من أشكال التلوث البصري...الكتابة على الجدران...تعبير صريح عن مكنونات النفس البشرية وتقلباتها..!

من أشكال التلوث البصري...الكتابة على الجدران...تعبير صريح عن مكنونات النفس البشرية وتقلباتها..!

الأزمنة

الثلاثاء، ٣٠ مارس ٢٠١٠

الكتابة على الجدران ظاهرة غير حضارية، وللأسف عايشناها منذ كنا صغاراً وما زلنا نعايشها حتى لحظة نشر هذا التحقيق، ومن خلال تعمقنا في البحث وجدنا أن هذه الظاهرة تعبّر بصورة فاضحة عن مكنونات النفس البشرية وتقلباتها....
تنتشر ظاهرة الكتابة على الجدران بالمدارس في المرتبة الأولى، تليها المرافق العامة ثانياً، أما المنزل فيحتل المرتبة الأخيرة، وما يثير دهشتك أن من يكتبون هم ليسوا من الأميين، ولكنهم من الطلاب، وهؤلاء يكتبون لأنهم تعلموا الكتابة، ولكن ليس الوعي، ولتسليط الضوء ومعرفة الأسباب والدوافع وراء هذه الكتابات أجرينا الاستطلاع التالي :‏‏
عـدم وعي وثقافة‏‏
تقول الطالبة فاطمة: إن هذه الظاهرة منتشرة بكثرة في مدارسنا، وهذا شيء مؤسف بالتأكيد لأنه يعكس بالدرجة الأولى عدم وعي وانخفاض المستوى الثقافي وعدم إدراك لأهمية المحافظة على المدرسة لأنها مركز الإشعاع الخلقي والحضاري...
الطالبة أميرة قالت: عدم القدرة على التعبير اللفظي عما يدور بذهن كل فرد منا خوفاً من السلطة الأسرية والمدرسية وخاصاً عندما نريد الإفصاح عن شيء لا يتوافق وقيم الأسرة والمدرسة وأخلاقياتها الاجتماعية أو بالأحرى لا يتعارض مع القيم الأسرية، ولكنه مخالف لعادات بالية رسخها المجتمع وهي تكون بمجملها عادات خاطئة هو سبب لجوئنا إلى الجدران...
وقال حسان محمد: إن قلة الأنشطة اللاصفية والشرخ الكبير بيننا وبين أهلنا وبيننا وبين مدرسينا يخلق لدينا فراغاً فكرياً ونفسياً لا يسعنا أن نملأه إلا من خلال تصرفات تثير حفيظة من هم أكبر منّا سناً، فيبدأون بالتأنيب والتوعد والترهيب ولا يفكر أي منهم أن يسألنا ما الذي دفعكم لفعل مثل هذه الأشياء التي كثيراً ما نعاني منها ويعد ابسطها موضوع الكتابة على الجدران لأن هناك الكثير من الأمور لا يمكنني الإفصاح عنها خوفاً من الكبار ..‏‏
للمتعة وقتل الملل‏‏
بينما قالت الطالبة لينا: أشعر بالمتعة من خلال قيامي بهذا العمل ولا تعنيني الأماكن العامة فأنا أينما أتواجد أكتب، وكلما شعرت بالضجر طبعاً لا أحاول الإساءة لأحد من خلال ما أكتب بل تقتصر العبارات التي أكتبها على الجدران لملء أوقات الفراغ والقضاء على الملل، لإظهار ولفت الانتباه هذا ما يدفع للكتابة على جدران المدرسة وخاصة في حصص الفراغ....‏‏
ولا يستمتع محمد الظاهر أثناء طريقه من المدرسة إلى البيت، وهو يستقل باص النقل الداخلي سوى بالكتابة على المقاعد ولا يهمه ما يكتب فكل ما يهمه أنه يكتب ويعزو ذلك لرغبة داخلية لا يدرك حتى هو سببها لكنه يريد أن يتسلى على حد قوله ريثما يصل إلى منزله...
للسخرية والانتقام‏‏
يقول حسن نظام الدين: يتم استخدام هذا الأسلوب في السخرية من أحدهم من خلال رسمه على شكل كاريكاتوري مع التعليق على الرسم ببعض العبارات المضحكة مما يجعلني أشعر أنني استرجعت جزءً من حقي...
بينما يرى عبد الله عبد الرزاق: إنها وسيلة ناجحة للانتقام من أحد المدرسين الذين يعمدون دائماً لتوبيخ الطلاب والسخرية منهم فنحن نكتب ما لا نستطيع أن نقوله بوجه المدرس...
للتفريغ والتعبير عن الحب‏‏
أحمد الحسن: الإعجاب بشخصية معينة( فنية ، سياسية ، رياضية) يدفعنا لتقمص الشخصية بأدق تفاصيلها، وإظهار شدة إعجابنا بهذه الشخصية بكافة الوسائل ومهما كانت ومنها كتابة اسم هذه الشخصية على جدران المدرسة أو المنزل وحتى في أزقة الحارة التي نقطنها...
عبد الفتاح الأحمد: شاب مفعم بالحيوية، ولا يستطيع كبت أو إخفاء مشاعره لذا يلجأ إلى الجدران التي يعتبرها الوحيدة التي بإمكانها أن تستوعب الكم الهائل من مفردات الحب والهيام فهي تشكل له الفضاء الواسع الذي يعبر فيه عن مشاعره...

‏‏ حتى الأشجار لم تسلم‏‏
الكتابة لم تقتصر على الجدران، بل طالت الأشجار اليابسة والمثمرة، حيث نرى رسوماً وأشكالاً تمثل أغلب الأحيان قلوباً وسهاماً تخترقها، ويستخدم الكاتب المسامير أو الأدوات الحادة لحفر جذع الشجرة أو ساقها..! نعم أحياناً تكون الكتابة كتذكار لهذا الشخص بأنه مر في هذا المكان في يوم كذا بتاريخ كذا في هذه المناسبة...
كارثة عندما ترى هذا وذاك كل واحد منهما يبتكر ويبدع في مكان فما ذنب صاحب البناية أو الباص أو المدرسة...عندما يضع ما فوقه ما تحته، ويأتي الشاب بدون إحساس بالندم ويقوم بتشويهه...أليس هذا تخريباً وتعدياً على ممتلكات الغير.
رأي علم النفس
للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر الدفينة وللتخلص من القلق والقضاء على الاكتئاب للحصول على الراحة النفسية هذا ما يراه الشباب..أما ما يراه أهل الاختصاص فهذا ما سنعرفه من خلال لقائنا بالدكتور رشيد حاج صالح عميد كلية التربية بمحافظة الرقة والذي تحدث قائلاً: تعد الكتابة على الجدران من الظواهر السلبية والعادات السيئة التي يمارسها الطلاب في المدارس وخلال مراحل دراسية مختلفة وهي بحاجة إلى تفسير وتحليل لفهم أسبابها وإيجاد الحلول المناسبة لها.. في البداية يمكن القول: إن انتشار ظاهرة الكتابة على الجدران في مدارسنا تدل بشكل رئيسي على انخفاض مستوى الشعور بالمسؤولية لدى طلابنا أولاً وتدل ثانياً على وجود مكبوتات نفسية واجتماعية يفرغها الطلاب عن طريق الكتابة في أماكن محددة ولاسيما المدرسة...فالأهل والمدرسة هما السبب...
إن الملاحظ لمضمون العبارات المكتوبة على الجدران والمقاعد يكتشف بسهولة نوع المشكلات النفسية والتوترات التي يعاني منها الطلبة فكتابة اسم الطالب أو لقبه الذي يحبه مسبوقاً بكلمة ( ذكرى) إنما تدل على القمع النفسي والاجتماعي الذي تتعرض له شخصية الطالب في البيت والمدرسة كما تكشف عن حالة عدم قدرة الطالب على التعبير عن شخصيته أمام المجتمع الأمر الذي يدفع الطالب للتعبير عن نفسه من خلال الكتابة بغية لفت انتباه الآخرين على وجوده ولو بالاسم...
أما العبارات العاطفية ورسم قلوب الحب والأسهم، فإنها تدل على نقص واضح في الثقافة الجنسية لدى الطلاب فمجالات العاطفة والجنس من المحرمات داخل المدرسة والعائلة فالحديث في هذا الأمر هو حديث غير مرغوب فيه عند الأهل بحجة عدم فتح عيون الطالب على هذه المواضيع لكي يبقى متفرغاً لدراسته وللأمور الأكثر جدية في الحياة وهذا خطأ جسيم في التربية لأنه يؤدي إلى وصول المعلومة بطرق أخرى غير سليمة وذلك يؤدي بدوره إلى تشويه وعي الطالب وينعكس هذا التشوه على جدران المدرسة والبيت فهو يلجأ للتعبير عن ذلك الوعي بطرق شتى ومنها الكتابة على الجدران....
ولنا رأي‏‏
من خلال كل ما تقدم نجد أن السبب الأساسي وراء كل هذه الكتابات هو الكبت النفسي وعدم توفر الفرص للشباب ليفجروا ما في أنفسهم من طاقات هي عبارة عن هموم وكبت عند البعض وحب وعشق وهيام وقهر وذل وحرمان عند البعض الآخر، مرت عليها أيام وربما سنون، كل هذه الكتابات تتنوع بتنوع ما في الأنفس من طاقات ممنوعة الانفجار، وكل طاقة تمنع بحسب الظروف التي تمر بها ومدى مشروعية الكلام من عدمها، فإن كان مشروعاً فحكم القوي يمنعه من البوح بما في نفسه أما إذا كان غير مشروع فالكلام نفسه يمنع نفسه عن الخروج حتى لا يخدش الحياء العام..!

فـراس الهكار