نزار قباني: هكذا خلق الله السوريين.. كل رغيف يخبزونه يقتسمونه مع العرب

نزار قباني: هكذا خلق الله السوريين.. كل رغيف يخبزونه يقتسمونه مع العرب

ثقافة

الأحد، ١٨ مارس ٢٠١٢

في مثل هذه الأيام ولد في دمشق شاعرها نزار قباني، واشتهر بشعره الغزلي والسياسي، ولكنه كان أيضاً مبدعاً في نثرياته، وأدرك بحسِّه الوطني دور دمشق في الدفاع عن الأمة العربية، واليوم في ذكرى ميلاد شاعر دمشق نعيد قراءة بعض ممّا كتبة بمجلة (الأسبوع العربي) اللبنانية خلال أعوام " 1973-1974-1975 تحت عنوان (رفـة عصفـور):
في تشرين سطّر المقاتل العربي أروع المعارك في الدفاع عن الأرض والوطن ونذر الدماء الزكية قرباناً للنصر على الظلم والطغيان، وفي خضم الصراع مع العدو الصهيوني يدرك نزار قباني أن دمشق هي خط الدفاع العربي الأول وأنها القادرة على رد الحقوق العربية:
(منذ أيام النبي العربي.. والشام تتكلم عربي.. ومنذ أيام معاوية، وهشام ومروان.. حتى أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد ومنذ موقعة بدر.. حتى موقعة جبل الشيخ.. والشام مواظبة على تكلم اللغة العربية وعلى تعليمها.. إن صناعة دمشق الأساسية هي العروبة.. وهذه الصناعة الدمشقية قديمة جداً.. ومشهورة جداً.. وجميع القوميين العرب خرجوا من رحمها وتتلمذوا عليها).
هكذا أيقن نزار بحسِّه الشاعري دور دمشق في صناعة العروبة والدفاع عنها أوليس الشعر هو مرآة الحياة وترجمة أمينة للعاطفة الإنسانية؟، إن السوريين بنظر نزار قباني يدافعون عن العروبة والعرب لأن سورية أرض العرب وإنها منذ فجر التاريخ تدافع عن أرض الوطن كل الوطن.
هكذا خلق الله السوريين.. كل رغيف يخبزونه يقتسمونه مع العرب.. وكل شجرة يزرعونها تأكل من ثمرها العرب.. وكل حجر يحملونه على أكتافهم هو لتعمير بيت العرب.
وجاء انتصار تشرين وجاء معه فجر عربي مشرق أعاد لنا شموخنا وكبرياءنا فاعتبر نزار قباني إنه في السادس من تشرين كان مولد الإنسان العربي:
قبل السادس من تشرين 1973 كانت صورتي مشوشة وغائمة، وقبيحة.. واليوم  6 تشرين يبدأ عمري.. لا تستغربوا كلامي فأنا ولدت.. تحت الطوافات والجسور العائمة.. وخرجت من أسنان المجنزرات السورية.. التي كانت تقرقش الصخور في مرتفعات الجولان..

ويتابع شاعرنا التغني بأمجاد تشرين وبالتضامن العربي حين استعمل العرب سلاح النفط في المعركة فيقول:
للمرة الأولى.. أشتري زجاجة بترول.. وأهديها لحبيبتي
وللمرة الأولى.. تأخذ حبيبتي الهدية باعتزاز
وتشكرني لأنني أعدت إليها الثقة بأنوثتها 
وأهديتها عطرها المفضل: النفط.

ويزاوج الشاعر بين وجه الحبيبة وخريطة الوطن فيقول:
هل حدث لكم أن أحببتم امرأة في زمن الحرب
هل حدث لكم أن واعدتم امرأة تحت جناح طائرة فانتوم محترقة في أحد شوارع دمشق؟
هل حدث لكم أن رأيتم عينَي حبيبتكم على ضوء الشظايا
وسمعتم صوتها يخرج كالوردة، من تحت أكياس الرمل
وإيقاع صفارات الإنذار..
هل عرفتم كيف يصير وجه الحبيبة وخريطة الوطن
شيئاً واحداً..
ويتجول نزار قباني في شوارع دمشق بعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأهداف المدنية إبان حرب تشرين التحريرية ويشاهد شارع أبو رمانة وقد طالته يد العدوان فيعتبر ذلك شاهداً على بطولة المدينة وصمودها في وجه آلة الدمار الإسرائيلية:
تجولت في كل شوارع العشاق..
ولكن شارع أبو رمانة في مدينة دمشق
بأبنيته المهدمة وشرفه المتساقطة
وأصص أزهاره المحترقة، وأشجاره
التي حصدتها الصواريخ
أصبح أهم شارع في العالم لأن الكبرياء والبطولة
أصبحتا من بين سكانه..
وتمرّ الأيام والسنون على حرب تشرين.. ويطلّ علينا تشرين التحرير في ذكراه الرابعة والعشرين وعبق النصر فواح على روابي العرب، إنه يوم الانتصار.. يوم الفرح العظيم، وماذا يمكن للشاعر أن يقدم لهذه الذكرى، وماذا يمكن أن يقدم لبطل تشرين.. فيخط قصيدته الرائعة (ترصيع بالذهب على سيف دمشقي):
جاء تشرين يا حبيبة عمري
أحسن وقت للهوى تشرين
مزقي يا دمشق خارطة الذل
وقولي للدهر كن فيكون
اسحبي الذيل يا قنيطرة المجد
وكحل جفنيك يا حرمون
اركبي الشمس يا دمشق حصاناً
ولك الله.. حافظ وأمين

ويتابع الشاعر التغني بحرب تشرين والانتصار العظيم للعرب، مؤكداً أن الكلمة للمعركة فيقول:
في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) بدأ تاريخنا الحقيقي..
الحرب هذه هي ولادتنا والحل الأول والأخير لقضيتنا..
إن هذه هي معركة العرب جميعاً..
وفي قصيدة (ملاحظات في زمن الحب والحرب) والتي كتبها الشاعر بعد حرب تشرين 1973، تحدث فيها بطريقة مبسطة.. فراح ينظر إلى ما حوله بعين جديدة، يرى فيها الأشياء وقد تغيرت نحو الأفضل في زمن الحرب والنصر.
ألاحظت شيئاً؟
ألاحظت أن العلاقة بيني وبينك..
في زمن الحرب..
تأخذُ شكلاً جديداً
وتدخلُ طوراً جديداً
وأنك أصبحت أجمل من أي يوم مضى..
وأني أحبك أكثر من أي يوم مضى..
ألاحظت؟.
كيف اخترقنا جدار الزمن
وصارت مساحة عينيك
مثل مساحة هذا الوطن..

في تشرين انقشع الظلام وظهر الأفق بلونه الأحمر القاني ممزوجاً بدماء الشهداء، ويرى نزار أن هؤلاء الشهداء هم سبيلنا إلى النصر والتحرير:
وبعد تشرين التحرير من عام 1973 تحاول آلة العدوان والدمار الاستمرار في الاعتداء على أرض سورية فيقف الجندي السوري شامخاً مدافعاً عن بوابة العروبة عن دمشق الشام وتروي دماء جنودنا البواسل أرض الوطن فيقول نزار:
82 يوماً والشام تكتب إلياذتها العظيمة على الصخر
والثلج بحروف كبيرة
82 يوماً والشام تسدّد وحدها كل ديون العالم العربي المستحقة
منذ عام 1967 وعام 1948 ولا تطلب من المديونين جزاءً ولا شكورا
لقد حاربت الشام، واستحقت ثواب حربها
هذه هي سورية
كانت في الحرب أستاذة
تتكلم بالعربي الفصيح...
ويتابع قائلاً:
إن الجيش السوري خلال 82 يوماً من المعارك على ذرى جبل الشيخ.. لم يكن يشرب القهوة.. ويلعب الورق.. ويؤلف القصائد والمواويل.. ولكنه كان موجوداً (في جفن الردى وهو نائم).




شمس الدين العجلاني - أثينا 
alajlani.shams@hotmail.com