هل يبحثون عن مستمع إليهم؟! “الطقطيقة”.. اللعبة “المزعجة”.. ضوضاء عبثية أم بوح طفولي دون كلمات؟

هل يبحثون عن مستمع إليهم؟! “الطقطيقة”.. اللعبة “المزعجة”.. ضوضاء عبثية أم بوح طفولي دون كلمات؟

أخبار سورية

الجمعة، ١٢ ديسمبر ٢٠١٤

يترافق رامي وزياد- وهما طالبان بإحدى المدارس الابتدائية في منطقة المزة – عائدين إلى منزلهما سيرا على الأقدام، تتراقص بيدي كلّ منهما كرتان صغيرتان تتدليان من خيطين ينتهيان إلى خاتم محبوس بإصبعيهما، وبحركات بسيطة من يديهما تبدأ اللعبة المسلية تطقطق وتصدر ضوضاءَ تعلو على صوت أحاديثهما وضحكاتهما في الطريق.
يستمر سير الصغيرين غير آبهين أو مباليين بكل ما حولهما؛ يستمر مشهد ابتعاد الكرات وتلاقيها متصادمة، باعثة الضجيج، معلنة عن لعبة قديمة جديدة من ألعاب الأطفال عاودت الانتشار وبشكل واسع في أوساطهم هي “الطقطيقة”.
الملفت حقا: كيف تظهر ألعاب الأطفال وتختفي بين فترة وأخرى في كل موسم تقريبا “موضة” للعبة جديدة؛ سابقا كانت “البلابل” و”اليويو” و”سيارات السباق” واليوم هذه الكرات، ألعابٌ بعضها من وحي حب الأطفال للمرح، وبعضها الآخر من وحي ما يشاهدونه في مسلسلاتهم الكرتونية، الجدير بالتساؤل: كيف تنتشر هذه الالعاب، وكيف يتفاعل الأطفال معها حين تظهر؟.
تحدي الكرات
اعتراض الصغيرين لسؤالهما عن اللعبة المسلية وتفاصيلها لم يلق أي ممانعة منهما، يتوقفان قليلاً .. يشرح رامي بجدّية تفاصيل لعبته البسيطة الممتعة..
ويقول مختصرا انها تحدٍّ بينه وبين صديقه الفائز فيه من يستمر بجعل الكرتين تتصادمان بشكل متواصل ودون توقف لأطول فترة ممكنة، فأول انقطاع في “الطقطقة” يعني الخسارة الحتمية؛ يستطيع رامي جعل الكرتين تتصادمان بصورة متواصلة لأكثر من ربع ساعة، ويشكو بعض الأوجاع في إصبعه وعضلات يده نتيجة مواصلة اللعب فيها لفترات طويلة في بعض الأوقات، أما زياد فلا يبالي هو الآخر بكل الضجيج الذي تصدره لعبته، يقول: انه اشتراها لأنه يشعر في بعض الأحيان بالوحدة والملل ويعتبرها من الأشياء المسلية التي تكسر لحظات وحدته وملله؛ ويعبّر بكلمات بسيطة “كل ما ضوج بطقطق”، ثم يضيف: سعر هذه اللعبة مقبول وبإمكاننا شراؤها، كما أن كلّ الأولاد لديهم منها فلمَ أنا لا؟.
الجدير ذكره أن تلك اللعبة على بساطتها تتطلب تركيزا عاليا وتدريبا ومهارة للنجاح في مزامنة الكرات وجعلها تصطدم بصورة مستمرة، أكثر من محاولة لتجريب اللعبة بعد استعارتها من أحد الطفلين وترحيبهما بالفكرة باءت بالفشل والخسارة لضعف الخبرة وقلة التدريب.

سلّم تسلم
الملفت أن طرقا أخرى ابتدعها الأطفال للتسلية بلعبتهم هذه، فأطفال آخرون شاهدناهم كانوا يفترشون الرصيف المجاور يمسك أحدهم بخيط اللعبة ويحركه يمنة ويسرة لتطرق كرته بشكل متزامن على الرصيف في حين يقف صبي آخر ويحصي عدد الطرقات، وما ان يخفق أو يتوقف حتى يأتي دور صبي آخر وهكذا.
في المقابل يبدو أن شعبية هذه اللعبة التي اكتسبتها في أوساط الأطفال لم يكن مُرحبا بها على الإطلاق في عالم الكبار، يعاني وسيم 32 عاما من صداع مستمر وتوتر في كل مرة يسمع فيها من غرفته المطلّة على الشارع تلك الطقطقة المستمرة بيد طفل يلهو بهذه اللعبة، يريد فقط أن يعرف من هو الطفل الذي يتزعم الحارة بإصدار ذلك الصوت المزعج ليصادر مصدر الإزعاج ويوقفه أو يشكوه لأهله، كما يعبّر آخرون تحدثنا إليهم عن استيائهم من انتشار هذه الظاهرة..
أما مواقع التواصل الاجتماعي فلم تخلُ هي الأخرى من تداول انتشار هذه اللعبة والحديث عنها على سبيل التندر والمزاح والترفيه، إذ تنشر بعض الصفحات المُتابعة محليا صورة لطفل يمسك بهذه اللعبة وتحتها عبارة مكتوبة بخط واضح “إلى كل طفل تورط بحمل الطقطيقة سلّم طقطيقتك وعد إلى حضن الوطن”.

تجارة وسوق
ودائما كما في كلّ لعبة تدرج وتنتشر هناك من يجدُ في رواجها فرصة لجني الأرباح وتحصيل المكاسب، على إحدى الرفوف في دكان أبو غالب صاحب إحدى البقاليات في دمشق تتوزع أنواع وألوان مختلفة من هذه الكرات، لا يتجاوز سعر “الطقطيقة” بحسب الرجل الـ 50 ليرة سورية، موضحا هناك أنواع أكثر جودة تباع بـ 75..
ويشرح أبو غالب أن سعر هذه اللعبة الرخيص نسبيا للأطفال إضافة إلى حبهم للتقليد جعلها مفضلة للكثير منهم مقارنة مع ألعاب أخرى كثيرة معروضة في دكانه، وعن أسباب شرائه لكميات كبيرة من هذه الكرات يكمل: اليوم الموضة لهذه اللعبة لذا من الضروري أن تكون موجودة على الرف وحين تظهر لعبة أخرى لن أتردد على الإطلاق في عرضها، فبحسب السوق نسوق.

فقاعة صابون
بخلاف ظهور بعض الألعاب الأخرى التي كانت تنتشر متزامنة مع برنامج أو مسلسل كرتوني معين خاص بالأطفال؛ ابتداء بصور العلكة وسيارات السباق وانتهاء بالبلابل واليويو يبدو ظهور لعبة الطقطيقات بحسب بعض آراء المختصين التي سمعناها تعبيرا عن حالة مزاجية عند الأطفال وكأنهم بحبهم لإصدار هذا الضجيج يحاولون إيصال أصواتهم إلى عالم الكبار لكن بطريقة مختلفة.
لكن بتفسير وبعكس هذه الآراء ترى الدكتورة بشرى علي أخصائية علم النفس الاجتماعي والمدرسة في كلية التربية بجامعة دمشق أن انتشار أي لعبة بأيدي الأطفال لا يعدو كونه فقاعة صابون لا تلبث أن تختفي، وسببها التقليد لا أكثر.
وتشرح العلي أن اللعب بشكل عام تنفيس عن حالة انفعالية وعن طاقة زائدة يفرغها الطفل عن طريق اللعب، فالطفل يكتشف العالم من خلال المحاكاة والتقليد، وليس من الضرورة أن يكون ظهور لعبة ما تعبيرا عن حالة نفسية معينة، والدليل هو زوال هذه اللعبة بعد فترة من الزمن واستبدالها بأخرى..
وتقول: ربما يكون الترويج لهذه الألعاب وعرضها، إضافة إلى حب التقليد وعدواه هو أبرز العوامل التي تؤدي لانتشار ألعاب الأطفال، تماما بنفس الطريقة التي ترافق انتشار الإشاعة وظهورها.

مسؤولية اجتماعية
تؤكد العلي على المسؤولية الاجتماعية التي يجب الالتزام بها تجاه الأطفال، وترى أن الطفل يحتاج وهو في مراحل نموه الأولى إلى التوجيه المستمر والحوار من قبل الأهل وفي مدرسته واختيار المناسب له من الألعاب والمفيد له منها كتلك الألعاب التي تنمي المهارات العقلية والحسية لدى الطفل ولا تؤدي إلى ضرر أو إزعاج للآخرين.
وتضيف: الحوار مع الطفل، اختيار ألعابه، وإقناعه بها يجب أن يكون الأسلوب المتبع، لأن المعاندة أو فرض بعض الألعاب على الأطفال وحرمانهم من بعضها الآخر قد يولّد ردة فعل عكسية لديهم، ويدفعهم باتجاه الألعاب المؤذية على مبدأ أن”كل ممنوع مرغوب”..
وتختم د. بشرى علي أنه وفي جميع الحالات يجب ألا يغفل الأهل أو المدرسة عن هذا الموضوع وتوليه المزيد من المتابعة والاهتمام، لأن بعض هذه الألعاب مصدر قلق وإزعاج للطفل وللآخرين مثل هذه “الطقطيقات” التي انتشرت مؤخراً.