مناورة تكتيكية أم مسار استراتيجي؟ بقلم المهندس باسل كويفي

مناورة تكتيكية أم مسار استراتيجي؟ بقلم المهندس باسل كويفي

تحليل وآراء

الخميس، ٨ يونيو ٢٠٢٣

السمة الغالبة على منطقتنا الأوسطية هي عدم الاستقرار منذ إنشاء الكيان الغاصب الإسرائيلي في فلسطين ، أحداث تمر وكوارث تنطلق وتتفاقم الحالة طردياً فتجلب الأسى والدمار والتقهقر .
تُشكل المصالحات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط حاجة ماسة وضرورة مُلحّة أملتها ظروف استثنائية محلية وإقليمية وعالمية ، وبالتالي فهي ردة فعل صالحة لطي حالة التشرذم والتآكل الذاتي الذي   أصاب المنطقة وأدى إلى تداعيات أمنية خطيرة والى وضع سياسي وأمني واقتصادي واجتماعي وثقافي غير مستقر ، وعليه باعتقادي ليست مناورة تكتيكية سياسية لذر الرماد في العيون بل هي فرصة استثنائية ايجابية نتجت من اختلال الضغط لدى القوى الدولية والعالمية المؤثرة في مسارات المنطقة نتيجة اختلافاتها البينية العميقة التي من شأنها تنظيم تحالفات جديدة لإعادة التوازن و الاستقرار وفق معادلات لعبة الأمم .
أمور أخرى لعبت أدوارها في هذا التوجه نحو المصالحة والتوافق بين دول المنطقة وانتهاج أسلوب الحوار البناء والتسامح والتفاهم من أجل المصالح المشتركة ، أهمها توافق الرؤى بضرورة تحفيز اقتصاديات دول المنطقة من خلال خلق حالة الاستقرار السياسي والسلام والتعاون في المجال الإقتصادي والامني والاجتماعي ، وتعزيز مد الجسور مع كافة دول العالم دون التقوقع الاحادي أو الدوائر المغلقة .
معظم شعوب المنطقة تنتظر من قادتها اخراجها من دوائر الحرمان نسبياً أو تساووياً ، فالعدالة الاجتماعية هي من القيّم العليا للسياسات الاقتصادية الاجتماعية من منظور علاقة الحاكم بالمحكوم في ظل غياب الوعي العام عن  مفاهيم الانتاج والاتقان والاستثمار والادخار والسعي إلى الانجاز والتنافس في تحسين الاحوال العامة وتطوير الاقتصاد والريّادة في الاعمال والمساهمة في الكلف العامة عبر تعديل نظام الضرائب والتجارة  …، وبينما يحفل المنظور الديني والاجتماعي بعناوين كبيرة مثل الواجب والضرورة والكفاية والايثار والقناعة والعمل الصالح، فإن الجدل اليومي الاستهلاكي والمعيشي لا يؤدي إلى تعميم مفاهيم تقويمية للسلوك تكون دافعا لتنمية الاقتصاد، بدءً من اقتصاديات الأفراد إلى الاقتصاد الكلي ، رغم الدوافع الذاتية الاساسية الرامية إلى الرفاه المادي عبر مراكمة الثروة وتوسيع الحيازات دون استثناءات ، وعلى الأخص في بلاد الازمات التي وُلدّت فيها طبقات أثرياء وتجار  الفراغات والترقيعات .

باعتقادي ، جوهر الموضوع حالياً هو تحويل هذا الاهتمام إلى تصور عام ينهمك فيه الافراد والنخب والمجتمع ومؤسساته العامة والخاصة الحكومية والغير حكومية ، لجعل التنمية أولوية يسهم فيها كل مواطن باعتبارها واجباً اخلاقياً وانسانياً ووطنياً نحو مساراً محفزاً لتوظيف وإعادة القدرات البشرية والمادية واستثمارها ، وتسهيل الاعمال وزيادة الانتاج وضبط الاستهلاك لتعزيز مستقبل الاجيال ،  وتقوية مؤسسات المجتمع ( المدني و القطاع الخاص ) ليعمل بنزاهة وحرص ومسؤولية، وتوجيه الموازنات العامة نحو النشاط الانتاجي والخدمي للخروج من الاقتصاد الريعي إلى رحاب المبادرات والابتكار المندفع بالحرص على منع الصدمات ، وتجنب الازمات الحادة والمطبات والاختلالات التي تصاحب عمل الاقتصادات الريعّية غير المنتجة .
 امام السوريين الآن ، فرصة عمل كبير لتصحيح سياسات قديمة وتحديثها بمفاهيمها المتعددة ، لتجاوز سوء الادارة والتخطيط وغياب الرؤى العلمية وتضيّيع الفرص ، العامل المحوري الضروري الذي نحتاجه الآن هو التحفيز القيّمي وسيادة القانون وربط العمل بالوازع الاخلاقي والتقييّم المتواتر بناءً على الكفاءات والقدرات والاداء ، لتجاوز الركود واقتصاد الندرة والظل ومكافحة الفساد بكل أشكاله وألوانه .
والى لقاء آخر …