الانعطاف السياسي
افتتاحية الأزمنة
الأربعاء، ٣١ أغسطس ٢٠٢٢
يحدث عندما تختلط الأوراق والاتجاهات نتاج تعقيدات المشهد وامتلاء ظروفه بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ما يفرض على اللاعبين التدقيق في أيّها أفضل، ومن ثمّ السير عليه، وضرورة حدوث ذلك تتعلق بأسباب خارجية وداخلية، وغاية مهمة تهدف للوصول إلى أسمى الآمال والحفاظ على الأرض وإنسانها، لذلك نجد أن اختلال الموازين وتشويه العناوين يرينا أن يستمر الحال على ما هو عليه في الآتي من الزمان، لذلك يتجه الفاعلون والمنفعلون والمتأثرون إلى التفكير الواقعي، والغاية دائماً تحليل المجريات وما ستؤول إليه، ومعه يتم اتخاذ القرار بالانعطاف نحو الحل، أي نحو الأفضل من الخيارات، لأن إرادة الحفاظ على الوطن ومكوناته واستعادة ما فقد منه يتطلب أولاً بناء الجسور المهدمة بين أبنائه والحوار الدبلوماسي مع محيطه برعاية من الأصدقاء والحلفاء، من دون إهمال الاستعداد لعكس ذلك، أو بالتقدم المباشر لإيضاح وجهات النظر والوصول إلى حلول تفيد الجميع، والهدف الدائم الحفاظ على مكونات الوطن، ما يشكل رافعة لأبنائه المؤمنين بثقافة الحياة والعيش في خير ومحبة وسلام لهم وللآخرين، فالانعطاف قد يكون ضرورة في مرحلة ما بحكم الحاجة للتوافق على المصالح بغض النظر عن صفاء القلوب أو حدوث التجانس الفكري، ولنستذكر القائد الخالد حافظ الأسد وتلك الانعطافة التاريخية التي حدثت باتجاه التحالف العربي الأمريكي رغم اختلاف وجهات النظر بهدف تحرير الكويت من الاجتياح العراقي.
وتأييد ذلك يشكل دليلاً على أهمية وجودنا واستمراره، وبشكل خاص تعاوننا كأبناء وطن واحد يدعو الجميع لبناء ما تهدم منه وخُرِّب بفعل الإرهاب والعدوان والسيناريوهات المفصلة لوطننا التي أرادت انهياره، وهذا ما لم يحصل، بل اشتدّ عوده أكثر وتقوّى بحضور المخلصين له، وأحسنهم كان ومازال الرئيس بشار الأسد، الذي قاد الانعطافات المهمة في السياسة الخارجية السورية نحو موسكو والصين وإيران والإمارات العربية، وكثير من الدول العربية وغيرها التي هبت للوقوف معه، من خلال رؤيته النافذة التي أثبتت نجاعتها للوصول بسورية إلى شواطئ الأمان، ومع هذا النجاح وهذه النجاعة مازال هناك معطّلون يريدون إفشال ذلك.
ولا بد من التأكيد أنّ أيّ انعطافة تحدث الآن هي من الأهمية بمكان، لأنها تحمل في طياتها إنجازاً لحلّ في الشمال أو الجنوب، في الشرق أو في الغرب، فالغاية دائماً هي الأسمى، لأنها تصل أو تيسّر الوصول إلى الأهداف التي بها يكون الاستقرار والانتعاش الاقتصادي والاجتماعي، وهذا ليس بالأمر السهل، لأن تجاوز مراحل الإرهاب والعدوان ومنفذيه وداعميه مازال يحتاج لتعبيد الطرق، ما يمكن الوصول إلى السلام المشرف وإحلال الأمن حين استدعاء حضورها، وهي تحتاج إلى زمن للوصول إلى نقائها وصفائها.
المصالحة والمصافحة تعني الحدث الذي يبرز من التحول إلى السلام الذي تنشده الشعوب بعد إنجاز التحول القادم من القوة التحالفية الإيجابية، التي تعمل على إحقاق الحق وتبدل موازين القوى نتاج مخرجات الحرب على الإرهاب والعدوان مع مفهوم الديموغرافيا، بعد أن دفعت الناس في هذه المنطقة الكثير من الغالي والنفيس ثمناً لبقائها ووطنها، ووصلت في فكرها إلى أن السلام أهم بكثير من الحرب، وأن تصنع رغيف الخبز أهمّ من صناعة القذيفة، وأن البناء أهم من الهدم، وطبيعة الإنسان البناء، هذا الذي وصل إلى الإيمان بالحياة وبكلمتها وفكرتها التي تكوّن القوة الحقيقية لحركة الإنسان في الزمن المستمر، إلى أين؟ لا أحد يعلم.
لا شك أنّ أيّ تحول يحمل في طياته مرارةً، لكنه يبقى السبيل الأفضل لحياة اجتماعية واقتصادية، وللأمان بشكل عام، وما يجري مع سورية وفي المنطقة بشكل خاص يحمل ضبابية لا ترجح فيها كفة التشاؤم، ولا كفة التفاؤل، لأن المنطقة مازالت تتحرك فيها أقدام الإرهاب وأفكار العدوان والعقوبات والفساد بكل أشكاله، لذلك ومع قبول الناس الانعطاف نحو المسالمة فيه الكثير من الإيمان بحقائق الوصول إلى الانتصار، إلا أن العقبات مازالت كبيرة وشائكة، ويعمل الجميع على تفكيكها بهدوء، والناس أحياناً في عجلة من أمرها، ومصالح الدول العظمى متنافرة وبعيدة عن واقعنا رغم اهتمام بعضها بما يجري، وبعيداً عن هذا وذاك أجد أنّ أيّ انعطاف أو مبادرة تحمل حلولاً لملفات وأزمات.
ثنائية الدول مهمة، وإيجاد المخارج يهيّئ لوقوف الجميع إلى جانبهما عندما يعلمون أنها ستأخذ بهم إلى الأمان والسلام، فلم يعد للعقائد الدينية أو الإيديولوجيات أي حضور أو اهتمام أمام الهدف الأول والأخير، ألا وهو الحياة بأمان وسلام.
الانعطاف السياسي يعني أنه يوجد الأفضل من السيّئ، والحاصل يستدعي الالتفات عليه، وقد يمثل فرصة يجب اغتنامها، ولكن ليس على حساب الثوابت القانونية لحقوق الأمم والشعوب التي تراعي السيادة والكرامة والحفاظ على الوجود الآمن للأطراف المتنافرة، فإذا تولدت الثقة التي تحتاجها المصالح، أجزم أن كل الأطراف ستؤيدها، وأكثر من ذلك ستدعمها حتى النهاية.
د. نبيل طعمة