أدق التفاصيل عن تمثال يوسف العظمة (القديم)

أدق التفاصيل عن تمثال يوسف العظمة (القديم)

ثقافة

السبت، ٢٤ مارس ٢٠١٢

كان رافعاً يده بالسيف ومن ثم أسدل يده والسيف.!؟ ووقف كتلميذ نجيب، كان من عطاء الجالية السورية في المغترب، وكان جزءاً من ذاكرتنا ومن ذاكرة جيل طويل عريض، فأضحى شيئاً جديداً علينا، كُتب عنه الكثير وقيل فيه ما لم يقله مالك في الخمر..
إنه تمثال يوسف العظمة القائم الآن وسط ساحة محافظة دمشق (ساحة يوسف العظمة) والذي نصب فيها عام 2007 م.
ونتساءل أين تمثال يوسف العظمة (القديم) وهو رافع يده متحدياً العالم أجمع في حماية الوطن.؟ ومن الذي صمّم التمثال، ومن الذي أبدى فكرة إقامته.؟ من الذي دفع تكاليف هذا التمثال.؟
منذ أن اختفى هذا التمثال من أمام مدخل نادي الضباط القديم ومروراً باستبداله بالتمثال الجديد (القائم الآن في ساحة المحافظة) وأنا أتساءل عن حكايته، كنت أسمع فقط أن تكاليف إنشائه كانت من المهاجرين السوريين في المهجر.. وبدأتُ رحلة البحث عنه، وعُدت إلى مكتبتي في قديمها وحديثها علّني أجد جواباً لتساؤلاتي، إلى أن وقع بين يدي عدة أعداد من جريدة الشباب المصرية الصادرة عام 1937م، وجريدة الرابطة التي كانت تصدر عن جمعية الرابطة السورية في سان باولو بالبرازيل في الثلاثينيات من القرن الماضي..
يوسف العظمة:
هو شهيد معركة ميسلون الشهيرة. وأول وآخر وزير حربية عربي يخوض معركة ويستشهد فيها، ينتمي إلى عائلة دمشقية عريقة، ولد في حي الشاغور بدمشق عام 1884م، وتعلم فيها، وأكمل دراسته في المدرسة الحربية في الآستانة. تنقل في الأعمال العسكرية بين دمشق ولبنان والآستانة. اتبع دورة عسكرية في ألمانيا لمدة سنتين، وعُين بعدها كاتباً للمفوضية العثمانية في مصر. وأثناء الحرب العالمية الأولى عُين رئيساً لأركان حرب الفرقة العشرين في بلغاريا. ثم عُين رئيساً لأركان حرب الجيش العثماني المرابط في القفقاس، فرئيساً لأركان الجيش الأول بالآستانة. وبعد الحرب عاد إلى دمشق، فاختاره الأمير فيصل مرافقاً له، فرئيساً لأركان الحرب العامة. ثم ولي وزارة الحربية عام 1920، وفي 24 تموز عام 1920 عندما قام الفرنسيون بدخول دمشق، قاد يوسف العظمة جمهوراً من المتطوعين على غير نظام من شباب وشيوخ دمشق وإلى جانبهم عدد يسير من الضباط والجنود. لملاقاة المحتل الفرنسي، في معركة كبيرة غير متكافئة قاوم ومن معه ببسالة فائقة واستشهد ودفن في مكان استشهاده وقبره إلى اليوم رمز التضحية تُحمل إلية الأكاليل كل عام من مختلف المحافظات السورية.
نصب الشهيد:
في يوم من أيام الثلاثينيات تداعى السوريون (وفي تلك الأيام السوريون: هم أهل لبنان وسورية) في مدينة سان باولو بالبرازيل لجمع التبرعات لإنشاء تمثال للشهيد البطل يوسف العظمة، وعلى أغلب الظن تزعم هذه الحملة الدكتور خليل سعادة والد أنطون سعادة مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي، والدكتور سعادة هو طبيب ومفكر وأديب وكاتب وصحافي وسياسي وطني، أقام في سان باولو في عام 1919 واستدعى عائلته من لبنان.
في الثلاثينيات من القرن الماضي كتب الدكتور خليل سعادة عدة مقالات في الصحف الصادرة في البرازيل، وجّه من خلالها نداءً للجالية السورية يدعو فيها إلى التبرع بهدف إقامة تمثال للشهيد يوسف العظمة، ففي مطلع عام 1930م كلفته عمدة "الرابطة الوطنية السورية" في سان باولو أن يتولى رئاسة تحرير جريدتها "الرابطة"، وتولى الدكتور سعادة هذا المنصب حوالي أربع سنوات متتالية. وانتخب بعد فترة رئيس شرف "للرابطة الوطنية السورية" وبقي في هذا المنصب حتى وفاته في العاشر من نيسان سنة 1934. وكتب في هذه الجريدة مقالين عن يوسف العظمة في العددين رقم 23 و26 وذلك في عامي 1930 و1931.
أقبلت الجالية السورية إقبالاً منقطع النظير على التبرع لهذا العمل الوطني الجليل، وجمعت الأموال الطائلة لذلك وكُلف فنان إيطالي (لم أستطع معرفة اسمه) بتصميم وصنع التمثال بعد أن وُضعت بين يديه السيرة الذاتية للشهيد العظمة ومجموعة صور له، وتم إعلام دمشق من قبل الرابطة بما تنوي عمله الرابطة، وفي نهاية عام 1937 انتهى تصنيع التمثال، ودعت الجالية السورية في البرازيل إلى حفل وطني كبير تم به رفع الستار عن تمثال البطل العظمة، شارك في هذا الحفل الوطني الجالية السورية في جميع أنحاء البرازيل وأُلقيت فيه الخطب والقصائد الشعرية تمجيداً للشهيد العظمة، وكانت هنالك مراسلات في الثلاثينيات من القرن الماضي بين دمشق وجمعية الرابطة السورية في سان باولو حول تمثال الشهيد، حيث أعلمت الرابطة دمشق بما تقوم به، وفي منتصف عام 1937 أي قبل الانتهاء من تصنيع التمثال، ورد كتاب إلى الرابطة السورية من النائب في البرلمان السوري المرحوم فائز الخوري رداً على مراسلات الرابطة السابقة مع دمشق، يتضمن أن دمشق قامت بتشكيل لجنة لاستقبال تمثال يوسف العظمة الذي سترسله الرابطة إلى دمشق لينصب في إحدى ساحاتها الكبرى، وهي مؤلفة من السادة شكري القوتلي وزير الدفاع (آنذاك) رئيساً وفائز الخوري نائب دمشق أمينا للسر، والسيدين فخري البارودي نائب دمشق وعادل العظمة مدير وزارة الداخلية عضوين، وأن اللجنة الآن (يعني في نهاية عام 1937م) منصرفة لإعداد قاعدة التمثال وتعيين مكانه، وقامت الرابطة بإجراء المعاملات القانونية في البرازيل وأرسلت تمثال يوسف العظمة إلى دمشق. (في تلك الأيام كانت سورية تحت سلطة الانتداب الفرنسي وكان رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي ورئيس الوزراء جميل مردم بك وشكري القوتلي كان وزيراً للمالية والدفاع الوطني).
وصل التمثال إلى دمشق في النصف الأول من عام 1938 (حسب رأيي)، وأقيم له احتفال رسمي وشعبي ألقيت فيه الخطب الوطنية والقصائد الشعرية التي تمجد الشهيد العظمة وتشيد بمعركة ميسلون)، وتمّ نصب تمثال يوسف العظمة لأول مرة أمام مبنى نادي الضباط القديم في طريق الصالحية بجانب البرلمان على زاوية النادي، ولم ينصب لأول مرة كما تشير أغلب المصادر سنة 1951 في ساحة البرلمان، ومن ثم نُقل التمثال إلى ساحة محافظة دمشق، وبعد ذلك نُقل إلى مبنى الهيئة العامة لأركان الجيش ووضع مكانه ما سُمي تمثال (الثوري العربي) وهو تمثال لفلاح يحمل الشعلة وذلك في عام 1966، وفي عام 2007 احتفل بتدشين ساحة محافظة دمشق (ساحة يوسف العظمة) بعد إعادة تأهيلها التي نفذتها محافظة دمشق بالتعاون مع بنك عودة ووضع تمثال جديد ليوسف العظمة أقل ما يقال فيه إنه يُظهر الشهيد العظمة كتلميذ مهذب مطيع (آدمي) ولا يُظهره كرجل شهم طالت قامته أعالي السماء.!؟
وبعد:
عشنا وعاش معنا ذلك التمثال (القديم) للبطل العظمة منذ أن وعينا الدنيا، وكان جزءا لا يتجزأ من ذاكرتنا، ومن ثم شطبوا ذاكرتنا ونقلوا ذلك التمثال إلى مكان آخر، ولربما أعادوه إلى مبنى هيئة أركان الجيش، ووضع تمثال لتلميذ مهذب قالوا هو بطل ميسلون، هو أول وآخر وزير دفاع يستشهد في ساحة الوغى.؟؟ نطلب إعادة الحق لمكانه، نطالب إعادة ذاكرتنا الشعبية والوطنية عن شهيدنا العظمة، نطالب إعادة تمثال يوسف العظمة الذي تبرع به أبناء الجالية السورية في سان باولو بالبرازيل عام 1937م لأنه يمثل الشهيد البطل يوسف العظمة عن حق وحقيقة.

شمس الدين العجلاني - أثينا 
alajlani.shams@hotmail.com