البعث حزب التوازن
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٢٧ فبراير ٢٠٢٤
وجوده أكثر من ضرورة، ضمن الوعي الباحث عن الاستقرار، نتاج التحديات الظاهرة والخفية المنشئة للاضطرابات، ليس في واقعنا القطري؛ بل الإقليمي أيضاً، أما الأسباب التي دعتنيوجوده أكثر من ضرورة، ضمن الوعي الباحث عن الاستقرار، نتاج التحديات الظاهرة والخفية المنشئة للاضطرابات، ليس في واقعنا القطري؛ بل الإقليمي أيضاً، أما الأسباب التي دعتني لاختيار هذا العنوان في هذا الوقت بالذات فهي: كون البعث يمسك، وبحزم، المجرى السوري من المنتصف، وهو يُبحر في خضم الأحداث ويدعو الجميع للتمسك بضفافه من خلال انفتاحه على حتمية نجاة الجميع، والتشبث بوجوده يعني التقدم إلى الحياة ومقاومة العزلة والانغلاق والتطرف والتشدد الديني، والاحتماء تحت مظلة اليمين أو اليسار، هذا البعث، المادي المضاف إلى الروحي، آمن بأن الاستثمار في الإنسان أُولى أولوياته، لذلك نجده الآن يتجه إلى تطوير بنيته الفكرية وتجديد دمائه وتمتين استعداداته للانطلاق، من جديد، بعد عقدين من الزمن، وقد نالت منه الأزمات المتلاحقة ومفرزاتها، حتى كاد البعض يفقد الكثير من الإيمان بمنطلقاته.
البعث حزب الإنسان والشجر والحجر حزب تطوير المادة حزب الكم والكيف، والكم ينجب الكيف، مما يؤهله ليكون قائداً من خلال سياسته التراكمية القائمة منذ أن بدأ كفكرة وحركة عام 1939 ثم تحول إلى حزب عام 1947، واندماجه بعدها بالحزب العربي الاشتراكي عام 1952، وتحوله إلى حزب قائد شق طريقه بهدوء وقوة بين صعوبات حكم الإخوان والولاءات اللا وطنية، ولأنه امتلك من خلال عمليته الوسطية الجاذبة زمام المبادرة، حلّ وجوده إبان الوحدة عام 1958 لإيمانه بتحقيق مبدأ الوحدة، متابعاً في الوقت نفسه مهامه بسرية، ثم عاد بعد الانفصال وقام بثورته في الثامن من آذار عام 1963، التي قادته إلى حركة تصحيح أولى بتاريخ 23شباط 1966، بعدها اتجه إلى التصحيح الأكبر عام 1970، بقيادة أمينه العام القائد الخالد حافظ الأسد الذي نهض بسورية نهوض العنقاء من تحت الرماد، وطهّرها به، منجزاً عملية إعادة بناءٍ كلية، وضع لها أسساً قادتها إلى مصاف الشعوب والأمم من جديد، رغم المحاولات التي تمت لضرب حزبها، وكان شعاره (سورية الحديثة) التي خاضت بحضور البعث القائد أبشع حروب الإرهاب مع الأخوان المسلمين، و في العام 2000 تولى الرئيس الدكتور بشار الأسد قيادة البلاد وتقلد أمانة البعث وطرح بقوة مبدأي التطوير والتحديث، ونجح بشكل باهر في إرساء قواعدهما، وهذا ما لم يرق للآخرين من خارج سورية ومن داخلها (من المتأسلمين والمؤدلجين واللا منتمين) الذين عملوا معاً على فكرة تدمير التأسيس وتفكيك أفكار التطوير والتحديث لصالح الانتماء إلى الآخر، الأمر الذي لم يُكتب النجاح لهم به بفضل وجود أمين عام وقائد فذ عميق الفكر وواسع المعرفة، أدرك حجم الضغوط مبكراً وتعامل معها بحنكة نادرة، وتقبّل إلغاء المادة الثامنة من الدستور عند تعديله عام 2012، ليحصل البعث على استحقاق مضاف أوجده في مرتبة القيادة والإشراف على بناء وإدارة هذا الوطن، مع العلم أن معظم المرافقين السابقين له في المركب من الأحزاب الأخرى، ومنذ التأسيس، لم يرتقوا لأن يصلوا إلى فكره، فلم نجد فكرة خلاقة جاذبة نافسته أو يمكن أن تنافسه، رغم إيمان البعث بأن وجود المنافسة مهمة وضرورة لأنها تخلق مزيداً من التطور وتحفز على تسريع التقدم والإبداع.
إذاً البعث لم ولن يكون حزب التوازن فقط، بل هو حزب التحديات المصيرية، كونه عميق البناء، متجذراً ومتطوراً، ينقد ذاته ويطالب بالنقد البناء ولا يترك الساحات للفوضى، يدعو حضوره أولاً لتطوير وجوده من خلال المعطيات المعيشية التي ترتكز إلى أسس واقعية وعلمية واجتماعية وثقافية، منطقية وقابلة للحياة، فقد طرح الأمين العام مبدأ الشفافية بغاية بعث التفاؤل والأمل، وطرح الأمل بالعمل من أجل الوصول إلى المستوى المنشود في التنمية وخدمة الوطن والمواطن، وهذا في حد ذاته مدعاة للتفريق بين النظرية والتطبيق؛ أي الدعوة إلى الممارسة الخلاقة والأخلاقية، وأن يكون البعثي قدوة في الترفع والتوازن بين متطلبات الإدارة وما يحمله من عقيدة الانتماء لما يؤمن به، مجسداً مبدأ الإيثار الأخلاقي والعملي على المطلب الشخصي.
البعث يبحث عن منافس يغني أفكاره، ولا ضير في المنافسة، وأكثر من ذلك يبحث في داخله عن عناوين تغني المرحلة القادمة، بعد أن اعتمد التخصص في قطريته؛ أي تحول من الشمولية القومية إلى المركزية القطرية، مع حفاظه على رؤاه وأهدافه، وكان من أهم عناوينه للمرحلة القادمة: تعزيز السيادة الوطنية من خلال مكافحة الإرهاب ودحر العدوان عن كل ذرة من تراب الوطن، وإعادة بناء الشخصية العربية السورية أمام الهجمات القادمة من أفكار العولمة والليبرالية الحديثة والتطرف الديني والإثني والجغرافي، والنهوض باقتصاد الوطن والمواطن، وإحلال السلام وإعادة بناء الروابط الاجتماعية التي انفرط عقدها إلى حدّ كبير؛ الأمر الذي يعزز وجوده ويزيد من حضوره، لذلك ذهب إلى عملية انتخابات جريئة وخلاقة، رغم وجود الكثير من الأحزاب حوله، والأمر الأهم للجميع هو عنوان المرحلة القادمة المتمثل ب: "ينبغي علينا النجاح" إذ يجب على الأحزاب الأخرى أن تقرأ المشهد وأن تجتهد كي تكون مساعداً حقيقياً لبناء الوطن وتمثل هذا العنوان، تفكروا كيف استشعر البعث خطورة المرحلة فاتجه مباشرة للقيام بانتخابات مفتوحة أعطت القواعد بما فيها من (كم) "فليس كل الكم غير مفيد وكذلك ليس كل النخب مفيدة" لاختيار الأميز والأكفأ دون التعرض لأي ضغوط من أي كان، لمصلحة الجميع، الوطن والإنسان، البعث الذي كلما أحسّ بالتراخي أو التراجع انتفض ونفض الغبار والتراكم السلبي والترهل المؤخّر، وجدد عمره الزمني المديد بالعمر الحيوي النشط والفاعل والمتحرك قدماً، المسكون في جوهر أدبياته التي تمكّنه من أن يكون قائداً حقيقياً بفضل ما يمتلكه أمينه العام الرئيس الدكتور بشار الأسد من التنبه الدائم لمتطلبات البعث والوطن و البحث الدائم عن الأفضل لهما.
د. نبيل طعمة