الحياة لغز عظيم
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٦ ديسمبر ٢٠٢٢
لطفها وجمالها يوازي تماماً جبروتها رغم اختلاف أو اتساق مقاييس أجسادنا الحية المنتشرة بين مساحاتها الهائلة، إلا أننا نحني رؤوسنا لعظمة وجودها، ونرثي قوانا التي ومهما بلغت فلن تطول قواها، فيها تجد الحب بالجملة، كما ستجد الكراهية بتدرجاتها المتعبة لمسيرتها الممتلئة بالأحلام التي يجب أن ترافق الذكريات، لأن هذه إن حلت؛ أي الذكريات، وسيطرت على عقل الإنسان بجزأيه الذكر والأنثى تكون الشيخوخة المبكرة قد دبت إليه.
الوقائع تشير إلى اشتهار الناس بوحشيتهم، عندما يحدث لديهم الانفلات على الحياة، من دون أن يعلموا أن جبروتها قادم من قوى القدر، وهنا لا بد أن أرثي ضعف الإنسان أمامها، ومهما بلغ من عتي وقدرات فكرية، لذلك يجب أن نحني رؤوسنا لعظمتها وجبروتها، ومع هذا أقول: إن على الإنسان ألا يستسلم، وألا يخشى مواجهتها، وعليه البحث المستمر لفهم لغزها وعدم اليأس من الوصول إلى حلول بعيداً عن مفتاح لغزها الأخير، ألا وهو الموت الذي لا يمثل السعي إلى الأعماق، حيث حقائق الأشياء مسكونة فيها، وهذا إن دل فإنه يشير إلى وحدة الإنسان مع الحياة، فلا هي تستمر فيه، ولا هو يستمر معها، ليكون هو بحدّ ذاته لغزها، وتكون هي لغزه، وبينهما تحدث جميع المماحكات الإيجابية والسلبية، ومروره من متاهاتها أو توهانه فيها.
الحياة صورة للجمال الحي، ونبع ثرٌّ للإيحاء والتأمل والإبداع، وإذا سار إليها إنسانها قادته إلى الحب الحي الذي به يحدث الاطمئنان، وتفتح له بوابات النجاح، لذا تكون الحياة دعوة إلى النشاط والتفاعلات الإيجابية التي تولد النهوض والذهاب إلى الهدف.
الكلي خلق الحياة بدقة وأناة ورويّة، فكانت كل الجمال والبهاء والجاذبية، وفعل ذلك مع الأنثى، إلا أنه لم يفعل ذلك مع الذكر، الذي تحول إلى تابع لها من خلال شبقه لجنسها، ما أضاع عليه الكثير من الفرص، وحوله إلى درجات غير قنوعة، ما ولّد عدم الرضى على حياة عند سواد البشر، كيف يحدث هذا لنتأمل، فالذي بداخلنا ممتلئ بالأسرار والألغاز التي لا يمكن لكائن آخر أن يعرفها، إن لم تسرد على مسامعه أو يلغيها من جوهر فكره وقلبه، هل نقوم بمراجعة حياتنا وما عمرت بها من سعادة وتعاسة ونجاح وفشل؟ وكيف نمر منها بكرامة، بأنانية، بخضوع، بخشوع؟ وهل هي قاسية معقدة أم مرنة ويسرة؟ كل الشواهق متعبة، إلا أن الإصرار والمتابعة توصلك إلى ما تريد ضمن مسيرتك، ماذا تعني لنا الحياة بعد الموت، ومهما كان شكلها أخروية، ثانوية، أبدية، لأن الحياة الحية هي التي تسمح لنا بالإنجاز والإعجاز، وفيها نسجل أسماءنا في سجل الحياة وعلى جدار الزمن، الذي يخلدنا أو نندثر إلى غير ذكرى.
من أين تبدأ الحياة وأين تنتهي؟ ألا يجب أن نجري بحوثاً معمقة حولها؟ هل هي شيء مادي أو لا مادي؟ ما الفرق بين معنى العيش ومفهوم الدنيا وفلسفة الحياة التي تمثل للإنسان ضرورة الغوص في أعماق أسباب وجودنا فيها، وتدعونا للإبحار في ثنايا أنفسنا، فإذا فعلنا خلصتنا من الآلام والآثام، وطورت فهمنا لها، ومنحتنا الهود إلى حقيقتها، وأرشدتنا إلى سبل الصواب.
الحياة واحدة، ليس من تكرار لها في كل نفس حية، تتماوجها مساحات من الحب والأشواق والأحزان والأسى والتميز في خوض متاهاتها، مادام هناك من يمتلك دفء الحب والشغف للضوء وللظلال وللعمل والإنتاج والإبداع، هذه المساحات الممتلئة بحرارة القبل وقواعد العناق والتداخل والمشاعر الجياشة كلها تسمى الحياة التي تختلف عن العيش، وألعاب الدنيا المنتشرة مثل دعارة العقود الشرعية واللا شرعية واللهاث وراء أنا المال وأنا القوة، وأنا القهر، وأنا الضعف.
الحياة إنسان مصيرها مرتبط بمصيره، شأنها كبير، المسؤول عن انفعالاتها وأفكارها التي تطور أفكار التأمل في شمسها وقمرها ومصابيح سمائها بحضورها وغيابها، فمن أجله ظهرت لغة الحب القادمة من "ليليث وآدم" ليليث أم حواء و"إيساف ونايلا" آلهة الحب قبل الإسلام، و"هرمس وأفروديت" الآلهة عند الإغريق، و"روميو وجولييت" عاشقي الحياة وعشق "بابا نويل" فيها، أنجزت الحضارات والتحضر ومنطق فهم الإله وتكوينه الذي بناه، فكان إنسانه قصره "منزله"، الذي أنجزه فسكنه، لأنه جسَّد له ما أراد من الحياة التي نشرها في أحيائه، فكان بهم كل المكان الذي ضج بالحياة، هذه التي أتحدث عنها، وأنها لغز ألغازه التي مثلها إنسان النور والظلمة، إنسان الحياة والموت، الذي لا يستغل هذه الهبة الكونية القادمة من قدسية الكون وزمنه الدقيق الذي لا يخطئ في مواقيته، لذلك كان الموت مفتاح هذا اللغز وحقيقة الأشياء التي تقبع في أعماقها، فهل يمكن الوصول إليها قبل حدوث الموت؟.
د. نبيل طعمة