إدارة النمو
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ١٣ ديسمبر ٢٠٢٢
أستمع لكثير من المسؤولين يتحدثون عن كيف كنا قبل عقد ونيف من الزمن، ويتباهون بما كنا عليه في العقد الأول من هذه الألفية، وهو صحيح، ولا ضير في ذلك، لكن الأهم أن ندرك أين صرنا وكيفية الخروج مما وصلنا إليه؟
هذا هو اللافت للنظر، بل يجب أن يتجه النظر كله إلى الواقع الذي دعاني أن أختار هذا العنوان والسير في هذه المادة التي نتداول من خلالها آليات نجاحه أو فشله، توازنه أو ضعفه، القائمين عليه أو متابعي مؤشراته، هيئاته التي يجب أن تكون على مستوى المسؤولية الوطنية التي نبحث عن تنميتها أمام استمرار محاولات إغراقها بالمتاهات الاقتصادية والصحية والتعليمية والثقافية واللهاث بين محاورها دون امتلاك القدرة على الوصول لحلول إستراتيجية تضعها على سلالم الارتقاء ومسارات التخلص من تبعات ما مضى.
إدارة المصالح الاقتصادية الداخلية لها من الأهمية التي تتماثل مع إدارة المصالح الجيوسياسية وعلاقتها بإدارة المصالح الخارجية والأمنية والعسكرية، وصحيح أن التعامل مع كل هذا تفرضه الظروف الإقليمية والدولية، لكن للانفلات أسبابه، وكذلك للانضباط شروطه.
إدارة التنمية عملية ليست بالسهلة، ولا يمكن فصلها عن المحيط المعادي أو المؤيد القريب أو البعيد، إلا أنها تنجح عند توافر الإرادة الوطنية التي تترفع عن الأنا الفردية، وتستقطب الجهود الجماعية المنتجة والعقول المفكرة، وتبتعد عن التأثر بأفكار الآخر مع إحداث شراكات موثوقة ومتوازنة في الأهداف.
البطء والجمود سيدا المواقف، وخطط التعافي غير واضحة، ما يعني أن هناك ضعفاً في رؤية إعادة النهوض الاقتصادي الذي يتراجع نتاج اعتماده على الضرائب الشاملة وعدم تفعيل أنظمة المصارف الخاصة والعامة، وتراجع دور المركزي إلى درجة تستدعي معها التوقف والمراجعة لوقف تدهور العملة الوطنية أولاً، والتوجه لدعم مكونات الإنتاج عبر نظام تمويل متطور وقرارات تشجيع الاستثمار وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة حقيقة لا وهماً.
الكل يسأل عن خطط التعافي الواقعية والمنطقية التي تقنع من خلال أدائها، وهل هي حقيقية أم وهمية؟ أم إنها تنتظر الحلول السياسية فيما بين الدول المحيطة والخارجية المتدخلة بشؤوننا، والتي تتجاهل آثار الحصار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على دولة وشعب ومكونات، وللأسف إن هذا الواقع بدلاً من أن يدفعنا إلى استيعابه والاتجاه لمقاومته بالتنمية، نجد أننا حولناه إلى شماعة وانتظار الإله.
يكتمل الإصلاح ويظهر النمو الحقيقي في حال توافر الصدق والإخلاص للعمل العام، وحديثي هنا عن الإدارة الاقتصادية المسؤولة الرئيسة عن إدارة النمو، لأن لدينا إدارة سياسية ناجحة وفاعلة، لكن مازلنا بعيدين عن الشعور بأننا نمتلك إدارة اقتصادية ناجحة تشعر من بالداخل والخارج، بأن هناك عملاً حقيقياً.
صحيح أن الحياة صراع وتقدم وتراجع واختراق، إلا أن تكاثر الهموم والمطالب بغاية البقاء والاستمرار وإحداث الاستقرار يؤدي إلى العمل والتعلق بالأمل وتقلص نكهات الفرح وتصاعد موجات العقبات وانتشار الآلام والأحزان التي تحتاج إلى الاحتواء المعنوي قبل المادي، وهذا ما يدعو إلى الاتجاه لبناء نمو حقيقي من خلال تحقيق الشعور بالأمان والإحساس الذي ينبغي على الإدارات أن تطرحه بأنها تشعر بالمواطنين، وأن هذه الإدارات منضبطة أخلاقياً، وأنها تعمل على التخفيف من التوتر، وأكثر من ذلك على إزالته نهائياً.
إدارة النمو تحتاج إلى الانضباط، وبشكل خاص عندما يكون الانفلات في أوج حالاته، وضمنه ينتشر التهرب الضريبي والغش بالمنتجات والمراوغة للهروب إلى الأمام وتدوير الزوايا ورمي المسؤوليات من شخص لآخر، حيث غدت لغة الكل بأن هناك ضعفاً في الأمل، وهذا يؤدي إلى ضعف في العمل، كيف نعيد لمعادلة حضورها؟
إذاً المطالبات بإدارة النمو بشكل جيد تمثل صرخة من المواطنين المتضررين إلى الدولة بالاتجاه للإصلاح الاقتصادي بشكل سليم، لأن توقفه يعني الجمود وانتشار الخلل والفضائح التي تسيطر على الثقة وتجردها من حضورها بدرجات حساسة، لذلك تظهر الدعوات للأخذ بنواصي التعافي ووضع الخطط السليمة للنهوض بعد جرد الخسائر وإيقاف الانحدار الذي تعانيه البلاد والعباد.
السياسي الحقيقي يأخذ بيد الاقتصادي الجيد، بل يبحث عنه ويضعه في مكانه، لأنه يجد فيه الإصلاح، أما السياسي الموظف فإنه وبحكم التهائه بمنصبه وخوفه من العمل الجاد، أي من عدم تحمل المسؤولية بشكل صحيح، يأخذ بالاقتصاد إلى الهاوية أي لا يقدر على المتابعة، ويكون بحاجة إلى مدير أو رأي بشكل دائم، ما يؤدي إلى استمرار الفشل.
هل ننتبه للحاصل، وننظر نظرة تأمل حقيقية وواقعية، ونسرّع عملية النمو التي يعتبرها الكثيرون أنها شبه متوقفة؟.
|
د. نبيل طعمة