الآمال والمخاوف
افتتاحية الأزمنة
الأربعاء، ١٨ مايو ٢٠٢٢
تقارب الحب والكراهية، الخير والشر، جميعها تظهر من عمق العلاقات الاجتماعية، وموروثاتها المخلوقات الرقيقة «النساء» اللائي يتحولن إلى زوجات، هذه الفكرة المولودة في عمق الظهور الإنساني، التي غايتها ليس إنهاء الشهوات، إنما الحدّ منها، لتتحول من شهوات جنسية إلى مطلبية، تدعو للاقتناء والاستجابة للطلبات.
العيش في كنف شيء تحبه يعني أن تفتح عليك كثيراً من المطالب، وأن تتوه بين المصالح الأخرى والشخصية، الأمثلة الشعبية وأساطير المجتمعات تنبئنا عن الكثير من آمال الناس التي تسعى للارتكاز على أسس صحيحة بعيداً عن النسج الخرافي والأزمات الدنيوية، التي ترهب الناس، وتزيد من مخاوفهم، تجد تفسيرها في الضعف الإنساني والمروءة الروحية، وهما خير تفسير لحضورها، لذلك نجد أن طبيعة الإنسان قامت على المنافسة ضمن حدود احتماله، أي بين الخير والشر، بين البناء والهدم، بين الآمال وما يريد أن يكون عليه، وبين خوفه منها رغم قوته الهائلة وجبروته الاستثنائي، إلا أنه لحظة أن يصادف غموضاً عرضياً أو طارئاً تتملكه الرهبة، ويتنازعه الخوف من أنه المقصود أو غير مقصود أو مرسوم.
فكرتا التطور والعواطف الإنسانية تتنقلان دائماً بين الآمال والمخاوف، وتشكلان القوة الدافعة أو المؤخرة لتقدير مصير الإنسان، وفي الوقت ذاته تشكلان الطلب لقيم خلقية ومفاهيم ثقافة نوعية، ويخضع تاريخ الآمال الإنسانية التي يعبر عنها عن طريق الدين والشعر والفلسفة والفن والإعلانات السياسية لحكمة العصور وأزماتها.
لقد قيدت الآمال عند سواد الشعوب، ومعها قيدت الأفكار والعلوم والتعليم عن قصد وخبث لمصلحة تعزيز الخوف من المالكين والحكام والساسة، والسبب انتشارها ضمن هياكل الدول على كوكبنا الحي وظهور التنظيم الاجتماعي والاقتصادي والديني، وتوسعت هذه النظم ضمن دوله، وانتهكت المساواة، وضلت العدالة إلى حدّ كبير سبلها إلى ما تسمو إليه، وخضعت فئات الشعوب من العمال والمزارعين والطبقة الوسطى إلى ثقافات الانتظام والانتظار والإرادات الروحية والاقتصادية، وكثرت العطالة، وظهرت البطالة ومعها الفوارق الطبقية بين الغني والفقير، بين العلم والجهل، بين التقدم والتأخير، بين العام والخاص.
لعنة المخاوف رافقت مسيرة الإنسان، الذي لم يقدر أن يرمي بعيداً عنه ما ينزع إلى الموت، إلى الخطيئة، إلى خيانة آماله، وعلى أساسها غدت البشرية إلى حدٍّ كبير منافقة ومزيفة وقاتلة لبعضها، وجائعة قاتلة لالتهام كل شيء، حتى في غرائزها وشهواتها الأساسية، ووصلت لتسكن أحلامها، وهذا ما أدى إلى ظهور مفاهيم وقيم تناقض المثل العليا وجوهر الروحانيات، التي تضمن حياة راقية للإنسان، الذي يتقدم بفضل انتشار صنوف العلوم ومعارفها التي غزت كل شيء، إلا أنها أدت إلى تراجع القيم والمبادئ الإنسانية بشكل انحداري، نتاج تعزيز معضلات مسيرته الحياتية، وهنا لا بد من إظهار آرائنا التي تجسد أحلامنا، فإذا أخفيناها اختفينا خلفها، ويجب علينا ألا نكون فرائس للخوف القادم من الطغيان واضطهاد أي قوى أخرى.
الأمم التي تتقدم بالحكمة والعلم لا تشعر بالتعب أو المشقة أو الإرهاق أو الذل، ويكفي أن يتأثر به أي أحد أو أي مجتمع، حتى يصبح عاجزاً عن أي تطور، أي تقدم، أي معرفة، المشكلة إذا توقفت أو أجبرت على التوقف الذي معه يبدأ الانزعاج، ويظهر التململ، ويحدث التوهان والانفلات، وإذا لم يكن هناك من يضبطها تظهر الكارثة بكل معانيها، الناس تلحق بعضها، جميع الناس على حق، من دون أن يعرف سوادها الحق، لأن آمالها فيه، ومخاوفها ضمنه، لذلك يهرب من يدرك مضمونه، ومؤكد أنَّ من يكون في المقدمة يركض أمامهم، فيركضون خلفه، ليشكلوا قطيعاً حقيقياً، فأكوام الهموم التي لم يعتادوا على إخفائها تجهدهم خطواتهم خلفها، وتملؤهم بالحزن من الوصول إلى الرفاهية، لذلك تجدهم يسيرون أمام أقسى المخاوف وأقل الآمال، وإنساننا الحي أينما وجد على هذا الكوكب يملأه الخوف نتاج الاضطراب السياسي والاقتصادي، السببان الرئيسان لأي نزاع فكري أو عسكري بشكل خاص وفقدان الثقة بالأخلاق التي انحلت وتجردت عما هو إنساني، لنرى من كل ذلك أنها اتجهت إلى البشريّ الذي يدعو لغزو بعضه، والاعتداء الدائم والقرصنة بكل أشكالها والحروب الخفية والظاهرة، الباردة والحارة والأشد سخونة.
ضمن هذا المشهد على من تعقد الآمال؟ وضمن من تتطور الآمال؟ فالأمل والمال يحتاجان إلى الأمان، وإلا فالخوف ثم الخوف هو المتجلي على كامل اللغة البصرية والسمعية، ومهما كان الخوف صغيراً فإنه يشكل بداية الحذر والحرص وعدم الصدق أمام الآخر، لأنه على تضاد مع الحبّ، الذي ينمو ويترعرع، منشئاً ظلالاً وارفة تحمي الجميع من الخوف.
د. نبيل طعمة