2018.. عام الجوع والعبودية

2018.. عام الجوع والعبودية

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢ يناير ٢٠١٩

لنتنفّس الصعداء، وأخيراً انتهى العام 2018، عام القليل من الحروب والكثير من الجنون. أصبح بإمكاننا أن نتساءل الآن هل كان هذا العام مُغايراً للأعوام السابقة، أم كان نسخة طبق الأصل قد تستمر بتكرار نفسها لـ 100 عام مقبلة؟.
 
تراجعت الحرب في سوريا، انتهت الحرب في العراق، فقد إيمانويل ماكرون ثقة الفرنسيين، دونالد ترامب لا يزال رئيساً ولم يستطع أحد محاسبة قاتلي جمال خاشقجي. حفظنا جميعاً هذه الأخبار عن ظهر قلب خلال العام 2018، كما ترسخت في ذاكرتنا الكثير من المآسي التي كان "الإنسان" ضحيّتها، وليس فقط الزعيم أو الفنان أو حتى الصحافي.
 
قد تكون أغلب تلك المآسي تحصل سنوياً، تتراجع أو تزيد، تُغضِب الناس أكثر أو أقل، ولكن الأكيد أنّه عام بعد عام تزداد قدرتنا على التعبير، على أن نقول للمُذنب بحق إنسانيتنا ولمَن يهدر حقوقنا أنّنا نرى ونسمع ونعي ما يحصل جيداً، ولكن هل كان ذلك كافياً في العام 2018؟.
 
أسئلة كثيرةً يمكن أن نطرحها ونحن نفكّر كم بحّ صوتنا خلال مطالبتنا بحقوقنا. لم تنقذنا السوشيل ميديا، لكنها أعطتنا مساحة للتفريغ، ولأرشفة ذكريات عالمنا السيّىء، المليء بانتهاكات حقوق الإنسان، عنوان عام 2018 العريض، الذي طغت عليه حادثة مقتل خاشقجي وهفوات ترامب، ولكنه كان مشحوناً بالآلام التي عجزت الأمم المتحدة ومنظمّات حقوق الإنسان عن شفائها.
 
يحق لنا أن نُضيء في زحمة عناوين "أين قضى ترامب عطلة رأس السنة الجديدة؟" و"أجمل فساتين الفنانات في حفلات نهاية العام" و"أجمل المدن لقضاء سهرة رأس السنة"، على بعض أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان في العام 2018، الذي شهد مرور 70 عاماً على صدور "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
عام الجوع اليمني
 
يمكن تصنيف العام 2018 بعام الجوع اليمني، عام الطفلة أمل حسين، التي فتّحت عيون العالم على قضية المجاعة في اليمن. عانى نحو 20 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي خلال العام 2018، في أسوأ أزمة إنسانية عاشها العالم، وذلك بحسب أحدث تحليل لحال الأمن الغذائي لمنظّمة "الفاو" ومنظّمة "اليونيسيف" و"برنامج الأغذية العالمي". وأظهر التحليل أنّ نحو 65,000 شخص يصارعون من أجل البقاء على قَيْد الحياة الآن، كما أن نحو ربع مليون شخص على الأقل يواجهون سنة قاتِمة.
 
حال الحصار التي يفرضها التحالف السعودي على اليمن، لم تكن من أسوأ نتائجها المجاعة فقط، ففي عام 2018، لم تتعب طائرات التحالف من الطوفان في أرجاء اليمن، وقصف المناطق السكنية والبنية التحتية، بل وصل بها الحد إلى قصف حافلة مدرسية مليئة بالأطفال في صعدة.
 
اليوم، لم يعد باستطاعتنا أن نلوم العالم على صمته عن العدوان على الشعب اليمني، كما كنّا نفعل قبل عام. ففي 2018، استيقظت الصحافة العالمية، نبّهت الأمم المتحدة التحالف من خطورة ما يقوم به، تصاعدت حملات التضامن، كان أبرزها حملة إضراب عن الطعام نفّذها ناشطون أجانب، لكن كل ذلك لم يثن السعودية عن استمرارها في العدوان، غير آبهة بكل الأصوات الرافِضة والمُندّدة.
أزمة المجاعة، لم تقتصر عالمياً على اليمن، بل استمرت خلال العام 2018 في العديد من الدول الفقيرة الأخرى، فبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإنّ 821 مليون شخص (أيّ أكثر من 1 من كل 9 أشخاص في العالم) لا يحصلون على ما يكفيهم من الغذاء. 
 
عام تدهور الوضع الإنساني في فلسطين المحتلة
انتقاماً من الفلسطينيين ومن الموقف الدولي الرافِض لنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، قرّر الرئيس دونالد ترامب تقليص الدعم الأميركي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، إلى 60 مليون دولار، في وقت كانت تحتاج فيه إلى 399 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في غزّة والضفة الغربية خلال العام 2018، بعد أن كان الدعم يُقدّر بأكثر من 350 مليون دولار سنوياً في 2017.
لا يمكن اختصار مآسي الفلسطينيين بسبب الاحتلال الإسرائيلي، ولكن مع دخول الحصار البري والبحري والجوّي على غزّة عامه الحادي عشر، يعيش أكثر من 526 ألف فلسطينيّ في القطاع تحت خط الفقر المُدقِع، ولا تزال أكثر من 55 ألف أسرة بحاجة إلى إصلاح مساكنها المُتضرّرة بسبب العدوان المُتكرّر. الأسوأ، أنّه اضطر الأطباء في مستشفيات غزّة خلال العام 2018 إلى ضخّ الأوكسجين يدوياً في رئة الأطفال المرضى عند انقطاع الكهرباء.
أمّا في الضفة الغربية، فيفتقر 255 ألف لاجئ فلسطيني للأمن الغذائي، كما يواجه 51 تجمّعاً سكانياً عوائق شديدة في الوصول إلى الخدمات الصحية، مع استمرار نشاطات الاحتلال الاستيطانية هناك. وأكّد تقرير لمفوضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان صدر في 31 يناير 2018، أن "انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالمستوطنات مستمرة بشكلٍ مؤذٍ وتمسّ كل جوانب حياة الفلسطينيين".
 
2018.. عام العبودية
خلال العام 2018 عدنا إلى زمن العبودية، أطفال وضِعوا في مراكز احتجاز أشبه بالأقفاص، بعد فصلهم عن ذويهم من المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وفق سياسة "عدم التسامُح" التي اتّخذت بعداً وحشياً بلا إنسانية. ضحايا هذه السياسة، وغالبيّتهم من المكسيك والسلفادور وغواتيمالا، شاهدهم العالم بأسره وهم يُذلّون عبر شاشات التلفزة، ما دفع الرئيس الأميركي إلى التراجع عن قرار فصل الأطفال، مع استمرار سياسة التضييق على المهاجرين غير الشرعيين.
 
الكثير من مشاهد العبودية وانتهاكات حقوق الإنسان خلال العام 2018، كانت نتيجة سياسات إدارة ترامب التعسّفية المُتعلّقة بالحدود والهجرة. على سبيل المثال، أصبح احتجاز وترحيل المهاجرين، واجهة لإثراء أصحاب شركات الطيران الخاصة التي تتابع مئات عمليات الترحيل سنوياً، والمُقدّرة كلفتها بنحو مليار دولار، دفعتها الإدارات الأميركية خلال العقد الأخير. بحيث كشف تحقيق استقصائي أعدّته وكالة "أسوشيتد برس" مؤخّراً، عن ترحيل مهاجرين من الولايات المتحدة إلى بلادهم، وهم مقيّدو الأيدي والأرجل في الوقت الذي يقوم به ضبّاط بتفتيش أفواههم بحثاً عن أيّ شيء يخفونه.
 
وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فقد خفّضت الولايات المتحدة الحصّة المُخصّصة لقبول اللاجئين إلى 45 ألف لاجئ، وهو أدنى مستوى لها منذ إصدار "قانون اللاجئين" المحلي عام 1980. كما تعتزم خفضها إلى 30 ألف لاجئ في عام 2019.
ولا يزال البحر مقبرة للكثير من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، فمشهد الطفل السوري إيلان كردي مستمر في التكرّر، خاصةً في منطقة البحر المتوسّط، التي توفّى فيها 1010 مهاجر غرقاً، في وقت قتل وفقد 4503 مهاجراً في العالم خلال العام 2018. ومن الواضح أنّه لم يفلح "الميثاق العالمي بشأن اللاجئين"، الذي وضعته الأمم المتحدة، في تحقيق تغيير حقيقي لحوالي 25 مليون لاجئ، حتى يومنا هذا.
 
وتُعتبر أزمة مئات الآلاف من اللاجئين الروهينغا في بنغلادش، والذين فرّوا من العنف في ميانمار، من الأزمات المستمرّة والأسرع نموّاً في العالم. وإلى حين تأمين عودتهم إلى بلادهم، تحدّثت الأمم المتحدة خلال العام 2018، عن الحاجة إلى أكثر من 16 مليون لتر من المياه الصالحة للشرب كل يوم لجموع اللاجئين الروهينغا، وإلى حوالي 12,200 طن من الغذاء كل شهر، بالإضافة إلى الحاجة الملحّة لوجود حوالي 190 مركزاً صحياً.
 
 
وفي سياق متّصل، لا يزال ملايين الأشخاص معدومي الجنسية يواجهون عقبات كبيرة في ممارسة حقوقهم الإنسانية الأساسية، وبحسب مفوضيّة الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، هناك ما يقدّر بحوالي 12 مليون شخص حول العالم من ضحايا وضعيّة "انعدام الجنسية"، في وقت لا تزال فيه 25 دولة في العالم تمنع المرأة المتزوجّة من أجنبي من حقّ مَنْح الجنسية لأطفالها.
 
عام قمْع حرية الرأي والتعبير
لا خلاف على أنّ الحدث الأبرز الذي طغى على كل أحداث العالم المأساوية خلال العام 2018، كان مقتل الصحافي السعودي المعارِض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول. ثلاثة أشهر مرّت على القضية، والمتّهمين الرئيسيين خلف القضبان، بحيث اجتمع العالم كلّه ليحمّل وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان المسؤولية الكاملة، لكن دون تحقيق أي نتيجة.
طريقة قتل خاشقجي والظرف السياسي الذي وقعت خلاله الحادثة، كان أقوى وأكبر من أن ينتبه العالم إلى الكثير من حوادث قتل وسجن وقمع الصحفيين خلال العام 2018. بحيث توصّلت "لجنة حماية الصحفيين"، إلى أنّ هذا العام كان الأشدّ فتكاً بالصحفيين بين السنوات الثلاث الماضية، فقتل 53 صحفياً على الأقل، 34 منهم استهدفوا بالقتل انتقاماً منهم على عملهم. في وقتٍ تؤكّد فيه منظمّة "مراسلون بلا حدود" أنّه لا تُقدّم إلى العدالة إلا جريمة واحدة فقط من بين 10 جرائم تُرتكب ضد الصحافيين.
 
عن النساء المُحتجزات بتهمة الدفاع عن حقوقهن في السعودية
صحيح أنّ المملكة العربية السعودية قرّرت في 24 يونيو الماضي، رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات، لكنها مستمرّة في الكثير من السياسات الأخرى التي تنطوي على تمييز كبير ضدّ المرأة. وللمُفارقة، فإنّ بعض اللواتي ناضلن من أجل منح المرأة حق القيادة، قد تعرّضن بحسب "منظمة العفو الدولية" إلى الاعتقال التعسّفي ولحملات تشويه السِمعة.
 
فمنذ مايو/ أيار، اعتُقل ما لا يقلّ عن 12 ناشطة ورائِدة حقوقية سعودية من دون تهمة، منهنّ لجين الهذلول، التي تحدّثت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية مؤخّراً، عن أنّ المستشار السابق لوليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان، سعود القحطاني، أشرف على التحقيق معها وهدّدها بالاغتصاب والقتل والإلقاء في مياه الصرف الصحي.
 
النساء والفتيات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في كل الأعوام
الاغتصاب، التحرّش الجنسي، العنف الأسَري، التمييز في العمل، زواج القاصرات، ختان الإناث، هي عناوين قليلة من ضمن عشرات انتهاكات حقوق الإنسان التي تتعرّض لها المرأة في العالم إلى حدود يومنا هذا، بالرغم من ارتفاع الصوت رفضاً لهذه الممارسات، بحيث أكّدت منظمة "العفو الدولية" أنّه في العام 2018، نظّمت أكثر من 600 مسيرة نسائية في سائر أنحاء العالم.
 
وفي الوقت الذي أشار فيه تقرير جديد لمنظمة "اليونيسيف" إلى أن عدد حالات زواج القاصِرات تراجع بمعدّل 15%، أكّد أنّه لا يزال مُرتفعاً عند 12 مليون حالة. وبخصوص ختان الإناث، فتتحدّث الأمم المتحدة عن أنّ أكثر من 200 مليون امرأة وفتاة قد تعرّضن لهذا الانتهاك في 30 بلداً في 3 قارات، كما أنّه ستتعرّض 68 مليون فتاة لخطر الخضوع لختان الإناث، بحلول عام 2030، إذا لم تتّخذ الإجراءات العاجِلة للقضاء على تلك الممارسة.
 
وبخصوص العنف تجاه المرأة، أبرز تقرير "البنك الدولي" المعني بالمرأة والأعمال والقانون للعام 2018، أنّ 35% من النساء في العالم تعرّضن لعنف جسدي أو جنسي من الشريك، و7% من النساء للاعتداء الجنسي من قِبَل شخص غير الشريك. ولا تزال المرأة بحسب التقرير، تواجه حواجز مُتجذّرة في قوانين العمل، بحيث أن 2.7 مليار امرأة تحرمها قيود قانونية من اختيار نفس الوظائف المُتاحة للرجل، و104 بلدان تمنع المرأة من العمل في وظائف معيّنة، و59 بلداً تفتقر إلى قوانين بشأن التحرّش الجنسي في مكان العمل، وفي 18 بلداً، يُتيح القانون للأزواج منع زوجاتهم من العمل.
 
في الختام، قد تكون كل الأموال التي تدفع سنوياً للدفاع عن حقوق الإنسان، ومحاربة المآسي التي يعاني منها العالم، غير كافية مهما تضاعفت عاماً بعد عام، إن لم يكن هناك إرادة دولية وشعبية حقيقية لتغيير الواقع الإنساني المتدهور عاماً بعد عام. فهل ستنقذ المليارات التي ستصرف في العام 2019 العالم من الجوع والعبودية والقتل والانتهاكات؟.