السعي الأمريكي...لإغلاق ملف الشرق الأوسط
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٧ نوفمبر ٢٠٢٣
اشتغال دقيق وهادئ يقوم به مكتب الأمن القومي الأمريكي الاستراتيجي في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقدين من الزمن، حيث وضع الخطط التنفيذية التي بدأت مع الرئيس جورج بوش الابن، إضافة لتلك الاجتماعات المكوكية التي قادتها كونداليزا رايس في عمان والقاهرة وبغداد والرياض والدوحة، بهدف إنشاء شرق أوسط جديد، أما الهدف الحقيقي الذي يعملون عليه فهو تفرغهم للشأنين الروسي والصيني، وفعلاً تم تنفيذ جزء كبير وخطير من هذا المخطط على تسع دول عربية (العراق، السودان، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، اليمن، سورية، لبنان) تحت مسمى الربيع العربي، أما سبب اختيار هذه الدول فهو تمردها العلمي والصناعي والتجاري والعسكري؛ أي أنهم انتجوا ودخلوا مراحل الاكتفاء الذاتي وخالفوا نظرية المنتج والمستهلك، فقاموا بتدمير هذه الدول من الداخل تدميراً شاملاً بتدخل غير مباشر، وعبر إحيائهم وتصنيعهم الفكر الديني المتشدد وتغذيته بالكراهية والأحقاد، ليس فقط على نظم الحكم التي كانت ظاهراً، وإنما على النظم المدنية التي كانت تتطور بشكل متسارع، نجحوا، إلى حد كبير، في تدميرها ولم يبق لهم إلا القليل، وكانت المفاجأة، التي لم يحسب لها أي حساب، في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا واندفاع الصين لاستعادة تايوان، والتقاء الصين وروسيا، وصعود نجم الهند وإيران والبرازيل وجنوب أفريقيا، مما أربك مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يهدف إلى تسليم إسرائيل الشرق الأوسط برمته، وإدارته ضمن برنامج الأمن القومي الأمريكي (مشروع مارشال العقل الصهيوني والذراع العربية) أيضاً وضمن هذا السياق حدثت المفاجأة الكبرى في السابع من تشرين الأول من هذا العام 2023 وانفجار المقاومة الفلسطينية في غزة، واستعداد محور المقاومة لدعم هذه المفاجأة، وظهور تأييد شعبي هائل، ورسمي عربي ودولي خجول لهذه المفاجأة، مما عنى للأمريكي أن مشاريعه ستُهزم، ليس في منطقة الشرق الأوسط وإنما في العالم أجمع.
استشرس الأمريكي وكشّر عن أنيابه، طبعاً لأنه يعتبر تفوقه حقاً يمنحه صفة إله العالم أو سيد العالم، أو القطب الأوحد الذي يجب ألا ينازعه عليه أحد، لذلك سارع واستحضر أساطيله التي حشدها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي، واستثنى النقاش في كل القارات إلا هذا الإقليم، لأن إرادته هو أن ينهي هذا الملف، حتى وإن احتاج للدخول في معارك بعد أن استحضر القوة الضاغطة على هذه المنطقة التي ينبغي ألا تفلت من يده، ومع حديث الرئيس الأمريكي أنه (لو لم يكن هناك إسرائيل لأوجدنا إسرائيل) يثبت ما نتحدث به وندور حوله، وأيضاً لم يأتِ حديث وزير الخارجية الأمريكي بلينكن عن أنه حضر إلى المنطقة كيهودي من فراغ، إنما يعني أن الصراع سيشتد تحت مسمى ديني، أما الخطورة هنا فلأن مركز الأمن القومي الأمريكي يدرك تماماً أن تجهيل منطقة إقليم الشرق الأوسط واستعداء دوله لبعضها البعض لن ينجح إلا بخلق التشدد الديني، حيث بتنا نسمع عن ظهور السفياني والمهدي المنتظر وعودة السيد المسيح، وهم أي (الأمن القومي الأمريكي) في حالة اشتغال دقيق على هذه النقطة، وبشكل أدق أنهم يصنعون، منذ زمن، ويُسَرّعون الآن هذا الظهور، فمن أجل ماذا؟ لاسيما وأنه جاء تحت مسمى عودة العدالة الإلهية والانتصار للدين الإسلامي، والذي يأتي بالتدمير الذاتي له من مريديه المختصمين أصلاً، نتاج انقسامهم إلى طوائف ومذاهب، وأيضاً إعلان الحرب على الديانات الأخرى التي يشجعون على اعتبار أن مريديها كفرة، وقد استمعنا إلى حوارات بين قادة يهود متشددين وأمريكيين حول دعم تسريع أو ظهور السفياني أو المهدي أو السيد المسيح مرة ثانية، أرجو أن تنتبهوا لذلك.
لقد أشار مستشار الأمن القومي الأمريكي كيسنجر (الذي جاوز عمره المئة) منذ ما يقرب من نصف قرن على أن النجاح في الشرق الأوسط لأمريكا لن يكون إلا بضربه ببعضه، ابحثوا في رسائل وكتب كيسنجر وبرنار لويس "نائب في الكونغرس الأمريكي عام 1979" (صاحب دعوة تقسيم الوطن العربي إلى 41 دولة عربية) وهنري ليفي عراب تدمير الدول العربية ضمن ما أطلق عليه (الربيع العربي) وادخلوا إلى مراكز البحوث الأمريكية والأوروبية الغربية التي تخصصت في شؤون السيطرة على الشرق الأوسط والعالم، ولم يستثنِ مخطط إغلاق ملف الشرق الأوسط التركي والإيراني والسعودي، ولا حتى آسيا الوسطى، لأن مخططهم هو تقسيم كل هذه الدول وفرط عقدها إلى دويلات، وحتى إعادتها إلى نقطة البداية؛ أي إلى الإبل والماشية وثقافة الغزو والغنائم، كل هذا الذي أتحدث عنه سُرّعَ تنفيذه لحظة انفجار غزة والمقاومة العربية الفلسطينية واللبنانية، ودعم تسمية شخصية المقاومة من خلال الإصرار على منحها لقب (إسلامي شيعي) على الحدود اللبنانية، و(إسلامي سني إخواني متشدد) في غزة، و(إسلامي سني معتدل) في الضفة، و(إسلامي حوثي) في اليمن، ومعنى هذا إظهار العرب بكليتهم إسلاميين إرهابيين متشددين، وتعزيز تمسكهم بطوائفهم لا بإيمانهم، كما يعني تجهيلهم انتظاراً لتحقيق المخطط المنشود، وإغلاق هذا الملف يعني التفرغ لإغلاق الملف الروسي في أوكرانيا وإغلاق الملف الصيني في جنوب شرق آسيا وبحر الصين، وكل هذا من أجل التربع على سيادة العالم.. فهل سيتحقق هذا؟ وهم الذين يقومون بالتهديد بالاغتيال لكل من يعارض مشروعهم من القادة والرؤساء والمفكرين والعلماء في روسيا والصين والشرق الأوسط، إنهم يخططون لكل ذلك وينفذونه بدءاً من غزة ...هل سينجحون؟.
للحديث صلة، قراءة أولية في فكر الأمن القومي الأمريكي صاحب نظرية العالم الجديد .....
د. نبيل طعمة