أسباب ودواعي نشوء بنك البريكس والتحديات التي تواجهه.. بقلم: إيفلين المصطفى

أسباب ودواعي نشوء بنك البريكس والتحديات التي تواجهه.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ١٠ أغسطس ٢٠١٤

Evlism86@gmail.com

 مما لا ريب فيه بأن دواعي إنشاء مجموعة دول البريكس والتي تعني مختصر الحروف المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، جاء من قبيل الصدفة, وإنما يندرج تشكيل هذه المجموعة لعدة عوامل سياسية واقتصادية، يؤكد رؤساء الدول في هذه المجموعة على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية آنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية.
وفي كل مؤتمر تعقده المجموعة تطلعنا فيه على قائمة من الأعمال المفترض تنفيذها خلال السنوات المقبلة، وفي قائمتها السعي لإنشاء بنك جديد للتنمية البينية والدولية على غرار البنك الدولي المعروف، بهدف استكمال الجهود الدولية المتعددة الأطراف والمؤسسات المالية الإقليمية، الرامية إلى دعم النمو والتنمية على المستوى العالمي وفق تصريحات رؤساء المجموعة، غير أن الهدف الخفي كما يخمّن البعض من المحللين هو إنشاء مؤسسة مالية دولية رديفة للمؤسسات الاقتصادية الدولية الحالية (مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) لتكون وسيلة تنافس هذه المؤسسات وتعمل على تحرير العالم من تأثيراتها وقيودها.
وإن كنا نقر بحق هذه المجموعة في إقامة ما تريد بشكل يخدم اقتصاداتها، إلا أنه لا يمكن أن نغفل وجود عدد من التحديات التي تواجه فكرة تأسيس بنك دولي مشترك، وخاصة إن كان البعض يجد بأن الانفصال عن النظام المالي العالمي التابع للولايات المتحدة ليس نتيجة للحرية، فمثلاً نجد أن البنك الذي أعلنت عن تشكيله مجموعة البريكس في فورتلايزا جاء نتيجة عدة عوامل, من ضمنها وجود توافق سياسي بين أعضاء بلدان المجموعة، ولعل السبب الأهم هو تردد الولايات المتحدة القيام بإصلاحات الحصص في صندوق النقد الدولي, الأمر الذي ألقى لوماً كبيراً على الجمهوريين في واشنطن، وجعل دول مجموعة البريكس تجد غطاء ودافعاً للمجموعة للقيام بإنشاء بنك كبير، في وقت حذر فيه البعض من أمر اتخاذ المظالم السياسية التي تعانيها بعض دول البريكس حجة لإنشاء بنك, وخاصة أن هذا الأمر ينذر بحدوث انهيار مالي كبير مستقبلاً في حال تم إحداث البنك.
لكن قبل الشروع في الحديث عن مستقبل نجاح أو فشل البنك لابد من تسليط الضوء على الصعوبات التي ستواجهه إلى حين إنشائه, حيث يدرك الجميع أن أي مؤسسة مالية تتطلب تفاصيل أساسية حول رأس المال الذي سيتم اعتماده, والذي يفترض أن يعادل ما قيمته 100 مليار دولار وهو ما تم التصريح عنه بشكل أولي إنشاء بنك التنمية الجديد ومن المحتمل أن يكون الحجم الأولي للاحتياطي 100 مليار دولار، كذلك سيكون مقر البنك في شنغهاي، في حين سيكون أول رئيس تنفيذي للبنك من الهند، أما الرئيس الأول لمجلس المحافظين من روسيا، كما ستعين البرازيل أول رئيس لمجلس الإدارة، بعد فشلها في جعل مقر البنك في أراضيها، أما جنوب إفريقيا فستقوم باستضافة المركز الإقليمي الإفريقي.
وإن كان بنك البريكس يتضمن أهدافاً سياسية واقتصادية متباينة، إلا أنه لا يمكن إغفال وجود خلاف مباشر بين بعض الدول المتواجدة في المجموعة، وبالتالي لا بد من طرح تساؤل مشروع فيما لو تعرض البنك لأزمة مالية, أو تعرضت إحدى الدول المتواجدة في المجموعة لأزمة مالية, فلا يمكن التنبؤ حقاً فيما إذا كانت الهند مثلاً مستعدة لدفع فاتورة في حال كانت هناك أزمة مالية ضخمة في روسيا أو الصين؟
فمثلاً تكلفة إنقاذ اليونان بلغت 300 مليار دولار, لذا من الضروري جداً التسليم بفرضية أنّ أي مشكلة ستحدث أو أزمة مالية ستقع ستكون أكبر من حجم بنك البريكس, وهذا يضع البنك أمام أسئلة مشروعة يجب أخذها بالاعتبار لنجاح هذا المشروع السياسي.
مثلاً ما هي العملة التي سيتم التداول بها؟ بالتأكيد لن يكون الين الياباني ولا اليورو, ولا يُعتقد أن المجموعة ستستخدم الدولار، ربما يقول البعض اعتماد نهج العملة البديلة، ممكن تصديق ذلك النهج عندما يتحقق.
إضافة لذلك ما هو النظام القانوني الذي سيعمل وفقه البنك؟ وخاصة أن معظم المصارف الإنمائية تعتمد النظام القضائي الأمريكي أو البريطاني، لكن هذه الخيارات لا تتفق مع سياسة البريكس.
وكيف سيتم اتخاذ قرار لمشتريات بالنسبة للبنية التحتية؟ مثلاً هل سيتم اعتماد نظام التسعيرة المنخفضة للصين في حين تكون دورة الحياة لصالح بلدان أخرى.
ومن خلال المتابعة نجد أن إعلان فورتاليزا مراراً للاعتراف بمجموعة بريكس والالتزام بحقوق الإنسان سيجعل هناك جدلاً بين الأوكرانيين وأبناء التبت، إضافة لذلك لابد من التساؤل حول كيفية التعاطي مع المشاريع الكبرى التي يقوم بها مثلاً البنك الدولي وغيره من بنوك التنمية متعددة الأطراف التي تدخل حيزاً غالباً ما تكون معقدة اجتماعياً وبيئياً كيف يتم التعامل مع هذه المسألة؟ من هنا يتوجب التفكير بجميع تلك المسائل ويُفترض على الولايات المتحدة ألا تنتظر حتى حدوث ذلك, بل عليها أن تقوم بالإصلاحات المطلوبة منها في صندوق النقد الدولي, وخاصة أنّ النظام المالي الدولي لايزال يعمل وفق ذات الهيكلية والافتراضات التي كانت قد وضعتها الولايات المتحدة في نظام بريتون وودز بعد الحرب العالمية الثانية، حيث يعمل النظام الدولي بشكل أفضل تحت قيادة الولايات المتحدة، إلا أن إنشاء بنك البريكس يعد واحداً من العيوب في نظام تقوده الولايات المتحدة، وهو مؤشر على وجود حرب باردة ضد نظام يخدم المصالح الأمريكية والعالم.
خلاصة القول إنه في حال تمكنت مجموعة البريكس من استخدام إخفاقات أميركا في إصلاح إدارة صندوق النقد الدولي لإنشاء مؤسسات مالية، يبقى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قوة مضاعفة فعالة لعولمة النموذج الأمريكي رغم جميع الأخطاء الموجودة، وهو يخدم مصلحة الولايات المتحدة، والعالم الغربي وللحفاظ على بريكس يفترض أن تشارك واشنطن في هذه المنتديات بدلاً من السماح لهم البدء بمؤسسة مالية جديدة.