الحزبيّة الرشيدة
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٤ يوليو ٢٠٢٣
تتمتع بصفات فكرية ذات رؤى بصرية متنوعة ومتعددة الخصال الإيجابية والمواهب الخلاقة وعليها أن تكون من أهم مقومات أبناء وطنها تحمل فهماً لتاريخه وإدراكاً لقضاياه وقادرة على اجتراح الحلول عند وقوع الأزمات والخطوب، وفي ذات الوقت قادرة على إصلاح ذاتها ونفث روح النظام فيها، وحركتها الديمقراطية تعتز بالشرف في كيانها لا تغتر ولا تترف، وتسعى لبناء الأجيال وإعدادهم لأدوار التطور والبناء والبطولة وقواعد الإدارة وأصول التعامل معها، هذه الحزبية التي يجب أن تنقل من منهج الهتاف الغريزي والصراخ الصوري إلى تكوين فلسفة الإيمان النوعي الذي يدرك الواقع والتأمل فيه ومن ثم اجتراح الحلول عبْرَ إعلاء شأن القيم الثقافية القادمة من التنوع وضرورة انصهارها في بوتقة الوطن وتحديد المعايير القابلة للتطور كونها تخص الوطن والأمة لتكون مناط تقدمها وازدهارها.
إذاً لا بد لنا إن أردنا ديمومة قوية لحزبنا من تنظيم علمي لمعايير الانتماء والأداء والولاء وقبل كل هذا تطوير معايير الشرف الأخلاقي وسبل الارتقاء للمجد، فإذا رفعناه إلى مستوى أبصارنا وتعلقت فيه عقولنا وصلنا إلى إدراك الأشياء المخلة والمهمة وحددنا أهدافنا لأنفسنا وما نريده منها ومن وجودنا الحزبي الذي يفرض علينا سؤالاً هاماً: هل نحن أبناء غابة أم أبناء وطن؟ ومؤكد أن السواد الأعظم سيجيب بأننا أبناء وطن، وعندما نكون أبناء وطن فعلينا أن نعلم أن المواطنة هي المثل الأعلى وهي الهدف المجيد والمفدى وأنك مواطن في وطنك لا مستوطن ـ أياً كنت حزبياً أم مستقلاً ـ فالمواطنة تقتضي أن تكون فاعلاً منتجاً فاضلاً لتكون بذلك جديراً بوطنك.
إن بعث الأمة يتمثل قبل كل شيء في تجديد حياتها السياسية ونظمها الاقتصادية، وقبل كل هذا وذاك بناء أجيالها بناءً علمياً أخلاقياً وإعداده ليساير ركب التقدم ومواكبة الأيام، فصورة حياتنا الحالية لا تنبئ عما نريد الوصول إليه، أين نحن من نظم الاعتماد على الذات؟ أين نحن من مفردات أنا عربي سوري أمام الآخرين؟ هل نناضل لنحيا أو نستسلم لنموت؟ كيف نؤمّن وجودنا ونستثمر في هذا الوجود؟ أم أن الخوف والتقليد والنفاق والتكاذب يسكنون العقول لنبدو كمن في عصر الظلمات.
إن ما نريد من البعث أن يكون كما كان بعث نهوض، والنهوض قيامة مادية، فالبعث الروحي اختصاص الآلهة أما البعث المادي فهو اختصاص الحزبية الرشيدة التي لا تتم إلا عبر استثمار العقول وتقديرها، ومؤكد أن العقول تخطئ وتزيغ أمام الماديات لكن ثوابت البعث المادي ستهدي الضالين، والخطأ الذي نستشعره من تحرير العقل من الخوف فاضل ونبيل وهذا ما يقوي البعث وحضوره وقيادته وقيامته، إن أعداء البعث يتوافرون في المفاصل يتحركون تحت غطاء الحزبية أهدافهم المادية أكبر من عقيدة البعث وعصبيتهم متخفية بأقنعة البسمات والهتافات والتأييد المبرمج.
أين تطبيقات النهج الحزبي للبعث وأين هو الكفاح من أجل ما يحتاجه الوطن بما فيه وأين هو مبدأ الالتزام والحرية؟ وكيف نظهر المواءمة في تمرس الحرية بين أفراد المجتمع والبعث وبين البعث والدولة والمجتمع والإيمان بقيمة وضرورة الأفكار وتحولها إلى قدرات وطاقات وأفعال وبعث الحزبي كي لا يكون متحزباً فقط.
الحزبية الرشيدة تؤمن بالبعث المادي والروحي بحكم أن الإنسان جوهر ومظهر واتحادهما أكثر من ضرورة، وواجب البعث أن يكون مديراً حقيقياً بحكم علميته وثوريته للجوهر أي في توجيهه الخلاق وإلا ينتهي الرشد ويتحول إلى صورة محكومة من الجوهر الفضفاض؛ هذا الذي يؤدي إلى الانفلات وتعزيز الغريزة المسكونة فيه التي يتعلق بها بحكم أغلال الضرورات الاقتصادية، وتحريره منها يكون بتطوير رشده الوطني المرتبط بقيم العمل ومفاهيم الضمير الذي يشعر المواطن بالمعاناة من كبته وإن كان في ذلك مبالغة أقول لا ضير في أن نبدأ من جديد.
د. نبيل طعمة