اغتيال سامي الحناوي(تفاصيل – خفايا – آراء)..وثائق صراع الدول الاستعمارية

اغتيال سامي الحناوي(تفاصيل – خفايا – آراء)..وثائق صراع الدول الاستعمارية

ثقافة

الجمعة، ١٦ نوفمبر ٢٠١٢

كانت تلك الفترة من حياة سورية شاهداً على صراع الدول الاستعمارية لتحقيق غاياتها الاقتصادية على حساب دول المنطقة، أو كما قال الضابط السوري محمد سهيل العشي عن تلك الأيام وتلك الانقلابات: (المعركة معركة بترول أولاً وآخراً، بين السلطتين الأمريكية والبريطانية.).
لم يزل الزعيم حسني الزعيم، و137 يوماً التي حكم بها سورية، وإعدامه في المزة، مادة خصبة وألغازاً وحقائق لم تكشف بعد، ولم يزل 127 يوماً تربّع خلالها سامي الحناوي على سدة الحكم في سورية موضع جدل وآراء، وحرشو البرازي لم يزل له قصة وحكاية. واختلفت الآراء في كل ذلك.. وكل يوم يظهر الجديد من خفايا الصراع على سورية.
كنّا ولم نزل (مع الأسف) منذ القدم ألعوبة بين يديهم، يخططون، يتآمرون، يسلبون النوم من عيوننا، يطبخون لنا وجباتهم الفاسدة !؟ ويقدمونها لنا على حساب الوطن.. والأنكى من ذلك أنهم بعد فترة زمنية يقومون بنشر وثائقهم التي تقول من هم، وكيف يخططون لنا، وتظهر وثائقهم السرية وأدبياتهم السياسية أيضاً أن الموجة القومية والمخاوف السعودية والأطماع التوسعية الهاشمية ترافقت مع أطماع الدول المتنازعة على النفوذ في بلادنا.. ولا زالت القصص والحكايا تروى، ولا زال الصراع على سورية مستمراً، ولا زالوا يخططون لهذا البلد العظيم، ولا زلنا نصون الوطن برموش عيوننا...
وثائق فرنسية:
الاهتمام الفرنسي في السيطرة على الساحة السياسية والاقتصادية السورية كان في تلك الفترة على أشده، لأن الاستعمار الفرنسي كان يظن أن الفرنسيين هم الأكثر تضرراً مما يجري على الساحة السياسية آنذاك!؟ لأنهم يرون أن ما يجري يتعلق بمستعمرة فرنسية سابقة!! أصبحت في مهب الريح بين المطرقة البريطانية والسندان الأمريكي وسط رياح قومية إقليمية وسخونة الحرب الباردة.. وكانت السفارات الفرنسية تتابع هذا الاهتمام، فتشير برقية السفارة الفرنسية في بغداد الصادرة يوم 21 آب عام 1949م، إلى الوضع العام القائم في سورية والدول المجاورة:
 وارد
"بغداد", 21 أغسطس, 1949
في مساء الانقلاب قام القائم بأعمال "الولايات المتحدة", بمبادرة منه, بالتعبير أمام وزير الشؤون الخارجية عن اهتمام حكومته العميق بألّا تتأثر علاقات حسن الجوار التي ترغب في رؤيتها سائدة في المشرق بأي مبادرة أحادية الجانب يتخذها "العراق" أو "الأردن"، فرد الدكتور "جمالي" بأن فكرة الاتحاد مع "سوريا", ولو كانت عزيزة على الشعب العراقي, إلا إنه لا سبيل لتحقيقها بغير الاتفاق المتبادل, خاصة إذا استتب النظام في "سوريا".
أما القائم بالأعمال البريطاني, الذي أبلغه زميلي الأمريكي بفحوى هذا الحوار بعد ذلك, فقد أبلغه بأنه نصح الوزير, في أعقاب الأحداث, بالتروّي والاعتدال.
وقد تلقى القائم بالأعمال الأمريكي في اليوم التالي لهذه الحوارات برقية من الخارجية الأمريكية تحظر عليه تنبيه حكومة "بغداد", إذا تولد لديه انطباع بأن "العراق" يدبر شيئاً, فاكتفى بتأكيد ما قاله من قبل أمام الوزير.
وقد عرّف زميلي الأمريكي, الذي يشاركني الانطباع المشترك, الموقف العراقي, بتعبير بالغ الدقة هو "ضغط خفيف على الدواسات".
ينسخ إلى "القاهرة" و"بيروت" و"دمشق" و"عمان".
"دنيزو"
 وما كانت تعقيدات النفوذ الإقليمي لتقتصر على تطلعات نوري السعيد والأسرة الهاشمية في عمان وبغداد فحسب، بل امتدت لتشمل الملك فاروق في القاهرة، وقد عثر في هذا الإطار على وثيقة فرنسية تحمل تاريخ 31 كانون الثاني 1950 تستند إلى حوار جرى مع جميل مردم بك (رئيس وزراء سوري سابق) يتم فيها التأكيد على معارضة مصر للوحدة بين سورية والعراق، معللاً ذلك بسوء الأوضاع السائدة في سورية وعدم شرعية وتمثيل هاشم الأتاسي الذي تخف سلطته يوماً بعد يوم. وتختتم الوثيقة بالقول إن الكولونيلات (العقداء) الثلاثة الذين نفذوا الانقلاب الأخير يتحملون مسؤوليات ليست من اختصاصهم.
 31 يناير 1950
من السيد "شارل لوسيه" القائم بالأعمال
إلى سعادة وزير الشئون الخارجية
مقابلة مع "جميل بك مردم"
في خطابي بتاريخ 18 نوفمبر الماضي قمت بإطلاع الوزارة على زيارتي للسيد "جميل بك مردم", رئيس الوزراء السوري السابق, بناءً على طلبه.
ومنذ أيام قليلة طلب السيد "جميل مردم" مقابلتي مرة أخرى, وخطا عتبة هذه السفارة للمرة الأولى.
لقد كان رئيس الوزراء السوري السابق يرغب في الاطلاع على تطور الأحداث في "سوريا" منذ لقائنا الأخير, فهو يرى أن الأوضاع في بلاده تتدهور يوماً بعد يوم, وتميل في اتجاه الفوضى على نحو متسارع, فالبلد ممزق في الوقت الحاضر بين عدد من القوى, لا تشعر إحداها تجاه الأخرى بغير الريبة, ولم يعد من الممكن لرئيس الجمهورية "هشام الأتاسي" القيام بأي عمل مجد، حيث تتضاءل سلطته يوماً بعد يوم. أما الحكومة فهي لا تمثل البلاد ولا حتى الجمعية الوطنية، وأخيراً فإن العقداء الثلاثة منفذي الانقلاب الأخير يتولون سلطات لا يصح أن يتولاها العسكريون.
إن عقدة هذا الوضع غير الطبيعي لا يمكن أن تنحل إلا بعودة الشرعية الدستورية, وإعادة "شكري القوتلي" إلى منصبه السابق.
لقد قام السيد "جميل بك مردم", في روح من المصالحة, وبالاتفاق مع الرئيس السابق "القوتلى", بتقديم اقتراح إلى السفير السوري في "باريس" "عدنان بك الأتاسي", خلال زيارة الأخير إلى "القاهرة" منذ شهرين, يتضمن حلاً وسطاً من شأنه الحفاظ على مظهر الشرعية الدستورية. ويقضى الاقتراح بإعادة العمل بالدستور السابق, وفى المقابل يستقيل السيد "القوتلي" من منصب الرئيس, ويعترف بالسيد "هشام الأتاسي" خليفة له, إلا أن "دمشق" رفضت هذا الحل الوسط, الذي قبله "عدنان الأتاسي". وعلى هذا الأساس لم يعد ممكناً تصور حل سوى عودة الوضع بكل بساطة إلى ما كان عليه قبل انقلاب "حسنى الزعيم".
في سياق لقاء له بـ "النحاس باشا", اقتنع "جميل بك مردم" بأن الحكومة المصرية الجديدة لا تقل عداءً عن سابقاتها لمشروع الاندماج السوري العراقي, إلا أن عاملاً جديداً قد ظهر, فـ "النحاس باشا" يرى أن عودة "شكري القوتلي" إلى "سوريا" صارت ضرورية, وقد بدأ يعمل على تأييدها, وقد وافق "القوتلي" بعد أن نبّهه "جميل مردم" من حيث المبدأ, إلا إنه ينتظر من تطور الشعور العام في "سوريا" أن يسمح بعودته دون خطر عليه.
في تلك الظروف تبدو العودة إلى الحالة السابقة قريبة, لكن معرفة الظروف المواتية لها لم تزل متعذرة. ويعتقد "جميل مردم" شخصياً أن المجلس الدستوري السوري المنعقد حالياً سيصل قريباً إلى طريق مسدود, وسيتحتم وقتها, بمعونة انتفاضة الشارع لو لزم الأمر, إقناع الرئيس "القوتلي" بتسهيل الأمور قليلاً.
فور الانتهاء من تلك العملية, ستعلن الحكومة الجديدة ارتباطها بالنظام الجمهوري, ورفضها للوحدة مع "العراق", بأشد اللهجات حسماً. ويرى "جميل مردم", وفق ما أسرَّ له به أحد الدبلوماسيين البريطانيين حديثاً, أن الإنجليز لم يعودوا يعارضون هذا الحل, بل إنهم يرون أن عودة "القوتلي" هي الحل الأكثر عملية. سيكون من المؤسف أن نترك للإنجليز وحدهم الإفادة من هذه العملية.
فيما يخص العلاقة مع "فرنسا", يرى "جميل مردم" أن من مصلحة بلاده أن تحافظ على هذه العلاقة ودية ووثيقة بقدر الإمكان, لكن من اللازم طبعاً تجنب التفاخر وإثارة اللغط. لقد بالغ العقيد "الزعيم" في مظاهر الود الخارجي, ومن الممكن الإبقاء على ودية العلاقة دون الإسراف في الإشارة إلى هذا. وقد ذكّرني "جميل مردم" بأنه, قبل استقالته في فبراير الماضي لأسباب صحية, كان قد سوّي مع السيد "فري؟" كافة القضايا التي كانت تفصل "سوريا" عن "فرنسا", وأعد الأذهان لاستقبال اتفاقية التمويل, واستقدم الأساتذة الفرنسيين إلى "دمشق", وأعاد فتح مدارسنا. إن الأمر يتعلق الآن بالمضي قدماً في نفس الطريق. إن رئيس الوزراء السوري السابق لا يطلب من "فرنسا" أية مساعدة ذات طابع مادي, ويتنصل ممن يلمحون, باسمه, إلى الحصول على دعم مادي ولو كان غير مباشر. إنه يطلب ببساطة التأكد من دعمنا المعنوي...
يتبع
شمس الدين العجلاني - أثينا 
alajlani.shams@hotmail.com