أيها الخافق المعذب
الأزمنة
الأحد، ٢٧ مارس ٢٠١٦
زهير جبور
تؤثر الظروف الحياتية بالإنسان على نحو ما، وتجعله يعيد التفكير بعلاقاته وهواياته وأسلوب عيشه، وهي تشكل جزءاً من عوامل متنوعة، ومع مرور الوقت يظهر أثرها الذي تحدده الممارسة، ولا بد أن إجراء المقارنة بين مشكلة الآن وما كانت عليه توضح الكثير من الجوانب، ماذا حلّ منها، أو حذف أي مصادفة جعلتها تتراجع، وهل تم التوصل إلى حقيقة الأمر، وأسئلة كثيرة تطرح، وفي الحياة تبدلات سلبية وإيجابية، والحياة تجري ليس كما تشتهي رغباتنا.
حصلت في سنوات الأزمة السورية المؤسفة تغيرات في نفوسنا وتفكيرنا، نمط عيشنا ومفاصله، وما زلنا نمضي مصرين على الصمود والمواجهة وعزيمة الانتصار، بعيداً عن الضجيج وعبر عيد الحب حيث الأحمر غطى واجهات المحلات التجارية، ثياب حمراء وورود، وإعلانات تشير إلى دعوات سهر وغناء بالمناسبة في أجواء لا بد أن الظروف قد أثرت عليها، وما كان قديماً ليس ما عليه الآن، وأسبابها حرب وحشية انعكست على الفرح، وأدمت القلوب، وجعلت الحزن يغطي الوجوه، وما يخفى منه أعنف من الواضح، وستكون نتائجه على أجيال قادمة، تتوزع معاناتها بين نفسية، اقتصادية، اجتماعية، تستنفز التوازن المطلوب، وثمة من جعلوا الأزمة اللعينة مناسبة للثراء، وجاء ذلك ليحقق أغراضهم ويخدم مصالحهم، بعيداً عن أي إنسانية ينبغي أن تفرضها الوطنية المقدسة، ومشكلة الأمس أنه كان لهؤلاء غطاء يستر قبحهم الذي عرته الأزمة، وبالمناسبة لا بد للشرفاء من أن يطرحوا معاني السمو النفسي في جوهر الحب، الذي لولاه لكانت مسننات الحياة تصدر زعيقاً حاداً، وهو الذي يجعلها تنزلق سلسة، وفي حالات البهاء والصفاء تصدر موسيقا العيش التي يلتقطها العشاق، كدقات قلوبهم بخفقان يحدثه حب الوطن. الأسرة الكبيرة والصغيرة. الطبيعة. المنظر الخلاب. لوحات الفن. الطيران خارج حدود الزمان والمكان.
• في الواقع
فإن هذه الأفكار الرومانسية التي تليق بالحب سوف يصدمها الواقع، وما يعاني منه شبابنا يفوق أي وصف، وهم يفتقدون إلى الحياة المستقرة، ويجاهدون من أجل مستقبلهم، قال إن من بين أحلامه الكثيرة كان طموحه أن يوفر المبلغ المطلوب ليسجل على سكن في أبنية الشباب، التي اهتمت بها الدولة وفتحت أبوابها للمستحقين حسب القانون، وتأخر تنفيذ المشروع ولم يحصل على حلمه، بعد أن تعرقل سنوات قبل الأزمة وما بعدها، كان ثمن الشقة 70م ما يقارب المليون ليرة سورية، وتدفع على أقساط، وكانت تقدم تسهيلات أخرى من قروض مصرفية، ولم تكن الحياة بتعقيداتها كما هي عليه الآن، الارتفاعات الشاهقة للأسعار، (فوبيا العلو المتواصل) أصاب شباب البلاد والفقراء، ومن اعتمدوا المرتب الشهري ليصل سعر الشقة إياها إلى أكثر من 10 ملايين ليرة سورية، وصاحب الحق فيها لم يعد قادراً على الدفع، ولهذا حين تمت الدعوة للاستلام كثيرون ممن لم يتمكنوا من ذلك، وهم يعرضون حلمهم المنتطس للبيع، ونسبة كبيرة من شبابنا يواجهون الحالة، التي تحول بينهم وبين حلم الاستقرار المنزلي، ودفء أحضان الزوجية وقد أحيط بسياج حديدي من الصعب اختراقه، من سعر الذهب كمقدمة، ومن عاداتنا السيئة أن يكون ذهباً من أجل واجب العريس والعروس والأسرة، متجاهلين بأن الحب الحقيقي لا يميز بين ذهب وفضة وتنك، وعلى شبابنا الآن مهمة إسقاط الذهب من عرشه التقليدي، ويجب أن تكون المبادرة من البنات، وليس من المنطقي ونحن في عصر التقدم إن صحت المعادلة أن تكون (النملية) الخشب مكان البراد مع الغسالة والغاز وسرير النوم والخزانة ومن أقربه، وهذا القرب لا يتطابق أبداً مع سعر الدولار وهو في سباق لا ينعكس وثبه إلا على جيل الشباب، ويبقى الدخل على حاله لا حراك فيه، وكأن الذين يخططون لعيشنا الكريم كما في تصاريحهم للإعلام لا يرون ماذا يجري، ولا يسمعون بما يدور، وممن أين لهم ذلك وهم لا يواجهون خانقة، ولا ضغطاً، ولا يهمهم في الشارع إلا الإسفلت الذي ستدور فوقه عجلات عرباتهم.
شباب الوطن الفقراء وحدهم الذين يدافعون ويستشهدون ويصابون بالجروح البليغة وبتر الأعضاء من أجله، ولم يتراجعوا عن حبهم له، وإيمانهم به، ونفوسهم الأبية تجعلهم يقدمون كل شيء.
• ماذا يقولون
كانت المناسبة فرصة لإجراء حوارات مع شبان وشابات بعضهم طرح الأفكار التي استمدها من تجربته الخاصة، ومنهم من كان أكثر صراحة وعبر أنه فسخ خطبته أو أنهى قصة حب، وآخرون عبروا عن أن مشوارهم طويل، أمامهم الانتهاء من الجامعة، وخدمة العلم، وتأمين العمل، وهؤلاء ممن يمكن أن نطلق عليهم تسمية الباحثين عن الآمال المفقودة، وهم يفضلون اجتياز المراحل وعدم البناء على الوهم، أما الفتيات فكن أكثر قلقاً من البنات خاصة أولئك اللواتي تخرجن في الجامعة وهن بلا عمل، كما هي أنغام ورفيقتها، منذ ثماني سنوات تخرجن في الجامعة بشهادة الأدب الإنكليزي، أنغام تدرس عدداً من الطلاب في البيوت، لا يكاد دخلها يكفي لأجور التنقل، لكنها مستورة كما عبرت، وزميلتها بلا عمل، وقالت ناريمان حين سألتها عن معنى الحب (هلي فينا كافينا. لا تفتق الجروح) تنهدت ثم ابتسمت واعتذرت عن متابعة الحديث، أما ولاء فقالت حين سألتها عن هدية المناسبة (أجرة الباص من حي الرمل الشمالي إلى الكورنيش وثمن فنجان قهوة ورقي نحمله ونمشي مدعين أننا نتمتع بزرقة البحر. هذا إن لم تكن السماء ماطرة) أجبتها هل تعلمين أن (السماء لم تكن ماطرة) يصلح عنواناً لرواية قد تكون أكثر واقعية ومصداقية وأدباً من رواية (الأسود يليق بك).
قضايا الشباب تحتاج لدراسات مختصة، ومؤسسة علمية تقوم بتنفيذها، وبعضهم يجيب عن السؤال بسخرية مبطنة وبين عينيه الدهشة، عما يتحدث هذا الذي لا يمكنه أن يصل إلى فك لغز بسيط جداً من معاناتنا مهما ادعى الثقافة والفهم والمعرفة، تلقيت مثل هذه الإجابة عبر نظرات تجمع بين الاستنكار وغموض الرؤية والضبابية التي لا يمكنها أن تجعلهم يتصبرون القادم ولو بقليل من البصيص.
• أجلنا الموضوع
يظهر أن كل شيء في حياتنا مؤجل، باستثناء أن نتدبر أمر تأمين الطعام اليومي، أما الأحاسيس والعواطف فجميعها مؤجلة إلى إشعار آخر، ومع التأجيل يتراجع خفقان القلب، يتباطأ حتى درجة الانطفاء، وسنبقى نتذكر ما قاله الشاعر وأطرب محمد عبد الوهاب به الذوق الفني الرفيع (أيها الخافق المعذب.. يا قلبي) لنؤجل الموضوع، مصرين بعزيمة الإرادة على انتصار الوطن، وهذا ما سيسهل علينا حل القضايا العالقة أو المدرجة في جدول النسيان، حينها يبرز الحب الحقيقي راية تجمع أبناء الوطن في ألوان العلم الذي سيخفق بالنفوس شامخاً لا يلين.
تؤثر الظروف الحياتية بالإنسان على نحو ما، وتجعله يعيد التفكير بعلاقاته وهواياته وأسلوب عيشه، وهي تشكل جزءاً من عوامل متنوعة، ومع مرور الوقت يظهر أثرها الذي تحدده الممارسة، ولا بد أن إجراء المقارنة بين مشكلة الآن وما كانت عليه توضح الكثير من الجوانب، ماذا حلّ منها، أو حذف أي مصادفة جعلتها تتراجع، وهل تم التوصل إلى حقيقة الأمر، وأسئلة كثيرة تطرح، وفي الحياة تبدلات سلبية وإيجابية، والحياة تجري ليس كما تشتهي رغباتنا.
حصلت في سنوات الأزمة السورية المؤسفة تغيرات في نفوسنا وتفكيرنا، نمط عيشنا ومفاصله، وما زلنا نمضي مصرين على الصمود والمواجهة وعزيمة الانتصار، بعيداً عن الضجيج وعبر عيد الحب حيث الأحمر غطى واجهات المحلات التجارية، ثياب حمراء وورود، وإعلانات تشير إلى دعوات سهر وغناء بالمناسبة في أجواء لا بد أن الظروف قد أثرت عليها، وما كان قديماً ليس ما عليه الآن، وأسبابها حرب وحشية انعكست على الفرح، وأدمت القلوب، وجعلت الحزن يغطي الوجوه، وما يخفى منه أعنف من الواضح، وستكون نتائجه على أجيال قادمة، تتوزع معاناتها بين نفسية، اقتصادية، اجتماعية، تستنفز التوازن المطلوب، وثمة من جعلوا الأزمة اللعينة مناسبة للثراء، وجاء ذلك ليحقق أغراضهم ويخدم مصالحهم، بعيداً عن أي إنسانية ينبغي أن تفرضها الوطنية المقدسة، ومشكلة الأمس أنه كان لهؤلاء غطاء يستر قبحهم الذي عرته الأزمة، وبالمناسبة لا بد للشرفاء من أن يطرحوا معاني السمو النفسي في جوهر الحب، الذي لولاه لكانت مسننات الحياة تصدر زعيقاً حاداً، وهو الذي يجعلها تنزلق سلسة، وفي حالات البهاء والصفاء تصدر موسيقا العيش التي يلتقطها العشاق، كدقات قلوبهم بخفقان يحدثه حب الوطن. الأسرة الكبيرة والصغيرة. الطبيعة. المنظر الخلاب. لوحات الفن. الطيران خارج حدود الزمان والمكان.
• في الواقع
فإن هذه الأفكار الرومانسية التي تليق بالحب سوف يصدمها الواقع، وما يعاني منه شبابنا يفوق أي وصف، وهم يفتقدون إلى الحياة المستقرة، ويجاهدون من أجل مستقبلهم، قال إن من بين أحلامه الكثيرة كان طموحه أن يوفر المبلغ المطلوب ليسجل على سكن في أبنية الشباب، التي اهتمت بها الدولة وفتحت أبوابها للمستحقين حسب القانون، وتأخر تنفيذ المشروع ولم يحصل على حلمه، بعد أن تعرقل سنوات قبل الأزمة وما بعدها، كان ثمن الشقة 70م ما يقارب المليون ليرة سورية، وتدفع على أقساط، وكانت تقدم تسهيلات أخرى من قروض مصرفية، ولم تكن الحياة بتعقيداتها كما هي عليه الآن، الارتفاعات الشاهقة للأسعار، (فوبيا العلو المتواصل) أصاب شباب البلاد والفقراء، ومن اعتمدوا المرتب الشهري ليصل سعر الشقة إياها إلى أكثر من 10 ملايين ليرة سورية، وصاحب الحق فيها لم يعد قادراً على الدفع، ولهذا حين تمت الدعوة للاستلام كثيرون ممن لم يتمكنوا من ذلك، وهم يعرضون حلمهم المنتطس للبيع، ونسبة كبيرة من شبابنا يواجهون الحالة، التي تحول بينهم وبين حلم الاستقرار المنزلي، ودفء أحضان الزوجية وقد أحيط بسياج حديدي من الصعب اختراقه، من سعر الذهب كمقدمة، ومن عاداتنا السيئة أن يكون ذهباً من أجل واجب العريس والعروس والأسرة، متجاهلين بأن الحب الحقيقي لا يميز بين ذهب وفضة وتنك، وعلى شبابنا الآن مهمة إسقاط الذهب من عرشه التقليدي، ويجب أن تكون المبادرة من البنات، وليس من المنطقي ونحن في عصر التقدم إن صحت المعادلة أن تكون (النملية) الخشب مكان البراد مع الغسالة والغاز وسرير النوم والخزانة ومن أقربه، وهذا القرب لا يتطابق أبداً مع سعر الدولار وهو في سباق لا ينعكس وثبه إلا على جيل الشباب، ويبقى الدخل على حاله لا حراك فيه، وكأن الذين يخططون لعيشنا الكريم كما في تصاريحهم للإعلام لا يرون ماذا يجري، ولا يسمعون بما يدور، وممن أين لهم ذلك وهم لا يواجهون خانقة، ولا ضغطاً، ولا يهمهم في الشارع إلا الإسفلت الذي ستدور فوقه عجلات عرباتهم.
شباب الوطن الفقراء وحدهم الذين يدافعون ويستشهدون ويصابون بالجروح البليغة وبتر الأعضاء من أجله، ولم يتراجعوا عن حبهم له، وإيمانهم به، ونفوسهم الأبية تجعلهم يقدمون كل شيء.
• ماذا يقولون
كانت المناسبة فرصة لإجراء حوارات مع شبان وشابات بعضهم طرح الأفكار التي استمدها من تجربته الخاصة، ومنهم من كان أكثر صراحة وعبر أنه فسخ خطبته أو أنهى قصة حب، وآخرون عبروا عن أن مشوارهم طويل، أمامهم الانتهاء من الجامعة، وخدمة العلم، وتأمين العمل، وهؤلاء ممن يمكن أن نطلق عليهم تسمية الباحثين عن الآمال المفقودة، وهم يفضلون اجتياز المراحل وعدم البناء على الوهم، أما الفتيات فكن أكثر قلقاً من البنات خاصة أولئك اللواتي تخرجن في الجامعة وهن بلا عمل، كما هي أنغام ورفيقتها، منذ ثماني سنوات تخرجن في الجامعة بشهادة الأدب الإنكليزي، أنغام تدرس عدداً من الطلاب في البيوت، لا يكاد دخلها يكفي لأجور التنقل، لكنها مستورة كما عبرت، وزميلتها بلا عمل، وقالت ناريمان حين سألتها عن معنى الحب (هلي فينا كافينا. لا تفتق الجروح) تنهدت ثم ابتسمت واعتذرت عن متابعة الحديث، أما ولاء فقالت حين سألتها عن هدية المناسبة (أجرة الباص من حي الرمل الشمالي إلى الكورنيش وثمن فنجان قهوة ورقي نحمله ونمشي مدعين أننا نتمتع بزرقة البحر. هذا إن لم تكن السماء ماطرة) أجبتها هل تعلمين أن (السماء لم تكن ماطرة) يصلح عنواناً لرواية قد تكون أكثر واقعية ومصداقية وأدباً من رواية (الأسود يليق بك).
قضايا الشباب تحتاج لدراسات مختصة، ومؤسسة علمية تقوم بتنفيذها، وبعضهم يجيب عن السؤال بسخرية مبطنة وبين عينيه الدهشة، عما يتحدث هذا الذي لا يمكنه أن يصل إلى فك لغز بسيط جداً من معاناتنا مهما ادعى الثقافة والفهم والمعرفة، تلقيت مثل هذه الإجابة عبر نظرات تجمع بين الاستنكار وغموض الرؤية والضبابية التي لا يمكنها أن تجعلهم يتصبرون القادم ولو بقليل من البصيص.
• أجلنا الموضوع
يظهر أن كل شيء في حياتنا مؤجل، باستثناء أن نتدبر أمر تأمين الطعام اليومي، أما الأحاسيس والعواطف فجميعها مؤجلة إلى إشعار آخر، ومع التأجيل يتراجع خفقان القلب، يتباطأ حتى درجة الانطفاء، وسنبقى نتذكر ما قاله الشاعر وأطرب محمد عبد الوهاب به الذوق الفني الرفيع (أيها الخافق المعذب.. يا قلبي) لنؤجل الموضوع، مصرين بعزيمة الإرادة على انتصار الوطن، وهذا ما سيسهل علينا حل القضايا العالقة أو المدرجة في جدول النسيان، حينها يبرز الحب الحقيقي راية تجمع أبناء الوطن في ألوان العلم الذي سيخفق بالنفوس شامخاً لا يلين.