أزمة الديون تضرب العالم.. بقلم: عماد الدين حسين
تحليل وآراء
السبت، ٢٧ مايو ٢٠٢٣
«الدين هم بالليل ومذلة بالنهار» مقولة قديمة ومعناها صحيح ولا تحتاج إلى شرح وتفسير. هذه المقولة لا تنطبق على الأفراد فقط، لكنها تنطبق بنفس القوة على الشركات والهيئات والمؤسسات والدول والأمم والمجتمعات.
قد يسأل البعض، وما مناسبة إثارة هذا الموضوع الآن؟!
الإجابة ببساطة هي أن أزمة الديون الأمريكية والحديث عن احتمال عدم قدرة الحكومة الأمريكية على سداد ديونها في الموعد المحدد، هو من فجر هذه الأزمة، لكن وبصورة موضوعية فإن الأزمة الأمريكية صارت تتكرر كل عام تقريباً في مثل هذا الوقت من العام ورغم أنها تعبر عن مشكلة حقيقية، فهي أيضاً صراع دائم بين الجمهوريين والديمقراطيين وغالباً تنتهي بحل وسط بين الحزبين. ما يهمنا اليوم أو النقطة الجوهرية هي أن الديون صارت مشكلة عالمية تؤرق الكثيرين من أفقر الدول إلى أغناها.
مشكلة الديون العالمية» مصطلح صار يتردد بقوة في السنوات الأخيرة خصوصاً بعد تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي بداية عام 2020، ثم تداعيات الأزمة الأوكرانية ابتداء من 24 فبراير 2022. والآن فإن آثار هذه الأزمة صارت ملموسة في العديد من البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء.
وصرنا نسمع عن احتمال عدم قدرة بعض الدول على سداد ديونها أو تراجع تصنيف ديون بعض الدول إلى درجة خطيرة.
أوضح مثال على آثار هذه الأزمة وردت في دراسة مهمة أعدها خبيران في صندوق النقد الدولي هما فيتور غاسبار مدير إدارة شؤون الملكية العامة، وروبرتو بيريللي الاقتصادي الأول بنفس الإدارة في صندوق النقد الدولي.
طبقاً لهذه الدراسة المهمة فإن الدين العالمي ارتفع عام 2020 بمقدار 28 نقطة مئوية ليصل إلى 256 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. وعلينا ملاحظة أن هذا التاريخ مهم لأنه العام الذي ظهرت فيه كورونا وأصابت العالم بحالة من الشلل الكامل أو المؤقت. الدراسة المنشورة على مواقع إخبارية كثيرة تقول إن اقتراض الحكومات يمثل نسبة أعلى بقليل من 50 % من هذه الزيادة، حيث قفزت نسبة ديونها إلى مستوى قياسي قدره 94 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، كما ارتفع الدين الخاص من خلال الشركات غير المالية. إذن الديون ارتفعت على الحكومات والشركات الخاصة وعلى المستوى العام.
أما المفارقة التي تلفت النظر فهي أن الاقتصادات المتقدمة شهدت أيضاً زيادة ضخمة في الديون التي ارتفعت من 70 % من إجمالي الناتج المحلي عام 2007 إلى 24 %. في عام 2020، أما الدين الخاص فقد ارتفع بنسبة أقل من 164 % إلى 178 % خلال الفترة نفسها.
الدراسة تكشف عن أن الدين العام صار يمثل حوالي 40 % من مجموع الدين العالمي والسبب مرة أخرى هو كورونا والأزمة المالية العالمية. الأرقام تقول أيضاً إن الاقتصادات المتقدمة والصين تسهم بنسبة 90 % من حجم طفرة الديون البالغة 28 تريليون دولار حتى عام 2020.
في ظني أن الدراسة تركز على نقطة مهمة وهي «الديون السهلة» في السنوات التي سبقت الأزمة الأوكرانية، وهذا الأمر جعل العديد من البلدان الغنية خصوصاً تتوسع في الديون أثناء جائحة كورونا والسبب الأساسي هو انخفاض أسعار الفائدة وكذلك عمليات شراء كبيرة للديون الحكومية والتطور الكبير في أسواق مالها، في حين أن الاقتصادات النامية واجهت فرصاً محدودة للحصول على التمويل لكن بفائدة أعلى.
دول كبرى كثيرة أوقفت الإنتاج بسبب كورونا، أو تعثر وانخفض إنتاجها بسبب تداعيات الأزمة الأوكرانية، وبالتالي قدمت حوافز مالية كثيرة للعاملين فيها، وهذه الحوافز لم تكن إلا عمليات طبع نقود لم توازيها سلع منتجة في السرق، وحينما استفاق الجميع اكتشفوا هول الصدمة، وهي حالة التضخم الكبيرة، والتي صاحبها عملية ركود في دول كثيرة. الاقتصادات العالمية خصوصاً المتقدمة سجلت عجزاً مالياً كبيراً بسبب تراجع الإيرادات بسبب الركود، وتطبيق تدابير مالية مشددة، والنتيجة الحتمية لذلك كانت ارتفاع الدين العام بنسبة 19 % من إجمالي الناتج المحلي عام 2020 وهي نفس النسب أثناء الأزمة المالية العالمية عامي 2008 و2009، لكن في المرة الأخيرة فإن الدين العام قفز بمقدار 14 % من إجمالي التاريخ المحلي الإجمالي عام 2020 في حين أن نسبة الزيادة عام 2009 لم تزد على 7 %.
قد لا يهتم الكثير من الناس بهذه الأرقام ويرونها مصطلحات اقتصادية معقدة لكن للأسف فإنها تنعكس على العديد من الدول والأفراد وتجعل الجميع بمن فيهم الذين لا يتابعون الاقتصاد يدفعون ثمناً باهظاً لأزمة الديون.
غالبية سكان العالم الثالث لا يدركون مثلاً أن ديون بلدانهم هم الذين سيدفعونها الآن أو في المستقبل الذي قد لا يكون مضيئاً كما يتخيل البعض، بل إن الأمور مرشحة في كثير من بلدان العالم للتغير إلى الأسوأ بسبب أزمات كثيرة، في مقدمتها أزمة الديون العالمية.