استنفار أميركي لمنع انهيار المفاوضات: إسرائيل تواصل الابتزاز... والمقاومة على شروطها
أخبار عربية ودولية
الجمعة، ١ مارس ٢٠٢٤
عاد الوفد الإسرائيلي المفاوض من العاصمة القطرية، الدوحة، أمس، بعد مفاوضات استمرّت 4 أيام على التوالي، حول صفقة تبادل الأسرى المفترضة. وبحسب ما تجمع عليه المصادر، جرى البحث في التفاصيل الإنسانية والإغاثية للصفقة، مع التطرّق العمومي إلى قضية تبادل الأسرى، فيما يظهر أن المفاوضات لم تقترب من نهايتها بعد، سواء كانت هذه النهاية إيجابية أو سلبية، وأنها تحتاج إلى وقت أطول. وفي موازاة ذلك، تابعت واشنطن محاولاتها الدفع قُدماً بالمفاوضات، حيث أجرى وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في وقت مبكّر من فجر أمس، اتصالاً بنظيره الإسرائيلي، يوآف غالانت، تناولا فيه مسألتي إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وصفقة التبادل. كما أجرى الرئيس الأميركي، جو بايدن، اتصالين منفصلين بأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. وبحسب «البيت الأبيض»، بحث بايدن مع تميم «الحادث المأساوي المثير للقلق في شمال غزة»، و«الجهود المبذولة لضمان الإفراج الفوري عن الرهائن». كما بحث مع السيسي جهود إطلاق سراح الأسرى لدى «حماس»، مشدّداً على أن «إطلاق الرهائن سيؤدّي إلى وقف فوري لإطلاق النار لـ6 أسابيع على الأقل». وفي السياق نفسه، ناقش وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في اتصال مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، «الجهود الجارية للتوصّل إلى هدنة». وبعد ذلك بوقت قصير، أعلنت الخارجية الإيرانية أن وزيرها، حسين أمير عبد اللهيان، بحث في اتصال مع آل ثاني «جهود وقف الحرب».وتشي المعطيات المتقدمة كافة، بأن جميع الأطراف المعنيين يسعون إلى تحقيق الاتفاق على صفقة التبادل، مع اختلاف واضح في الرؤى، وخصوصاً مع الإيرانيين الذين يرون أنه لا بدّ من وقف الحرب بشكل كامل. ولكن الأهم في هذا كله، هو الإصرار الأميركي على تحقيق اختراق جدّي، وسط موقف إسرائيلي متعنّت، وآخر فلسطيني ثابت. وبالنسبة إلى الجانب الفلسطيني، فإن المقاومة تسعى من خلال الصفقة المفترضة، إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من إغاثة المدنيين، وإيواء النازحين في خيام و«كرافانات» معدّة للسكن في مختلف المناطق، إضافة إلى الاتفاق على نوع وكميات المساعدات الإنسانية التي يجب أن تدخل إلى القطاع كله، شماله ووسطه وجنوبه، من دون أيّ معوقات. كما تطالب المقاومة بانسحاب قوات العدو، وتمكّن العائلات بكامل أفرادها من العودة إلى مناطق شمال غزة. وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، فإن «حماس لا تزال تعتقد أنها قادرة على تحقيق انتصارات»، و«(قائد الحركة في غزة يحيى) السنوار يبلغ قيادتها في الدوحة أن حماس مستعدّة لمعركة رفح». في المقابل، يصرّ العدو الإسرائيلي على مناقشة أدنى التفاصيل، من مثل عدد الخيام و«الكرافانات»، والمواقع المحدّدة لنصبها. وهو يرفض تقديم أي التزام من قبله بإدخال عدد محدّد من شاحنات المساعدات يومياً، ويكتفي بتقديم «وعود» برفع عددها. كما يمانع العدو عودة النازحين إلى الشمال بحرّية، بل يشترط رجوع النساء والأطفال والمسنّين فقط، من دون الرجال الذين يعدّهم قادرين على حمل السلاح، وذلك بذريعة أن «حماس» يمكن أن تتمكّن من خلال هؤلاء من إعادة ترميم قدراتها العسكرية والمدنية في شمال القطاع.
وعلى الرغم من تلك التعقيدات، إلا أن المفاوضات لم تنته بعد، ولا يبدو أنها في طريقها إلى الانهيار، كما أنها لا تزال بعيدة عن تحقيق نتائج إيجابية. ولعل التصريحات التي أطلقها رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس، تبدو كفيلة بإيضاح استراتيجيته في التفاوض؛ إذ قال، بوضوح، إن «هدف العملية السياسية هو منح العملية العسكرية الوقت لتحقيق الانتصار الحاسم (في قطاع غزة)». وأضاف: «أعمل بشكل يومي مع زملائي على الصعيد الدولي لمساعدة الجيش على التحرّك بحرّية في عملياته (...) ونعمل من أجل مواصلة الحرب وتحقيق أهدافها رغم تزايد الضغوط الدولية علينا». وتابع: «لن نرضخ لطلبات حماس وسنواصل الحرب حتى تحقيق الانتصار الحاسم». وعند سؤاله عن تطورات المفاوضات، أجاب: «نبذل كل الجهود لإعادة المخطوفين لكننا نواجه مطالب سخيفة من حماس ولا يمكن أن نوافق عليها»، مضيفاً أنه «لا يمكنني أن أقطع وعداً بشأن التوصّل إلى الاتفاق حالياً». وما يفهم من الكلام المتقدّم، هو أن الحكومة الإسرائيلية تخوض التفاوض لسلب المقاومة أوراق قوتها، أو بعضاً منها، وهي الأسرى، وفي الوقت عينه لإظهار حرصها على إعادة هؤلاء أمام الجمهور الذي ستقول له لاحقاً إن الضغط العسكري المتواصل هو ما أعاد إليكم أبناءكم. كذلك، تفاوض إسرائيل حول القضايا الإنسانية، بعدما حوّلتها هي - عن قصد - إلى مادة تفاوضية، بفعل الحصار والتجويع اللذين مارستهما على الشعب الفلسطيني في غزة، للتخفيف من الثمن الذي يُفترض أن تدفعه من الأسرى الفلسطينيين، ومطالب أخرى للمقاومة، وأن تدفع عوضاً عنه سماحاً بإدخال بعض المساعدات الإنسانية. والأهم، أن كل ما سبق يهدف في الجوهر، بحسب نتنياهو، إلى تمديد الحرب أكثر، بغطاء أميركي ودولي، و«شعبي» إسرائيلي.