هل تخدع البنوك المودعين.. ومن أين تأتي أرباحها! وماذا فعل المؤسسون بالقروض التي استجروها من مصارفهم؟
مال واعمال
السبت، ٢ ديسمبر ٢٠٢٣
علي عبود
لم يتعرض أيّ مصرف في سورية للإفلاس منذ ستينات القرن الماضي، على عكس لبنان، وقد تكون قلة فقط تتذكر إفلاس مصرف أنترا الشهير، مع إن هناك من جزم إن دفعه لإعلان الإفلاس كان لأسباب سياسية صرفة!
وفي حال تعرضت البنوك للخسائر، أواضطرت لإعلان إفلاسها، فالسبب ليس بتوسعها في منح القروض، ولا بانخفاض قيمتها الشرائية، وإنما بالخسارات التي تتعرض لها استثماراتها، أو بفعل نقص السيولة وعجزها عن تلبية طلبات المودعين باسترداد ودائعهم، وهي حالات نادرة، تتصدى لها البنوك المركزية لمنع البنوك التي تواجه أزمات سيولة من إعلان إفلاسها!
ومهما يكن من أمر، فلا يُمكن تصور وجود بلد بلا مصارف، فالإقتصادات العالمية والوطنية تعتمد على قطاع مصرفي قوي، والحكومات السورية، مثل غيرها، تلجأ دائما إلى الإستدانة من المصارف لتمويل نشاطاتها التنموية والإجتماعية، وبالتالي من الطبيعي أن تربح البنوك وإلا مامبرر وجودها واستمراريتها؟
لكن السؤال: هل تخدع البنوك المودعين بشفطها نسب من ودائعهم دون علمهم؟
من أفلس ومن خسر؟
ليس مصادفة مثلا أن تكون المصارف في لبنان القطاع الوحيد الذي يحصد الأرباح، ومع أن الأزمة النقدية والمالية التي تعصف بالإقتصاد المالي، منذ عدة سنوات، وتوقف المصارف عن ردّ الودائع الدولارية لأصحابها، فإن مامن مصرف أعلن عن خسائر أو إفلاس، فالذي خسر وأفلس هم المودعون فقط!
وإذا كانت المصارف العامة السورية تعمل بإشراف وزير المالية، والمصرف المركزي، فهذا يعني أن سيولتها مضبوطة جداً ومن ينتقد الشروط الصارمة لعمليات السحب، فإن دولا عديدة وآخرها مصر تقيد عمليات السحب من المصارف بهدف لجم أسعار الصرف.
أما المصارف الخاصة فهي حتماً غير معرضة للخسائر ولا للإفلاس لأن مؤسسيها من التجار ورجال الأعمال وحيتان المال، بالشراكة مع نظرائهم في دول أخرى كلبنان والأردن والكويت..الخ.
القروض ليست لكل السوريين
وليس خافيا على المهتمين بالقطاع المصرفي، أن المصارف الخاصة لاتمنح القروض لكل السوريين بمن فيهم القادرون على التسديد، بل هي تنتقي زبائنها وفق شروطها، وضمن عدد محدد كل سنة، كي تتمكن من متابعتهم، وعندما توسعت بمنح قروض السيارات ماقبل عام 2011، فهي لم تمنحها فعليا للمواطنين، بل لأصحاب وكالات السيارات، فهم كانوا المقترضين الفعليين، وكان المواطن يُسدد الأقساط للوكيل وليس للمصرف!
وتستفيد البنوك من عمليات تحويل العملات إلى الخارج بنسب أعلى بكثير من شركات الصرافة، والملفت أن البنوك في كل دول العالم تستغل المودعين، بل تضللهم وتخدعهم، وتستقطع نسب مئوية من ودائعهم دون علمهم تحت مسميات متعددة!
رسوم الخدمات
ولا يعرف الكثيرون أن المصدر اليومي لربح المصارف يتأتى من الرسوم المفروضة على الحسابات المصرفية تحت اسم “خدمات” حتى لو كان العملاء لايستخدمونها، تماماً مثلما تفعل شركات الاتصالات، صحيح أن رسوم الخدمات تبدو هزيلة بالنسبة للمودع أو العميل الذي يُنجز عملية مصرفية، لكنها تُشكل مبلغاً كبيراً للبنك الذي يتعامل مع الآف الزبائن.
والمثال اليومي للرسوم اليومية التي (تشفطها) المصارف هي الرسوم المتأتية من البطاقات المصرفية سواء بطاقات الصرافات الآلية أو الإئتمانية ، فالبنوك هي المستفيد الحصري من عمليات السحب والتسوق عبر البطاقات المصرفية.
لماذا تؤخر المصارف شيكات المقاصة؟
وتلجأ غالبية المصارف في العالم إلى (الإحتيال) على عملائهم لتحقيق أرباح على حسابهم دون معرفتهم، من خلال تأخير إيداع شيكات المقاصة في حساباتهم المصرفية، كي يهوى الحساب إلى مستوى يكبّد صاحبه رسوما إضافية.
ومن أشهر عمليات الإحتيال المتداولة القدرة الغريبة للمصارف على إقناع من يطلب بطاقة إئتمان الإشتراك في خدمة (تأمين) مقابل رسوم، وهي خدمة لايستفيد منها سوى البنك!
ومن يدقق بنشاطات البنوك لاتخطر على باله الأساليب التي تحقق لها الأرباح، فالرسوم كما قلنا هي هزيلة بالكاد يشعر العميل انه دفعها، لكنها بالنسبة للمصرف هي تراكمية تتحول إلى مبالغ ضخمة في نهاية العام عند إنجاز الميزانية الختامية السنوية.
المقترض لايستفيدد من التسديد المبكر!
تصوروا أن جميع العملاء باستثناء الخبراء على قناعة تامة بأن السداد المبكر للديون أو الرهون العقارية سيوفر على المقترضين بعض الأموال أوالتكاليف، فهل هذه القناعة صحيحة؟
المفاحأة التي لاينتبه ولا يكتشفها المقترض أن الكثير من البنوك تفرض رسوما على التسديد المبكر!، أما من يضطر لإغلاق حسابه الائتماني أو إلغاء بطاقته المصرفية فإن المصرف سيفرض عليه نسبة فائدة أعلى على أيّ قرض سيطلبه مستقبلا، لأن تاريخه الائتماني يظهر من خلال الحركات على البطاقة والحساب!
وغالباً، إن لم يكن دائماً، لآيقرأ المقترض الإتفاقية التي يوقعها مع البنك، ولوفعل سيكتشف أن فيها الكثير من الرسوم الملزم بدفعها مسبقاً ، كما يتوهم الكثيرون أن الحسابات المصرفية المجانية لاتكبد صاحبها أية رسوم شهرية وهذا غير صحيح!
العروض للزبائن الجدد فقط
نعم، لدى المصارف بعض العروض المغرية، لكنها ليست لزبائن أوعملاء البنك، وإنما لجذب عملاء جدد، وهذا الأسلوب متبع في شركات الإنترنت، فعروضها المغرية والتي تصل إلى منح شهر أو شهرين مجانيين هي للمشتركي الجدد حصريا!
ويمكن القول إن من يستخدم أمواله عن طريق المصارف سيدفع عليها رسماً في كل عملية سحب شخصي أو باستخدام الصراف الآلي، وهو يسددها دون أن يشعر بها لتضاف إلى أرباح البنوك!
كما لا يكتشف من يستخدم بطاقته الإئتمانية خارج بلده أنه دفع رسوماً عالية، وهذه الحالة تنطبق على رجال المال والتجار وكثيري الأسفار، ويحصد منها البنك أرباحا ليست بالقليلة.
وإذا كانت المصارف الحكومية السورية تلتزم بتسديد نسبة الفائدة الأعلى التي يحددها البنك المركزي للمودعين، فإن المصارف الخاصة تغري المودعين بنسبة فائدة عالية، لكنها تقوم بخفضها لاحقا وسريعا دون علم المودعين!
المصارف السورية لن تخسر
ويبقى السؤال الذي يطرحه الكثيرون: هل فعلاً أرباح المصارف الخاصة في سورية وهمية وهي معرض للإفلاس مستقبلا؟
من السذاجة الإعتقاد أن التجار ورجال المال والأعمال السوريين يخسرون، وهم عندما أسسوا المصارف الخاصة في سورية،وتحديداً مع نظرائهم اللبنانيين، فقد استردوا ضعف رأسمالهم قبل مزاولة أي عمل مصرفي حقيقي!
لقد أودع أصحاب المصارف الخاصة 350 مليار ليرة بالقطع الأجنبي لدى المصارف الخارجية حسب تقرير أصدره اتحاد العمال في نيسان 2015، وهذا المبلغ كان بحدود 50% من إجمالي موجوداتها النقدية آنذاك!
ولعل السبب الرئيسي الذي أدى إلى زيادة الطلب على الدولار، منذ عام 2014 على الأقل، هو “ترحيل” المصارف الخاصة لدولاراتها إلى الخارج، وتحديداً إلى لبنان؛ وهذا يعني أن المصارف الخاصة تسببت بخروج كتل كبيرة من القطع الأجنبي من التداول في السوق، ما زاد الطلب على الدولار بفعل تقليص العرض منه على مدى السنوات الماضية
ولم يكتفِ مؤسسو المصارف الخاص بتهريب نصف موجوداتها إلى الخارج بل قاموا باقتراض أكثر من 200% من حصتهم في رأسمال المصرف المساهمين فيه، وكأنّ هذه المصارف تأسست لاستجرار سيولة المودعين فقط، ومع ذلكيبقى السؤال بلا إجابة من الجهات المعنية: ماذا فعل كبار المساهمين بالقروض التي استجروها من “مصارفهم”؟