الشنفرى
نجم الأسبوع
السبت، ١٩ فبراير ٢٠٢٢
هو ثابت بن أوس الأزدي الملقب بالشنفرى، والشنفرى اسمه، وقيل لقب له، ومعناه العظيم الشفة، وهو ابن أخت تأبط شراً، ولأن الشنفرى ما كان أميراً على غير مملكة الشعر لم يعرف تاريخ مولده، ولكنه مات على الأرجح في أوائل القرن السادس الميلادي، وقد نشأ أسيراً، وقضى حياته شريداً وصعلوكاً متميزاً بين رفاقه من الصعاليك (تأبط شراً، عروة بن الورد، السليك بن السلكة، عمر بن سراقة) الذين يشكلون علامة بارزة لها خصوصيتها وتفردها في تاريخ الشعر العربي، وقد فرضوا سلطانهم على تاريخ الشعر بفضل تميزهم كظاهرة فنية فريدة، وكان الشنفرى عداء يضرب به المثل في العدو، ولصاً له مكانته بين اللصوص، وله رهبته، وقد عاش معتصماً بالجبال، هو دائماً يغير ودائماً يأوي إلى الجبل.
إذاً كان لا بدّ من خطا أن يجعل الشعراء العباقرة لصوصاً، فمردّه إلى الشكل الاجتماعي بالجزيرة العربية في ذلك الوقت، وهو الذي دفع بهؤلاء الشعراء إلى التمرّد والخروج على المجتمع، وفي أول حركة تمرد جماعي يروي تاريخ الأدب العربي قام بها عدد من الشعراء، ويعلن الأمر عند الشنفرى إذ يعلن تمرّده وخروجه على بني أمه في صدر (لامية العرب) حيث يعلن الشاعر رحيله بعيداً عن الأهل منطلقاً إلى الجبال حيث يعيش أصدقاؤه من الصعاليك ووحوش البرية الذين يميل إليهم، ويشعر بالألفة بينهم أكثر مما يشعر بها بين أهل قبيلته وهو القائل:
أقيموا بني أمي صدور مطيّكم
فإنّي إلى قومٍ سواكم لأميلُ
والشنفرى هو أمير شعراء الصعاليك، يتقدمهم بفضل قصيدة (لامية العرب) التي تنطق بلسان البادية الأولى، وحياة التشرد والعنفوان، ويعدّها البعض من أفضل نماذج الشعر الجاهلي، وقد ألف الزمخشري كتاباً في شرحها بعنوان (أعجب العجب في شرح لامية العرب)، وفي قصيدة له يرسم الشنفرى شخصيته زاهياً بقدرته على مواجهة تقلبات الأيام وتحديات الطبيعة، ويصف سرعته في الغزوات.
“وفي الأرض منأى للكريم من الأذى/ فيها، لمن خاف القلى منعزل
لعمرك، ما بالأرض ضيق على امرئ/ سرى راغباً أو راهباً وهو يعقل
ولي دونكم أهلون: سيد عملس/ وأرقط زهلول، وعرفاء جيأل”.
يتميز شعر الشنفرى بصياغته التي تكشف عن التوغل في أسرار اللغة، وعلاقة المفردات وقدرتها على تشكيل الفضاء النفسي المناسب، كانت حياة البداوة الأولى أشبه بعالم أسطوري، وكان الشنفرى واحداً من أبطال هذا العالم، قد شغفتها أجواء الأسطورة التي نسجها الشعر الملتهب بأهوال الإقالة شبه الصوفية، على عناصر هذا النوع من الوجود الغريب، فإن حماسة الشنفرى للصحراء والوحوش، وتطلعه إلى الحرية والوحدة، ومغامراته في سبيل كفاية نفسه وأصحابه، كل ذلك صنع طبقة من الفكر والذوق والرقي المعنوي فوق خشونة المنظر المبتذل للسرقة والغزو، ومعاناة الصعلكة بتفاصيلها التي قد تصدم الوجدان المتحضر، لقد كانت الصياغة الشعرية لأسلوب حياة الصعلوك من العبقرية بحيث ساهمت في تحويل ما يمكن أن يسمى مباذل الصعلكة إلى قيم خاصة.