"قراءة متأنية"..باب شرقي هو يوناني اسمه باب الشرقية!؟
ثقافة
الاثنين، ٩ يناير ٢٠١٢
لدمشق قصص وحكايا قد نبدأ بها ولا ننتهي.. لدمشق المدينة العريقة العتيقة أقدم عاصمة مأهولة على وجه الأرض لم تنقطع عنها الحياة أبداً، لدمشق التي تحدّث عنها وتغزّل بها وعشِقَها آلاف الآلاف من البشر منذ آلاف الآلاف من السنين، لدمشق هذه تاريخ ولد قبل التاريخ.. ولم تزل هذه المدينة كل يوم تبوح لنا بسر جديد قديم عريق.
يقولون إن دمشق منذ الأزل، كانت مدينة منظمة بأبنيتها وأوابدها، وشوارعها المتعامدة، يحيط بها سور لحمايتها يتخلله عدد من الأبواب، ويروي المؤرخون أن لدمشق في قديم الزمان عشرة أبواب وشبكة من الطرقات المرصوفة، وكان أروع شارع في ذلك الزمان بدمشق اسمه الشارع المستقيم.
أبواب دمشق
تقع أبواب دمشق التاريخية على سور دمشق، وكانت تزيد هذه الأبواب وتنقص حسب الضرورات الحربية.. ولم تتجاوز أبواب دمشق العشرة على مرّ العصور، تهدّم بعضها وأنشئ آخر في العهود المتلاحقة، وهدم وأغلق أيضاً عدد آخر منها عبر الأيام والسنين، كانت المهمة الأساسية لسور وأبواب دمشق مرتبطة بأمن الناس فكانا وسيلة دفاعية قوية لصدِّ المعتدين من الغرباء والغزاة عن دمشق وأهلها. سور دمشق بُني من قبل اليونان في بادئ الأمر وليس كما هو معروف ومتداول في كتابات عدد من الباحثين والكُتاب أنه بني في العهد الروماني (ولنا حديث في ذلك). اليوم تشتهر دمشق بأبوابها السبعة، ويقول المؤرخ حسن البدري في كتابه نزهة الإمام في محاسن الشام إن لأبواب دمشق علاقة بالكواكب..؟ لذا وُضعت صور الكواكب على هذه الأبواب فيقول: وضع رسم زحل على باب كيسان ورسم الشمس على الباب الشرقي والزهرة على باب توما والقمر على باب الجنّيق وعطارد على باب الفراديس وصورة المشتري على باب الجابية أما المريخ فعلى الباب الصغير.. ومن أشهر أبواب دمشق الباب المسمّى حالياً بباب شرقي والمعروف أنه بني في العهد الروماني.
باب شرقي
تُجمع الغالبية العظمى من الكتابات التي تتناول الحديث عن أبواب دمشق (ومنها التلفزيون السوري في أواخر عام 2011م) أن باب شرقي هو واحد من الأبواب السبعة الرومانية، والباقي منها بحالته الأصلية تقريباً.
يقع باب شرقي حسب غالبية من كتب عن هذا الباب، إلى الجهة الشرقية من سور مدينة دمشق، وينتهي عند الشارع المستقيم (الوارد ذكره في الكتاب المقدس) الواصل بينه وبين باب الجابية، بُني في العهد الروماني أوائل القرن الثالث للميلاد ونسَبه الرومان إلى إله الشمس، وجُدّد في عهد نور الدين زنكي سنة 1163م كما جُدد بناء المئذنة في عهد السلطان العثماني مراد الثالث قبيل سنة 1582م.
يقع باب شرقي في منتصف سور دمشق ويبلغ ارتفاعه 11 متراً وعرضه 6 أمتار ونصف المتر (اسكندر يارد عام 1930م)، ويتألف الباب من ثلاث فتحات أوسطها أوسعها وأعلاها. تتناسب مع تقسيمات الطريق المستقيم. سُدّت الفتحتان الوسطى والجنوبية في العصر الإسلامي من أجل التحصين والحماية، وبقيت فتحة واحدة فيه. لا يُعرف تماماً ارتفاع المداخل لأن مستوى المدينة ارتفع مع الزمن. ويقدر ارتفاع المدخل الصغير الشمالي بـ 317سم وعرضه 288سم.
من باب شرقي دخل القائد خالد بن الوليد إلى دمشق عند الفتح الإسلامي. ودخل منه قائد الجيش العباسي عبد الله بن علي عند قدومه لاحتلال دمشق عام 132هـ وارتكابه المجازر فيها, ومنه دخل الملك العادل نور الدين الزنكي عام 549هـ/1154م وهزم السلاجقة. ويعتقد أن نور الدين هو من قام بسد الفتحتين الوسطى والجنوبية من الباب لأسباب دفاعية. كون الصليبيين كانوا يهددون دمشق. ورفع فوقه مئذنة مربعة، وبنى جامعاً صغيراً وراءه، وأقام سويقة (باشورة) أمامه، تهدّمت الباشورة والمسجد في أواخر القرن التاسع عشر أو بدايات العشرين, وفي القرن العشرين تم إعادة فتح البوابتين الوسطى والجنوبية من الباب بعد ترميمه ترميماً شاملاً، داخل باب شرقي توجد كتابة مشوهة تؤرخ عام 559هـ وتذكر اسم الباني (نور الدين زنكي). وفي العهد الأيوبي أُخذت حجارة القنطرة لتبلط بها أرضية الجامع الأموي.
باب الشرقية وليس باب شرقي
في دراسة نادرة وهامه للأب الباحث والمؤرخ أيوب سميا نشرها عام 1958، ينفي أن يكون الاسم باب شرقي صحيحاً، لأنه حسب رأيه أن كَتبة دمشق المتأخرين من صحافيين ومؤرخين وموظفي الحكومة في السجلات الرسمية، يكتبون الاسم بدون " أل " التعريف، وهذا الاسم بحالتيه التعريف والتنكير تعنون به الجهة أي الباب الذي إلى جهة الشرق. ويتابع الأب سميا بالقول: (من حيث اللغة أن هذا الاستعمال المنكر هو من تراث الأتراك العثمانيين في بلادنا ومن صيغهم التركية – العربية. فإذا كان الكتبة العرب الحاليون يقصدون بالاسم الجهة فالأصح أن يكتبوه معرفاً "الباب الشرقي". ثانياً من حيث المعنى نرى أن قصد الجهة خطأ واضح دافعه جهل الأصل. لأن هذا القصد لو كان المتأخرون أخذوه عن المتقدمين هكذا لكان يتوجب على المتقدمين أن يسموا غيره من أبواب المدينة باسم الجهة كالباب الغربي لباب الجابية، والباب الجنوبي والباب الشمالي. ولكن لم يسبق للقدماء هذا القصد لا في دمشق ولا في غيرها، فإذن هذا الاسم الحالي – معرفاً أو منكراً – ما هو إلا تسلسل مغلوط عن أصل صحيح وهذا الأصل هو "باب الشرقية" هكذا الترجمة العربية. وأما الأصل اليوناني فهو هكذا: " pyli anatolye ").
فالأب سميا يؤكد على خطأ تسمية باب شرقي بهذا الاسم ويرد أصل التسمية إلى باب الشرقية، مشيراً أن أصل الباب يوناني وليس رومانياً (ويقال أن الباب جُدد في عهد الإمبراطور الروماني سبتيموس سيفيروس) والشرقية أو" أناطولي " في اليونانية pyli anatolye " هي مدينة من وضع اليونان الجاهليين "الجاهلين أي الوثنيين الذين كانوا يجهلون عبادة الله تعالى، وكانوا يعبدون الشمس" على شاطئ القسم الشمالي من البحيرة التي يصبّ فيها فرعا نهر بردى – "بحيرة العتيبة" وسكان مدينة الشرقية اليونان النصارى الذين أسلموا وتعربوا، عربوا اسم مدينتهم من "أناطولي" إلى الشرقية، وأخذ الباب اسمه من اسم هذه المدينة، فهو حسب رأي الأب سميا، باب الشرقية وليس باب شرقي. وقد ورد ذكر اسم مدينة الشرقية "اناطولي" في التاريخ الكنائسي اليوناني لمؤلفه "ذكصا باتريس" القسطنطيني في عهد إمبراطور القسطنطينية "لاون السابع الحكيم" المتوفي سنة 911 م.
إذاً باب شرقي هو برأي الأب سميا "باب الشرقية" باب يوناني، فدمشق ازدهرت عمرانياً في العهد اليوناني، حيث شُيّد فيها العديد من الأبنية والأوابد التاريخية والشوارع " وباب الشرقية " هو من الأوابد اليونانية الباقية بدمشق، ويصفه الباحث سيما، بقوله إن اليونان رسموا فوق الباب نقشاً نافراً في الحجر صورة قرص الشمس تنبعث منه أشعة النور، وقد شاهده وذكره المؤرخ الشهير "ابن عساكر"، واستمر وجود هذه الرسوم في العهد الروماني لأنهم كانوا يعبدون ما يعبده اليونان الجاهلون، ولكن بأسماء أخرى، كذلك أبقى العهد البيزنطي عليها ولم يغيّر إلا الشعائر الوثنية بشعائر دينية، واستمر تواجدها في العهود الإسلامية بدليل مشاهدة ابن عساكر لها.
هل الرومان من بنوا باب شرقي أم اليونان أم الآراميون.؟ هل هو باب شرقي أم باب الشرقية.. وتبقى لدمشق قصص وحكايا قد نبدأ بها ولا ننتهي.. لدمشق المدينة العريقة العتيقة أقدم عاصمة مأهولة على وجه الأرض لم تنقطع عنها الحياة أبداً، لدمشق التي تحدث عنها وتغزل بها وعشقها آلاف الآلاف من البشر منذ آلاف الآلاف من السنين، لدمشق هذه تاريخ ولد قبل التاريخ.. ولم تزل هذه المدينة كل يوم تبوح لنا بسر جديد قديم عريق.
شمس الدين العجلاني - أثينا
alajlani.shams@hotmail.com