هل ستتغير سياسة بريطانيا الخارجية بعد تتويج تشارلز ملكاً؟
أخبار عربية ودولية
الأحد، ١١ سبتمبر ٢٠٢٢
مسيرة طويلة من التغييرات أحدثتها الملكة الراحلة إليزابيث الثانية خلال فترة حكمها المديد في بريطانيا، لا سيما تلك المتعلقة بالعلاقة بين المؤسسة الملكية والشعب البريطاني خلال فترة عرشها، وبعد رحيل الملكة إليزابيث الثانية يوم الخميس وتوليها العرش لمدة 70 عاما في بريطانيا العظمى، سيرث تشارلز فيليب العرش تلقائيا، وبالتالي سيكون لبريطانيا ملك جديد ورئيس دولة، وكذلك لـ 15 دولة أخرى، بما في ذلك أستراليا وكندا ونيوزيلندا، التي تعترف بملك (أو ملكة) بريطانيا كرئيس لها.
تشارلز الثالث قال في أول تصريح له في وقت سابق من هذا العام إنه خلال عام 2022 سيواصل العمل مع الناس في جميع أنحاء العالم للدفاع عن القيم الثمينة التي يتكون منها المجتمع الحر، خاصة في سوريا وأفغانستان. وهكذا، يبدو أن الملك البريطاني الجديد أخذ على عاتقه العديد من المسؤوليات، سواء داخل بريطانيا أو في العالم الخارجي.
من هنا تبرز عدة تساؤلات حول التغيرات المحتملة في السياسة الخارجية لبريطانيا بعد وصول الملك تشارلز، والتغيرات التي قد تطرأ على المستوى الأوروبي، وتحديدا في موضوع إمكانية انفصال اسكتلندا عن بريطانيا، والدور المتوقع من بريطانيا في القارة الأوروبية، في خضم المتغيرات الدولية الأخيرة، والدور البريطاني في الملف السوري والشرق الأوسط، خاصة أنه يتزامن مع فوز ليزا تراس كرئيسة للحكومة البريطانية، خلفا لبوريس جونسون.
يسود ولا يحكم
تشارلز الثالث، انتظر 70 عاما ليصبح ملكا وهو الوريث الأطول خدمة في التاريخ البريطاني، وهو الأكبر من بين أربعة أطفال ولدوا للملكة وزوجها الراحل الأمير فيليب.
وعندما تولت والدته العرش في سن 25، أصبح وليا للعهد وهو في سن 3 سنوات. وفي حال وفاته يأتي من بعده الابن الأكبر لتشارلز وليام (40 عاما) المعروف باسم دوق كامبريدج، وبموت الملكة يضاف لقب جديد إلى وليام وهو أمير ويلز (الذي كان يحمله تشارلز قبل توليه العرش)/ دوق كورنوال.
ضمن السياق، قال الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية أيمن سلامة، إن النظام السياسي في بريطانيا يختلف عن بقية العالم، حيث يسود فيه المَلك ولا يحكم، أي أنه ملكا وفقا للأعراف البريطانية، فإنه يسود على الإقليم والشعب والحكومة أيضا.
وأردف سلامة أنه بالرغم من أن الملك في بريطانيا هو رئيس السلطة التنفيذية وأيضا رئيس السلطات القضائية المختلفة في بريطانيا، ويعد القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية البريطانية، فضلا عن كونه الحاكم الأعلى للكنيسة الأنجليكية، ولكن واقع الحال والأمر مختلفان تماما حيث لا يؤدي الملك وظائف تنفيذية، والتي يؤديها رئيس وزراء بريطانيا، والملك لا يشارك رئيس الوزراء في المهام والوظائف الهامة، كما يحدث في الأنظمة البرلمانية أو الرئاسية أو شبه الرئاسية الأخرى.
يمارس الملك ما يسمى بوظائف أو وظائف “الامتياز”، على اعتبار أنه له الأسبقية عليه من الأشخاص والهيئات الدستورية الأخرى في المملكة المتحدة.
تُستمد وظائف الامتياز هذه، والمعروفة باسم الامتياز الملكي، من الامتيازات والحصانات المرتبطة بالتاج أو السيادة، بالنظر إلى أن الملك هو السيد في بريطانيا، وهنا يكون للملك السلطة المطلقة أو الامتياز الوحيد، ويتجلى ذلك في عدد من السلطات التنفيذية التالية: “الاعتراف بالدول الأجنبية وإصدار إعلانات الحرب والسلم، وكان في السابق أيضا، سلطة ضم داخل الأراضي الأجنبية، كما حدث في عام 1955 فيما يتعلق بجزيرة روكال”، على حد تعبير سلامة.
يشار إلى أن جزيرة روكال عبارة عن جرانيت غير صالح للسكن وهي منطقة اقتصادية خالصة وتقع في الشمال المحيط الأطلسي. وتقع على بعد نحو 480 كيلومترا قبالة الساحل الغربي لاسكتلندا، وتبلغ مساحتها 25 مترا بارتفاع 21 مترا، وحتى الآن ظلت هذه الجزيرة الصغيرة في قلب نزاع دولي لأكثر من نصف قرن بين أربع دول هي المملكة المتحدة، وأيرلندا، وأيسلندا، والدنمارك، وتدعي كل دولة منها أحقيتها في الجزيرة. والسبب يكمن في وجود مساحات شاسعة من الثروة السمكية المحيطة، واحتياطيات ضخمة من النفط والغاز مخبأة في قاع البحر المحيط بها. في حين تقول المملكة المتحدة بأنها أراضيها. ولكن، لم يتم التعرف على هذا الادعاء من قبل جيرانها بعد.
لا تغيير في السياسة البريطانية؟
في سياق متّصل، أشار الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية أيمن سلامة، إلى أن الملك في بريطانيا يستطيع فرض حل البرلمان برفض الموافقة الملكية، وهذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى استقالة الحكومة ويصدر أيضا العفو الملكي مثل العفو الرئاسي الصادر في الأنظمة الرئاسية.
أما مسألة تغيير الوزن والسياسة والاستراتيجية البريطانية بعد أن تولى الملك تشارلز الثالث مقاليد الحكم حاليا، سواء كان ذلك في دول الاتحاد الأوروبي أو منطقة الشرق الأوسط وتحديدا سوريا، فلا يعتقد سلامة أن ثمة تغييرا.
ومع ذلك، بما أن الملك هو القائد العام للقوات العسكرية البريطانية وتنظيمها، وعلى الرغم من العقود الماضية، التي لم تتدخل الملكة إليزابيث الثانية الراحلة في الأمور السياسية كثيرا، ولكن لأن الملك هو القائد دستوريا، ربما في حالات استثنائية يمكن أن يكون للملك كلمة في مجابهة أخطار مداهمة، وبالطبع في هذا السياق لديه رجال و مجموعة من المستشارين يساعدونه في هذا الشأن.
وباعتبار الملك رأس الدولة، فإنه يقوم بإلقاء خطابات دورية أمام البرلمان، وذلك في قاعة مجلس اللوردات، حيث يقضي العرف بأن الملك من غير المسموح له أن يدخل قاعة مجلس العموم المخصصة للبرلمانيين.
وفي هذا الخطاب يحدد الملك الخطوط العريضة لبرنامج عمل الحكومة السنوي والتوجيهات حول القضايا التي يجب التركيز عليها في عمل الحكومة والبرلمان.
وعلى اعتبار أن العمل السياسي ممنوع على الملك البريطاني وأسرته، فإن مجال اشتغاله يتركز بشكل كبير في رعاية المؤسسات الخيرية وتقديم الدعم لمنظمات المجتمع المدني، كما وسيكون الملك الجديد مشرفا على أكثر من 600 جمعية خيرية.
كذلك، يحافظ الملك على تواصل مباشر مع رئيس الوزراء، من أجل التنسيق في عدد من القضايا المصيرية التي تهم البلاد، ويوجد لدى الملك مجلس من المستشارين يقدمون له الاستشارة السياسية والاقتصادية، إلا أن الملك ممنوع الإبداء بالرأي علانية حول المواقف السياسية.
ووفق تقدير سلامة، فإنه وعلى الرغم من أنه في النهاية يجب الذكر بأن تشارلز، عندما كان أمير ويلز وولي العهد، كان هناك مشاعر عاطفية وإنسانية تجاه الشرق، وقد ظهر ذلك في مناسبات عديدة في الدول العربية، ومنها مصر على وجه الخصوص وزيارته لجامعة “الأزهر” وكان يتحدث عن العديد من الأمور الإيجابية المتعلقة بحالات وسياقات معينة هناك.
من هو تشارلز الثالث؟
تشارلز، ولد في قصر بكنغهام في الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1948، وهو الابن الأكبر للملكة إليزابيث الثانية والتي كانت دوقة إدنبرة آنذاك وزوجها الأمير فيليب، دوق إدنبرة وهو أول حفيد للملك جورج السادس والملكة إليزابيث الأولى، وتم تعميده في 15 كانون الأول/ديسمبر من نفس العام، وعندما أصبح عمره 3 سنوات توفي جده وأصبحت والدته الملكة ما جعله يصبح وليا للعهد في سن صغيرة.
تلقى تشارلز تعليمه في غرب لندن، وهو أول ولي عهد يتلقى تعليمه خارج القصر، ولم يحصل على أي معاملة خاصة، ثم انتقل إلى مدرسة والده القديمة في شرق بيركشاير، ثم انتقل إلى شمال شرقي إسكتلندا، وفي السادس والعشرين من تموز/يوليو 1958، سُمي أميرا لويلز وتشيستر بعد أن نصبته والدته أمام البرلمان ليصبح الأمير رقم 21 لويلز والأول منذ عام 1936.
ثم التحق بكلية “ترينيتي” في جامعة كامبريدج، وتخرج منها عام 1970، وفي نفس العام في شباط/فبراير، استلم مقعده في مجلس اللوردات، ثم تخرج من كلية سلاح الجو الملكي في كرانويل عام 1971.
وسيحصل تشارلز الثالث على دعم من أموال دافعي الضرائب تحت بند “الدعم الملكي”، والذي يبلغ سنويا 110 ملايين دولار، وهو ما يعادل نحو 0.65 جنيه إسترليني كمساهمة من كل مواطن في بريطانيا.
وتعد دوقية لانكستر من أهم مصادر دخل الملك، وهي عبارة عن محفظة تضم أراضي خاصة تتضمن مشاريع تجارية وفلاحية وتجمعات سكنية وكلها في ملكية الملكة، ولهذه المنطقة التي تمتد على مساحة 18 ألف هكتار تاريخ عريق يعود لسنة 1265، وتصل مداخيل هذه الدوقية إلى 26 مليون دولار، وورثت الملكة هذه المنطقة عن والدها.
أما الكنوز من الجواهر والتاج البريطاني الشهير، فهي تعد كنوزا وطنية، وهي جزء من المجموعة الملكية التي تحتفظ بها الملكة كأمانة نيابة عن الأمة. وتتكون المقتنيات الثمينة للقصر من آلاف اللوحات الفنية، والمنسوجات والأثاث، والصور التي تؤثث القصور الملكية وخصوصا قصر باكنغهام، وفق مجلة “فوربس”.
وكالات