التجمع العربي ضرورة
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٢ مايو ٢٠٢٣
العالم العربي ممتلئ بالأزمات، وقلقه منها يتضاعف من جراء مطبخه السياسي المضطرب في التخطيط الاستراتيجي، وبعد النظر في عملية انتقاله إلى الأمام، وليس ما أدعو إليه ضرباً في الأوهام، ولا هو بالهراء، فالأسباب واضحة، والأحداث الجسام التي سببت خللاً هائلاً في العلاقات العربية واضحة، وأهمها نتائج ما أطلق عليه الربيع العربي الذي لم ينبته بعد، فهو بدأ بتقسيم السودان، ودمر العديد من الدول العربية، إلى أن أوقفته سورية بعد ما فعل فيها ما فعل.
ها هو اليوم يعود من جديد، ومن السودان بشكل أكثر دموية وتخريباً، وتلك التداعيات التي ولّدت جروحاً وندوباً وأحقاداً وأسئلة حول الوعي القيادي العربي الذي انقسمت وتشرذمت قواه بين قوى الشمال والشرق، فلم يجد إلا تهديد بعضه، ما أدى إلى تهديد أمن دوله القوية كسورية ومصر والعراق والجزائر وغيرها من الدول، وبالتالي تم تهديد أمنه القومي العربي، من خلال انتشار التطرف والتعصب الديني والقبلي والإثني، هذا الذي يحتاج إلى أدوات الإرهاب، وقامت بنشره وتغذيته القوى العظمى التي تنتعش بخلق الفوضى الهدامة والتي تهدف إلى خلق الفراغات، ومن ثم القيام بإملائها بقوى تديرها كيفما تشأ، وهذه القوى تسير بشكل علمي وممنهج ضمن مخططات خفية وظاهرة، والغاية دائماً إنهاء أي تطور يحصل في أي دولة، وتدمير بناها المادية، واستباحة أفكارها وإعادتها إلى الماضي البائس بكل أشكاله.
العالم يتجمع ويخلق تكتلات ودولاً تتطور وتبني قواها، والعرب لم يصلوا حتى إلى فكرة الاجتماع الخلاق، رغم ما لديهم من قدرات منفردة ومجمعه قادرة على أن تضعهم في مصاف الأمم.
انظروا إلى تجمع "البريكس" ومجموعة "شنغهاي" واستفاقة الدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وأغلبية هذه الدول أنجزت استقراراً، استطاعت من خلاله بناء نظمها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إلا الدول العربية التي لديها حالات مزمنة من عدم الاستقرار الذاتي والإقليمي وخضوعها لمنظومات التدخل الخفي؛ دبلوماسي، استخباراتي، وعلني عسكري، وهذه أعتبرها من أهم القضايا المؤخرة التي تعيشها الدول العربية، ما يمنع التقاءها كلما أرادت أن تتجه إليه.
إلى متى ستنتظر القيادات العربية، وعلى ماذا تعول؟ أليس من الضرورة بمكان التمييز بين القضايا الجوهرية التي تخص حاضر الأمة ومستقبلها؟ ألا تنتبه للحاصل في محيطها؟ ولنأخذ التركي والإيراني اللذين أخذا يبنيان القواعد العسكرية الحدودية في مفاصل دول الأمة العربية، فإن كان هذا طبيعياً فلا يجب إذاً أن نستغرب وجود القواعد الأمريكية على أراضي الدول العربية، كيف تتعامل القيادات السياسية العربية مع ظروفها الخارجية؟ أم إنها منشغلة ومن دون توقف في ظروفها الداخلية أو صراعاتها مع بعضها، أو تفكيرها في كيفية غزو بعضها فكرياً وعقائدياً وروحياً وحتى عسكرياً، كي يبقى التخلف قائماً.
سقطت مشاريع الوحدة العربية، وانهارت لغة التضامن العربي، وفقد الإجماع العربي حضوره، وبدأت تظهر تحالفات مختلفة، هذا مع الأمريكي، وذاك مع الروسي، وآخر مع التركي، ومنهم مع الإيراني ومع الصيني، والأهم الذي يفرض حضوره أين التحالف العربي ولماذا لا يتم التفكير فيه، وما مربكات حضوره؟ أليس من الأجدى أن نصل إليه؟ فما شهدناه في العقد الأول والثاني أكثر من مؤلم، تحالف عربي غربي ضد العراق، وضد سورية، وضد اليمن، وضد ليبيا، هل هذا هو المنطق العربي، وهو الذي يملك من الثروات والمال والقدرات الفكرية ما يؤهله مرة ثانية لأن يكون في المراتب العليا بين الأمم؟ ألا يعني هذا قصوراً في التفكير العربي، يستغله العالم الأول بإرادة ابتزازه وإبقائه في حالة دوران في الفراغ؟
نعم يهدر العالم أموالهم وأوقاتهم من دون أي فائدة ومن دون إدراك للتحديات الهائلة التي تطول وجودهم، وفي الوقت ذاته أصبحت هذه التحديات معلومة لدى الجمهور العربي الذي يرى تبايناً واضحاً في كفاءات القيادات العربية وتنفيذها لأجندات لا وطنية بحق جماهيرها، هل يصلون إلى منطق التجمع العربي أمام كل التجمعات؟ هل يصلون إلى إجماع كي يكونوا أمة؟ هذا أمل قابل للتحقيق إذا أرادت القيادات العربية وترفعت عن صغائر الأمور.
وبدلاً من الذهاب إلى تجمع بريكس أو شنغهاي، أو حتى إلى تحالف مع الغرب أو الشرق منفردين، اذهبوا بصوت واحد مجتمعين كي يكون للأمة حضورها.
د. نبيل طعمة