الإعلام العربي يصنع "من الحبة قبة ".. بقلم: إيفلين المصطفى

الإعلام العربي يصنع "من الحبة قبة ".. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٣ مارس ٢٠١٤

 في ظل الانتشار اللامنتهي لوسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والشبكية نجد أن وسائل الإعلام العربي بدأت تخرج عن وظيفتها الأساسية ألا وهي نقل الحقائق والتثبت من مصدر المعلومة حيث تحوّل الإعلام لمخترع للقصص وبات من الصعب حصر القصص والروايات بالكتّاب والمؤلفين حتى أن المتابع للإعلام العربي يجد ببساطة أن الإعلام بدأ ينسج القصص حول أخبار وأحداث تقع ويبالغ في تحليلها..
مؤخراً، شهدت الطائرة الماليزية التي تعرضت لحادثة اختفاء تركيزاً من قبل وسائل الإعلام عليها؛ وإن كنا لا ننكر أهمية الحدث وضرورة مواكبته من قبل وسائل الإعلام إلا أننا نستغرب من القائمين على هذه الوسائل إقحام أنفسهم في عرض قصص واختراع روايات إخبارية الهدف منها إثارة الحادثة وعرضها بأكثر من طريقة وتجنيد كافة التفاصيل لوضع الاتهامات والشبهات حول مصير الطائرة.
ولعل أكثر ما أثار دهشتي خبرٌ جاء على إحدى وسائل الإعلام العربية؛ حيث تستعرض من خلاله احتمالاً من احتمالات مصير الطائرة الماليزية إذ نشرت الوسيلة في خبرها صوراً نادرة لطيار "الماليزية" يلوّح في إحداها بساطور، الغريب أن وسيلة الإعلام هذه ارتكزت في خبرها على موقع الفيس بوك موجهة أصابع اتهام حول الطيار زهاري أحمد شاه الأسباب التي ذكرتها وسيلة الإعلام حول وضع الطيار في هذه التهمة دون التحقق جاءت مستندة إلى صورة تم التقاطها للطيار وهو في المطبخ يقوم بإعداد الطعام ويحمل بيده سكيناً.. والسؤال هنا هل تكفي هذه الصورة لنسج خبر ورواية عن مصير الطائرة خاصة أن أي شخص لو كان مكان الطيار وكان يعدّ وجبة طعام وقام أحدٌ بالتقاط صورة له فمن الطبيعي أن تكون ردة فعله بهذا الشكل وليس من الضروري أن تكون لمثل هذه الصورة نوايا إجرامية.
للأسف لم تكتف وسيلة الإعلام بهذه الصورة بل قامت بتحليل كافة ما ورد على صفحته الخاصة وصوره؛ مثيرة الشكوك في كل صورة، من تحليلات الوسيلة أن الطيار يعدّ طبخة ما في مطبخ يبدو متواضعاً، وتعليق آخر وجود صورة لم يكتب الطيار متى وأين تم التقاطها لدرجة أن ما أثار حفيظة وسيلة الإعلام هذه هو كثرة صور لأطباق غذائية قام الطيار بإعدادها؛ لأن زهاري كان هاوياً للطبخ بامتياز، وأشهرها التي يلوّح فيها بساطور لمن يلتقط له الصورة الشهيرة إلى درجة تحمدت الله أن الطيار لم يقم بتحميل صور كثيرة له على صفحته وهو الأمر الذي خفّف من جهد محرر الخبر ملاحقة الطيار بدل أن يقوم بمتابعة الحادثة بشكل أكثر منطقية وموضوعية حيث من غير المقبول بالعمل الإعلامي أن يتم إسقاط الصورة على المفاهيم.
هذه الحادثة وطريقة استعراضها عبر وسائل الإعلام العربي ذكّرتني بحادثة تقول: "إن صحفياً حاول الحصول على مقابلة صحفية مع أديسون صاحب الألف اختراع؛ لكن أديسون رفض إجراء تلك المقابلة  فما كان من الصحفي إلا أن نشرَ في اليوم التالي حديثاً مطولاً مع أديسون تحت عنوان "أعظم مخترع في العالم" ، فاتصل أديسون بالصحفي، وقال له: بل أنت أكبر مخترع في العالم، وليس أنا"!
فعلاً، إذا أردنا أن نوجه جائزة اختراع فإن بعض ممتهني الإعلام يستحقون جائزة على اختراعاتهم الصحفية وكيفية نقلهم للخبر والتحقق من صحته، والسؤال: هل وظيفة الإعلامي  محاولة اكتشاف الحقيقة أم اختراعها؟
 لعل من أخطر الأساليب الإعلامية هو قيام وسائل الإعلام باصطياد أي معلومة ونسج قصص خبرية عليها تلغي فيها الجانب الإنساني المتعلق مثلاً بأهالي الضحايا المخطوفين أو توجه أصابع اتهام من مجرد صورة، كما أن الاستمرار بهذه الآلية يقود إلى إنتاج إعلام مهزوز فاقد للثقة. 
لذلك نسمع من منتقدي وسائل الإعلام عبارات تقول إن الإعلاميين يروون للقراء أشياءً ليست حقيقية على أمل أن تتحول إلى حقيقة إذا أدمنوا الحديث عنها كما أن حملة صحفية متقنة تستمر لمدة شهرين كفيلة بأن تقود الملحدين إلى الإيمان بالله.
وبالتالي نجد أن صناعة الإعلام من أخطر وأهم الصناعات سواء على المتعلم أم الجاهل دون أن نغفل أمراً هاماً بأن حادثة الطائرة الماليزية هي واحدة من بين آلاف الحوادث التي يروج لها الإعلام ويصنعها بطريقة تخرجه من وظيفته المنوطة به ألا وهي نقل الحقائق وإيصال المعلومة بدقة بطريقة لا تستغبي من خلالها المتلقي؛ بل تقوم باحترام عقله والارتقاء به لا الهبوط بفكره إلى القاع؛ حيث لا يجد المتلقي في مثل هذه الوسائل الإعلامية سوى الشكل على حساب المضمون.