الثقافة العربية.. بقلم: محمد خالد الخضر

الثقافة العربية.. بقلم: محمد خالد الخضر

ثقافة

الاثنين، ٢٧ أكتوبر ٢٠١٤

إنّ ما تشهده الساحة العربية من انحطاط ثقافي وتدهور بنيوي في كافة الأجناس الأدبية التي تبدو على الساحة في مهب الاستهزاء تتدافع بفعل أصحابها الذين لا يعرفون إلى أي منقلب ينقلبون بعد ذلك السطو الغربي الذي رزحوا تحته دون أن ينبسوا ببنت شفة منذ سنوات طويلة كان أصحاب الثقافة ينظرون نظرة واجمة إلى أولئك الذين ملؤوا حياتهم عشقاً وفرحاً ووجعاً، دون أن يتساءلوا يوماً عن بنية قضية مطروحة أو مدى رؤية ممسوخة يسلكون طريقها ولا يدركون ما تكنه لهم، وإنني إذا سألت القارئ العربي ما رأيك برواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي سيجيبني بكل نهار إنها قمة، وأنا أعرف أن القارئ سلبته الرواية بسلوكها المبدع وتعاطيها المتخلف مع الحب والجنس الذي مازال ينظر إليه أغلب المثقفين العرب بعين القداسة.
ولا يمكن لهذا القارئ أن يدرك خطورة الطبيب (اليوغسلافي) اليهودي / كابوا تسكي/ الذي دفع خالد بطل الرواية للرسم.
وأقول قولا وجاهياً: لا يمكن للقارئ ضمن هذه الغايات المتشعبة في الرواية أن يكون قد أدرك تداعيات المطربة سيمون التي ماتت ضحية ظنون زوجها اليهودي وحرصه على شرفه.. في الوقت الذي كان العربي خسيساً في الرواية يحاول الاعتداء على حرمة غيره.
وسؤال آخر.. ما الذي دفع محمود درويش ليصرح لجريدة هآريتس اليهودية بتاريخ 561998 عندما سئل هل أنت على استعداد للجهر بالقول إنك تؤيد وجود إسرائيل دولة واحدة لشعبين؟
فأجاب: ليس لدي شك بذلك بل هذا هو الحل الصحيح، والفلسطينيون والإسرائيليون لا يستطيعون بناء المستقبل إلا معاً وهو السبيل إلى التحرر من السلبية.
ولماذا ورد في مذكرات فدوى طوقان أنها زارت موشي ديان الطاغي اليهودي في منزله.. وقالت في سياق حديثها:
هناك عرّفني على اثنين من مستشاريه كانا جالسين في الغرفة ديفيد فرحي وديفيد زخريا ولم نكد نتخذ مقاعدنا حتى دخلت علينا زوجته وابنته يائيل الروائية لتسلما علينا ببشاشة وترحيب.
هذا بعض من جزء أثر بالتحولات الانعطافية وبثقافة كتاب لا يقرؤون ولا ينتمون إلا لوسائل جعلت من ساحتهم فرسان هواء.. فأصبحت الساحة فارغة تبحث عن فارس بعد أن أصبحت السيوف بالخشب يتقاتل بها أهلها.
هؤلاء الذين ضحكوا وسخروا من أهلهم وشعبهم لسنوات طويلة أدخلوا في عقول قرائهم ومريديهم أن الثقافة هي تلك التي لا تنتمي إلى تاريخ ولا إلى أصل متبعين ما يرسمه لهم الغرب أو الجلاد أو المستعمر وعندما كانت الفرصة مواتية وتعلقت الأذهان في الفيس بوك والواتس آب وما يسمى بالدراما وهذه الأشياء التي لا تحمل هدفاً يحقق تطور نملة.. بدؤوا يفرخون الجوائز والمنتديات والانقسامات والجمعيات دون أن يحترموا مؤسساتهم أو حتى تراث أهلهم، ما شجع الغريب كي يصنع لنا ربيعاً خرفاً مليئاً بالقتل والانهيار.. وفي هذا الحين بدأت الأفاعي بالبيض وكثير من دور النشر راحت تشهر عوراتها ملوحة للغريب وتفرز للمنابر والمؤسسات ما يسمى بالأدباء والمثقفين والشعراء.. فانصرفت القاعدة الشعبية وبات المنبر كذاك الذي يلقى عليه القبض بفعل مناف للحشمة خجلاً لا يعترف به أحد.
وقليلة تلك التي تستثنى من هذا الدس الموسادي ومن تلك الولائم التي تهدف لهدم التراث ولقتل الأهل والأصل وخلق ما هو جديد وينفع ليجعل من العربي والسوري ببغاءً لا يتقن شيئاً إلا أن يكون أبله أمام ما يدور وهذا ما دفع أدونيس ليدعوا المثقفين كي يهدموا التراث من داخله وأن يقتل الابن أباه حتى يتطور في كتابه الثابت والمتحول كما فعل محمود درويش الأب الروحي للمثقفين العرب في دعوته لوجود العرب وإسرائيل تحت راية واحدة وكما زارت فدوى طوقان موشي ديان وذهب بعض الكتاب السوريين إلى حضن أردوغان بعد أن ترنحت مؤخراتهم على أعمدة الصحافة السورية منتشين بما كسبت أيمانهم.
بعد كل هذه الأشياء لم نصحُ من لعنة القدر ومازال المتسابقون يسيرون كأسلافهم يشتكون على من لا يصفق لهم دون أن يحملوا أدوات ويمرقون عبر أولئك الذين سيأتي يوم وينكرهم أولادهم فهل سيستيقظون ونحن في قمة المواجهة ويعلنون أنهم أصحاب القيمة الحقيقية ويقدمون الدلالات على أننا أهل الأدب والحضارة والثقافة والتاريخ فلماذا تأخذهم القشور ما دام المؤرخ الإنكليزي توماس وارتن يقول: إن للأدب فضيلة تخصه وهي تسجيل المخلص لسمات العصر والحفاظ على أبرز تمثيل للأخلاق وأفضل تعبير عنها.
فلماذا أيها الكتاب تسيرون بغير فضيلة ولا تجعلون من أقلامكم نوراً لأمة لن تغفر لكم ذات يوم.