الحروب طريق حياة أمريكا
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢
الويلات والرعب منتشرة وتعمّ أغلبية دول العالم، السلام والاستقرار مهددان بشكل دائم، ويتعرضان للخطر الداهم في أي وقت منظور أو غير ذلك، وعندما نبحث ونغوص نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف خلف كل ذلك، وجميع حروبها تخوضها تحت أسماء إنعاش الحرية وإعادة بناء الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية، أي تعزيز حقوق الإنسان، هذه التي ترسم مسارات تدخلها عبر إحداث الفوضى التي تمكنها من التغلغل في الشؤون الداخلية للدول وتقويض أنظمة حكمها، وإيجاد بدائل تضمن لها الهيمنة الواضحة أو الخفية، هذا يرينا ما قام عليه النظام البنائي للسياسة الأمريكية القائمة على التدخل.
ابحثوا عن كتاب العالم السياسي الراحل "روبرت جيرفيس" الذي ذكر ذلك في كتاب بعنوان: "التدخل الأمريكي الجديد"، ويقول في مقدمته: إن التدخل الأمريكي في العالم ضرورة مثل "فطيرة التفاح" التي تحتاجها الناس، هذه الكلمات التي قيلت قبل 23 عاماً هي مستمرة حتى يومنا، وربما للقادم من الزمان، لأنها مسكونة في قلب السياسة الأمريكية.
يتحدث الأمريكيون دائماً عن أنهم لا يريدون الحرب، إلا أننا نجدهم يصنعونها، يقفون وراءها، ومن ثم يدخلون بها.
بدؤوا هذا منذ عام "1805" التي أذكر ما حدث فيه وأقتبسه من تاريخ التدخلات الأمريكي، حيث قام ضابط الجيش الأمريكي في ربيع ذاك العام، وكان قنصلاً ودبلوماسياً يدعى "وليام أيتون" بالتحالف مع حامد شقيق المخلوع "يوسف القرملي" باشا طرابلس التي تعرف اليوم "بليبيا"، بتهيئة جيش، ومن ثم مهاجمة درنة، حيث تم بعدها الاستيلاء على طرابلس بسهولة وبمساعدة ثلاث سفن أمريكية، ما اضطر الباشا إلى الاستسلام، واعتبرت هذه الحادثة أول محاولة أمريكية لإحداث انقلاب في حكومة أجنبية، أسست معها السعي الحثيث لاحقاً للهيمنة العالمية عبر التدخلات العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية بأشكالها الناعمة والمفرطة والدموية، معتمدة على الهجمات التي تخلق الفوضى، وتستمر في ذلك، إلى أن يتم الوصول إلى الأهداف.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام "2000" قامت الولايات المتحدة الأمريكية بشن وخلق أكثر من مئتي نزاع مسلح في 153 دولة، ما يمثل أكثر من 80% من إجمالي الحروب التي وقعت في جميع أنحاء العالم، ومنذ عام 2000 وحتى اللحظة التي أخطّ هذه الكلمات اجتاحت العراق "2003"، ودعمت حرب تموز 2006، وقسمت السودان 2009 وغزة أفغانستان، وحاولت خنق فنزويلا، أطلقت الربيع العربي الدموي في الدول العربية، وكان من نتاجه تغيير أنظمة الحكم في تونس وليبيا ومصر واليمن والسودان والعراق، وتدمير العديد من الدول تدميراً فاق التصور للبنى التحتية والاقتصادية، وفرط عقد مجتمعاتها بخلق التضاد فيما بين أبنائها وإنجاز الحصار الاقتصادي على العديد من الدول، هذا الربيع الدموي العدواني الذي بدأ منذ 2010 ومازال مستمراَ حتى على سورية وكثير من بلدان الشرق الأوسط، ومحاولات إشعال الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، وتدمير اليمن ولبنان وحصار إيران، وآخرها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وما ستفرزه من آلام وتخلفه من آثام، كل هذه الحروب خاضتها أمريكا تحت عناوين براقة؛ الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، وما هي إلا عبارة عن سياسة خفية، غايتها الأولى والأخيرة إخضاع شعوب الأرض إلى هيمنتها، ليست نسبية، وإنما بصورة تكاد تكون مطلقة.
لنأخذ بعضاً من حديث الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في عام 2019، والذي يقول فيه: إن بلاده هي الأكثر خوضاً للحروب في تاريخ العالم، وإن بلاده لم تتمتع إلا "16" عاماً بالسلام في تاريخها الذي يبلغ "242" عاماً، وأوضح "جيلبرتوفالديس جوتيرنس" من المعهد الكوبي للفلسفة، أن تاريخ الولايات المتحدة من النهب مرتبط بالعديد من التدخلات العسكرية وتنظيم الانقلابات للقضاء على تلك الحكومات التي لم تستجب بسهولة لمطالبها، ولخص المؤرخ الأمريكي "بول أل أتودد" هذه الطبيعة القتالية للولايات المتحدة قائلاً: "إن الحرب طريق الحياة لأمريكا".
الاعتداءات الأمريكية الصريحة ليست الأداة الوحيدة للسيطرة على العالم، بل تلجأ إلى الإغراءات الاقتصادية والعقوبات المالية والتسلل الثقافي والتحريض على الشغب والتلاعب بالانتخابات وغيرها من الحيل تحت ما يسمى "الدول المعادية لنهجها"، وبأشكال سرية وعلنية، يساعدها في ذلك قوتها العسكرية الهائلة وسيطرتها على الإعلام العالمي المرئي والمسموع والمقروء، وهيمنتها من خلال الدولار على الاقتصاد العالمي وبنوكه.
هل ندرك هذا المشهد؟ وهل يستطيع العالم بقواه التخلص من هذه الهيمنة أو الحد منها وتخليص العالم من شرورها؟ هذه الأفكار، هل تستطيع روسيا والصين كقوتين كبريين ومعهما الهند والبرازيل وإيران الوقوف في وجه هذه الهيمنة؟ أم علينا انتظار نتائج الحرب الروسية الأمريكية في أوكرانيا، وبعدها سنحكم.
د. نبيل طعمة