الاقتصاد وتحدياته
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٩ مايو ٢٠٢٣
ضرورة أن نستند إلى ما تعلمناه في مجال بناء الدول وتحصينها ضد الضوضاء وتمييز الانفعالات العفوية من الخبيثة والمؤذية أمام ما نشهده من قلق وشك وغموض واضطراب، هذا الذي يسود عالم اليوم من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، وبشكل خاص في أوروبا والشرق الأوسط الذي نحن منه، حيث لا استقرار اقتصادياً، وعدم توافر هذا الشرط يعني أن النار تحت الرماد جاهزة للتأجج في أي لحظة لأن تكون الحل لكل المشاكل، ومعها يقف الجميع على أقدامهم من جديد، يذهبون لخلق دورة اقتصادية جديدة، ومهم أيضاً أن نشير إلى أن السياسة تنجح في بلداننا، لكن الإرباكات الاقتصادية تتراكم، والتوتر الاجتماعي يزداد، التجارة ضعفت إلى حدٍّ كبير نتاج توهان رأس المال بحكم الظروف والقوانين وتخبطاتها من جهة، وتلاعبات التجارة في السلع وخدماتها وأسعارها من جهة أخرى، وتطور الارتياب عند المواطن من سياسات الحكومة الاقتصادية ومن التجار في آن، وأيضاً خلق ارتياباً في علاقات الدولة مع أصدقائها في العلاقات الاقتصادية مع الاعتراف بالبنان لوقوفها في خندق واحد للدفاع عن وحدة الأرض ودعمها بقوة للانتصار على كامل أدوات الإرهاب، وإيمانها راسخ بهذا الدعم العسكري والسياسي.
إذاً المشكلة برمّتها تنحصر في عناصر خطة العمل الاقتصادية التي تواجه تحديات مهمة، وظهور تباينات غدت واضحة في كفاءات التنفيذ، هذه التي تتسبب في عدم استقرار الأسواق المالية والتجارية والصناعية والزراعية، وهنا أعزو ذلك إلى عدم قدرة الاقتصاديين والمديرين على الخروج من الواقع التقليدي للحلول هذا أولاً، وثانياً ورغم كل الظروف الصعبة والمركبة التي يعانيها الوطن، وأقصد الحصار الجائر وتوفير الدعم للجيش والقوات المسلحة، أجد أنه لم يتم الوصول للتعامل مع المستجدات من القوانين الإيجابية بشكل سليم مع المستجدات المحيطة القريبة والبعيدة بشكل علمي، ليبقى كل شيء خاضعاً لمنظومة تقليدية قديمة، تتعامل مع الواقع بشكل لحظي، من دون رؤية استراتيجية تحمل التفكير في استدامة تطوير الأفكار، هذه كلها سببت شروخاً في العلاقة بين المواطن والتاجر، بشقيه المنتج والبائع دولة أو قطاع خاص والإدارات الاقتصادية.
إذاً التقليد والانتقائية وفردية القرار تهدّد جميعها الاستقرار، هذه التي إن استمرت لا يمكن لها أن تتوقع الطوارئ أو الأمور المباغتة، لأنها تسترخي للواقع الذي يلهمها بطوارئه، فتراها تلهث بين هذا وذاك، وهنا وهناك، ويكون العلاج سطحياً لا استئصالياً، وكلما استمرّ الحال على هذه الشاكلة ازدادت الأزمات وتراكمت احتمالات إيجاد الحلول، وأيضاً كلما انخفض معدل النمو الاقتصادي تعرض المواطن والدولة لتقلبات حادة في أسعار المنتجات المتداولة وأنواع الطاقة والاتصالات، وبشكل خاص إذا كانت الدول تعتمد على استيرادها مع التضحية بالاستثمارات الوافدة، كل هذا يؤدي إلى تضخم متسارع والتزامات مرهقة على كل محاور الدولة الاقتصادية العامة والخاصة، ناهيكم عن فقدان قيمة الإصلاحات والإجراءات التي تفقد ديمومتها، بسبب اضطراب الواقع الاقتصادي الذي لا يهدأ، إلا إذا توافر تنسيق حقيقي بين مؤسسات الدولة في مجال إدارة الاقتصاد ومخاطره بالتعاون الإيجابي مع القطاع الخاص والمواطنين، هذا التنسيق الوطني يجب أن يتجلى في إدارة الموارد بكفاءة وموضوعية مع ملاحظة النظرات المستقبلية التي لا ينبغي أن تكون بيروقراطية، والتي كلما تمكنت في مفاصل الدولة، ضاعفت المخاطر، وجردت الثقة بين الأطراف من حضورها، وهذا زاد من خلق الأقنعة التي زيّفت الوقائع، ودفعت به للانحدار.
تحديات فعلية حولها المستفيدون إلى افتعال من دون التفكير في كيفية السبل للتصدي لها أمام تطور مستحدثات الثورة التكنولوجية، التي فعّلت الاقتصاد الرقمي، والذي أدى إلى تخفيض تكلفة المعاملات التجارية والصناعية والزراعية، ما أدى إلى دخول أعداد مهمة جديدة في سوق الإنتاج والعمل والعملاء، حتى في المناطق الجافة أو النائية جذبت إليها الاستثمار، ومعها انسحبت العمالة إليها طبعاً بعد توفير البنى التحتية وخدماتها.
القضايا الاقتصادية بتنوّعاتها تشكل الإرباك، فإذا لم تُحل يبقى الناس على الأمل بتحسّن الأوضاع، لأن غياب التنسيق واضح بين إدارات الدولة رغم الصورة التي تبث الإيجابيات وضرورة إجراء الإصلاحات وتحديدها ضمن فترات زمنية بلغ في هذا الوقت حدود الضرورة القصوى، لأن الكل غدا في مأزق، والخروج منه يحتاج إلى إعادة بناء حقيقية في الفكر الأخلاقي مع ترميم البناء المادي، وهذا يكون بالارتقاء بالرقابة التخصصية مالية وإدارية، ورفع أداء العاملين والمتعاملين بالنوعية، وفتح باب التطور الواقعي، والهدف الرئيس تطوير الاقتصاد وحمايته، ما يؤدي إلى حماية الدولة بكامل مكوناتها.
د. نبيل طعمة