .... كيف ينظر إليه الإعلام "الحليف"؟! .. بقلم : سليمان أمين
تحليل وآراء
الجمعة، ١٦ أغسطس ٢٠١٩
أعلن الأتراك مراراً وتكراراً رفضهم لقيام دولة كردية في سورية تهدد حدودهم، وكان ذلك الذريعة التي جلبت جيشهم الاستعماري إلى الأراضي السورية في الشمال بحجة القضاء على داعش و إبعاد الأكراد عن غربي الفرات، لكن الإجراء العسكري التركي توسعيٌّ في الأراضي السورية ومن شأنه أن يبعد الأكراد فعلاً عن الحدود التركية، إلا أنه سيمكّنهم من حدود ينشدونها برعاية أميركية غربية إسرائيلية لإقامة كيان مستقل ثمنه اقتطاع أجزاء من سورية لصالح الأتراك الاستعماريين تحت عنوان "منطقة آمنة"، ولعل هذا من صالح الأكراد الانفصاليين ضمن خطة محكمة بإسهام من أردوغان الذي يهدد بإلغاء اتفاق لوزان 1923 والذي يُلزم تركيا بالحدود الحالية، وما إصرار الأتراك قبل سنتين على المشاركة في معارك الموصل -بعد تقدّمهم في عملية "درع الفرات" وصولاً إلى مدينة الباب السورية- إلا لهدف بسط السيطرة "العثمانية" على الحد الأقصى من الأراضي التي ستشكّل لهم ما يشبه حزاماً آمناً ضد تهديد الأكراد –حسب تعبيرهم. بتاريخ 17/3/2016 جاء إعلان "فدرالية" ما أسموه "روج آفا" في سورية التي يراها الانفصاليون مقدمة لضرورة اعتماد نظام مماثل في الأراضي السورية كافة ما بعد الحرب، وبالرغم من أننا نحيا منذ فترة الأنباء التي تصاعدت فيها وتيرة البيانات العسكرية للجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة وما تبعها من تحاليل عسكرية وسياسية لخبراء من مختلف الجنسيات تحدثت عن تلاشي أخطار التقسيم وانسحاب مخططاته إلى الوراء، إلا أن الاتفاق الأميركي التركي الأخير على ما أسموه "المنطقة الآمنة" في الشمال والشمال الشرقي السوري، أعاد المخاوف من جريمة تقسيم البلاد، كما أننا لا يمكن أن ننسى ما قد تردد من صدى "فدرالية" الانفصاليين في بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية الحليفة مع الأسف...
ففي مطلع شهر كانون الأول 2014 وصفت إذاعة "شام إف إم" المناطق التي قام وزير الخارجية الفرنسي الأسبق "برنار كوشنير" بزيارتها للاستعلام عن "الإدارة الذاتية" في تلك المناطق، بـ"المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال سورية"، وبتاريخ 7/12/2015 قدّمت قناة الميادين تقريراً إخبارياً عن الأوضاع في مدينة عفرين السورية مطلقة عليها اسم "مقاطعة عفرين" وواصفةً إياها بالكردية، والقرى القريبة منها بــ "العربية"، وما رأيناه على شاشة هذه القناة "الحليفة" لا يسر خواطر الجمهور الصامد من شرق سورية إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها...فخريطة سورية التي عُرضت لأول مرة ضمن ما يسمى بالنشرة الميدانية لقناة الميادين ظهر يوم الإثنين الواقع في 5/2/2018 –واستمر عرضها فيما بعد مراراً- تشبه خريطة عمليات سياسية مؤلمة أكثر من كونها مخصصة لتحاليل ضيف النشرة العميد المتقاعد اللبناني –والحمد لله أنه متقاعد- والذي لم يعرّج على الخريطة أثناء شروحاته، لتبدو الخريطة كخلفية واضحة جداً لواجهة أحداثٍ لا يتمنى السوريون أن تتحقق، أو ينجح صانعوها الأعداء بمبتغاهم... وكما هو معروف فقد درجت العادة في الأطالس القديمة أن يشرح مصممو الخرائط في أدنى زاوية من الخريطة معاني ودلالات الأجزاء الملونة فيها، سواء كانت تشير إلى جغرافيا طبيعية أو سياسية أو ديموغرافية...ولكن ما رأيناه في خريطة نشرة "الميدانية" المشار إليها آنفاً هو أجزاء ملونة لا تفسير لها بالنسبة إلى المشاهد البريء سوى هدف التخزين في الذاكرة وتكريس وضعٍ هو بحد ذاته "المؤامرة" التي تحدّث عنها الجميع بما فيهم القناة صاحبة الخريطة...
كما لوحظ من خلال ألوان الخريطة أنه لا مشكلة للمصابين بعمى الألوان لأنهم لا يخطئون في تمييز الألوان المتماثلة أو المختلفة...! لقد لوّن راسم الخريطة بالأصفر - ووفق تعليمات محددة- كل المناطق التي يسعى انفصاليو الأكراد الاستئثار بها في القطر العربي السوري وإعلانها دويلة كردية مستقلة بدعم غربي، وقد امتد هذا اللون الأصفر إلى المناطق المشابهة في العراق الشقيق، أما بقية ألوان خريطة "الميادين" فتراوحت بين الأحمر والأخضر والبني الغامق، وهي مع الأصفر، وحسب راسم الخريطة، ألوانٌ معبّرة عن الطائفية والعرقية والعشائرية، ولا تفسير غير ذلك إلا ما يمكن أن يقرأه السياسيون خلافاً لذلك!
أما قناة "روسيا اليوم" فعرضت خريطة توزع الأكراد في سورية بلون أحمر متدرّج ونسب متفاوتة تجاوزت المعقول، بل والمسموح به وطنياً، ذلك أن وجود سوريين من أصول كردية في أية محافظة سورية، إنما لا يجوز تلوينه –مهما تدرّج اللون-في خريطة للتداول السياسي والإعلامي.
ونحن ندرك أن المبررات لما رأينا –إذا وجد المعنيون دواعٍ للحديث عنها- ستتمحور حول أنها خريطة "إخبارية تحليلية" توضح مناطق سيطرة الدولة السورية والمناطق الواقعة تحت سيطرة العصابات الإرهابية وغيرها...وهذه مبررات مرفوضة لأنه بإمكان المذيعة أو المذيع التعريج على تلك المعلومات بأقل من دقيقة، يكون المحلل الضيف قد استقر خلالها على كرسيه الدوّار! وقد أثنى العدو الإسرائيلي على محاولات انفصال الأكراد في دويلة خاصة بهم معتبراً ذلك "ضرورة ونضالاً كردياً من أجل الاستقلال" –ولو انطلاقاً من البوّابة العراقية- بما يكرّس عقيدة "بن غوريون" القائلة "إن كل عدو للعرب يشكّل حليفاً محتملاً للإسرائيليين"...
وقد افتتح الانفصاليون بتاريخ 23/5/2016 بمعونة السلطات الفرنسية مكتب تمثيل للفدرالية المخالفة للقانون في باريس بحضور وزير الخارجية الأسبق برنار كوشنير والصهيوني برنار هنري ليفي...كما وضعوا دستوراً لهذه الفدرالية.
أما هذه "الفدرالية" فتجسّد الخطر على الهوية السورية والحرب على مكوّناتها التاريخية وأصولها الموغلة في القدم وفروعها التي حقّقت الاستمرار، وقد لاحظنا سلسلة المساعي الخاصة بإقصاء الكنعانيين وأهم ما يشير إليهم في سورية، ثم الحرب المفتوحة على التركة الآرامية وخاصة في المواقع الآرامية التي اقتحمها ثالوث الأطماع الاستعمارية التركية، والإرهاب الأصولي التكفيري، والانفصال الكردي، كما شهدنا الحرب على التراث اللغوي الآرامي ومحاولات طمسه، وشهدنا إجراءات عدوانية ارتكبتها وترتكبها العصابات الإرهابية الصهيونية –بدعم وتوجيه من منظمات يهودية- ضد خصوم الانفصاليين الأكراد ممن يمثّلون امتداداً حضارياً للآراميين والسريان والآشوريين والكلدان والأرمن بهدف إبعادهم وتهجيرهم، كونهم يمثلون أهم مكونات الهوية السورية القديمة، ويسكنون المناطق التي يستأثر بها الانفصاليون الأكراد بعد أن استضافتهم وآوتهم قبل أربعة قرون مضت جرّاء هجرتهم القسرية من موطنهم الأصلي في إيران... وقد أكدت ذلك أحداث حلب وريفها والرقة ودير الزور والحسكة،، وأخطرها ما جرى مطلع عام 2015 في ريف مدينة الحسكة من إجراءات حركة داعش الإرهابية لاقتلاع الآشوريين والسريان وإحراق بيوتهم وكنائسهم خاصةً في قريتيْ تل شاميرام وتل هرمز في محيط قرية تل تمر... وفي الجانب العراقي، حيث تعرّضت آثار مدينة الموصل وأوابدها الآشورية تحديداً –ومنها ما ضمّها متحف الموصل- لهجوم همجيّ على يد العصابات الصهيونية/داعش في مطلع عام 2015 أيضاً، وذلك في إطار الحرب غير المسبوقة على مكونات الهوية التاريخية في المنطقة التي تحاول قوى دولية تفكيك مزيجها الحضاري وتأصيل العنصر الكردي فيه...وقد لاحظنا قبل عامين الازدحام الدولي على طريق الرقة-الموصل والذي أنذر بخطر تطويق المدينتين بالحزام الكردي، وقد لاحت مؤشرات ذلك في كركوك. إن جل عمليات الاحتلال التي قام بها تنظيم "داعش" في المنطقة –وخاصة في الشمال والشمال الشرقي السوري والشمال العراقي- أُعطي الأكراد في "التصدي" له دور البطولة...بل ورُفعت في ساحاته أعلام الانفصال الكردي، مما يؤكد تلازم مساريْ داعش والأكراد الانفصاليين، وكلاهما بدعم أميركي وأوروبي وإسرائيلي، إذاً فداعش ذريعة الانفصاليين في عمليات الاستئثار بالأرض واحتلالها على الطريقة الصهيونية واستئصال مالكيها الأصليين والتطهير العرقي، فأين الحليف وإعلام الحليف من كل هذا؟!