الدّم الخبيث

الدّم الخبيث

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١٢ أبريل ٢٠١١

من منّا نحن جنس الإنسان- المبتعد عن لغة البشر المتمتعة بشريعة الغاب- يحب سيل الدماء أو سيلانه؟.. نرقب، ننبهر، نندهش، نرتجف، نرتعش لحظة مشاهدتنا لجرح صغير أو كبير يصيب أيَّ جزء من أجزاء جسدها، أو جسد إنساننا أياً كان قريباً أم بعيداً مُهمّاً أم عادياً، يتألم الإنسان من رؤيته إلاّ إذا كان خبيثاً ومارقاً ومجنداً، يحمل أجندة عدوانية، أو هو في حدِّ ذاته عدوٌّ معتدٍ، أو يحاول الاعتداء على ممتلك أو قيمة، أو عرض، أو أرض، أو مبدأ، أو إنسان، أو مدينة، أو وطن .وأقصد سورية الأم الأمينة لجميعنا.
لقد عرفت الأنثى ذلك مبكراً، أو فهمت التمييز بين الدّم الخبيث الذي تطرحه في دورتها الشهرية، ودم الحياة الذي يجري في شرايينها، وبما أنها أمي وأمك وزوجتي وزوجتك وشقيقتي وشقيقتك وابنتي وابنتك وصديقتي وصديقتك ورفيقتي ورفيقتك اسألها بكونها صاحبة التوطين الأول، والإنجاب الأول، والحب الأول، والمغامرة الأولى: كيف تفعل هذا بفطرتها وتكوينها الأزلي؟ وبما أننا أولاً وأخيراً نسكن إليها، أو نجتمع معها أو نحاورها ونجاورها ونساكنها تحت سقف السماء الجامعة اللامعة المتلألئة بقمرها الأنثوي، ونجومها الذكرية التي تحيطه. لماذا، وكيف تعلم وتفرز الدّم الذي تهابه فنخاف منه، والخبيث الذي تلفظه بالفطرة والفطنة فلا نأبه له، على العكس تماماً نحتويها وهي تصمد أثناء خروجه، مداعبين ومؤمنين بأنها على حق حين إفرازه وإلقائه إلى القمامة وضمن مجاري الصرف الصحي.
الأنثى السورية عشتار طاردت أنكيدو ضمن ملحمة التاريخ الأولى والكبرى، إلى أن مات وقتلته ليحمله جلجامش، باحثاً له عن ماء الحياة والموجود في سورية الشام، من أجل ماذا؟ كي تستمرَّ الحياة والوصول والتواصل، ومنه علّمت الذكر الرجل أن الحياة لا تتمّ إلا بالحب والكفاح والنجاح والذي هو نجاحها، دفعته إلى البحث والتجوال، وكانت في موقعها تكمل دورتها الدموية تلفظ الدم الخبيث وتحمي الدماء الزكية، ومنها تعلّمنا وعلمتنا لغة الانتصار على الرذائل والمندسين، والخبيثين والخبيثات تفرزهم طاردة إياهم، وهاهو مجتمعنا السوري ينتصر على الدّم الخبيث بجهود جميع أبنائه وحماته بقيادة الرئيس الغالي ، وعليه أن ينتصر، فجميع الأمّهات والبنات والأبناء رافضون من رفضها الدماء الخبيثة؛ التي تلقيها الأنثى إلى مزابل التاريخ بلا ذاكرة أو في مجاريها النتنة. هو موقف علمتنا إياه الأنثى على اختلاف أشكالها، وغايتها أن تحمي وطنها وطن الأمان والسلام وأبناءها أبناء الوفاء، ترضعهم من دم الحياة حليب ثدييها المكوّن من الشموخ والكبرياء والإباء، إنها سورية الأنثى التي أنجبتنا، تلتمّ مكوناتها العضوية: فيزيائية وكيميائية، تشمخ بكبريائها، تلفظ خبيثها المتواري ، وتضمّ بحنانٍ أبناءها حماة الديار ، فمن يعكر صفوها فهو خبيث، تعالوا نضمّها بحبِّ حبّها لنا.
سورية أيتها الأنثى الجميلة لا تأبهي.. فبهاؤك أكبر من أيِّ دم خبيث الْفظيه لا تخافي، يحميك أبناؤك وقائدك وأحباؤك، فأنتِ جمالنا وبدونك لا نكون، ضُمّينا جميعنا، فأنت ألواننا، وقوس قزح لا ينتهي مدى الحياة.
الرحمة الإلهية لشهداء الوطن، وحماته المدافعين عنه أصحاب الدماء الزكية، وإلى الهاوية والدرك الأسفل تلك الدماء الفاسدة والمأجورة ، سورية يا أنثى السماء، يا وطن الإنسان والحبِّ، نعدك بأن نفديك ولن يستطيع أحدٌ أن يجرحك أو يسئ إلى أبناؤك فنحن منك وإليك .

 د.نبيل طعمة