العراق لن يعود إلى الوراء.. بقلم: جمال الكشكي

العراق لن يعود إلى الوراء.. بقلم: جمال الكشكي

تحليل وآراء

السبت، ٣٠ يناير ٢٠٢١

ثمة أجواء ضبابية تحاول النيل من العراق، أطراف عديدة لا تريد استقراره، وليس على هواها التحركات والقمم العربية، التي يشارك فيها العراق.
الجولات المكوكية، التي يقوم بها خلال الفترات الماضية رئيس الحكومة د. مصطفى الكاظمي أتت بثمار واضحة. تحركات جادة نحو العروبة والمشروع العربي المشترك، بغداد تستعيد عافيتها بسواعد شعبها الوطني، ودعم أشقائها العرب، لا يلدغ العراق مرتين، اكتمال الاستحقاقات الوطنية بات خياراً إجباريا ليس داخل العراق فقط، بل ضرورة لمواجهة التحديات، التي تحيط بالعواصم العربية، وتحت الجسر العراقي تجري الآن مياه كثيرة.
الهجوم الإرهابي الأخير الذي راح ضحيته العشرات، هو الأكثر خطورة من حيث التوقيت، إذ إنه التفجير الأول منذ عام 2018، والمفارقة أنه وقع في المكان والزمان نفسه، لكن هذه المرة اختار منطقة شعبية بها أكبر عدد من المدنيين بغرض إعادة تدشين عودة تنظيم داعش الإرهابي.
رسائل ما جرى متعددة بتوقيع الجماعات الظلامية، ومن يقف خلفها. من بين الرسائل هناك أطراف لها مصلحة في إشعال جبهة شمال العراق، ورسائل أخرى تهدف إلى إيقاظ كوابيس بغداد والعودة بشعبه إلى مربع التخويف والترويع والذعر، بعد أن استقرت الأمور نسبياً.
المعركة ضد الإرهاب مستمرة وطويلة الأمد، الوطنية العراقية ليس لديها ترف التأمل أو المشاهدة، لا تراجع ولا تهاون في مواجهة هذه الجماعات الظلامية والنيل من بقاياها في كل شبر من أرض العراق.
«تغريدة» الرئيس العراقي برهم صالح عن العمل الإرهابي الخسيس على «تويتر» تتلامس جيداً مع الاستهداف الجديد للعراق، إذ قال: «الانفجاران الإرهابيان ضد المواطنين الآمنين في بغداد، وفي هذا التوقيت، يؤكدان سعي الجماعات الظلامية لاستهداف الاستحقاقات الوطنية الكبيرة، وتطلعات شعبنا في مستقبل يسوده السلام»، نعم القضية أعمق بكثير من مجرد عمل إرهابي، الخطر كامن في الداخل والخارج العراقي.
لا يخفى على أحد أن هناك أطرافاً داخلية لا يروق لها إصرار الحكومة العراقية على إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة، إذ ترى أن نصيبها من الكعكة السياسة والاقتصادية سوف يتراجع بشكل حاد نتيجة لرفض الشارع العراقي لممارسات هذه الأحزاب، والتي عبر عنها الشارع العراقي في تظاهرات عام 2019، ومن ثم فهذه ترى أن إرباك المشهد الأمني العراقي من شأنه تحقيق هذه المآرب، هذا فضلاً عن أن هذه الأحزاب قادمة من قاموس يعتمد مفردات التآمر والتخويف، وتمديد الأزمات لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب.
أما في ما يتعلق بالخطر الخارجي تجاه العراق فلا تزال بغداد هدفاً استراتيجياً لقوى إقليمية لا تريد للعراق العودة إلى الحضن العربي، فضلاً عن وجود قوى أخرى تهدف إلى إعادة هندسة الخريطة العراقية طمعاً في استقطاع أجزاء منه. وسط هذه النيران التي تستهدف استقرار العراق، سواء من جماعات إرهابية وقوى إقليمية أو سياسات دولية، فإنني أرى ضرورة الانطلاق من مجموعة ثوابت ومسارات للحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي الوطنية، يأتي في مقدمتها: بذل كل الجهود من القوى الوطنية العراقية لإجراء الاستحقاق التشريعي في موعده، وهذا بمثابة رسالة إصرار وإرادة سياسية تقول: إن العراق وشعبه لن يعودوا إلى الوراء، كما أنها رسالة تلبي رغبة الغالبية العظمى من العراقيين.
إلى ذلك، يتطلب هذا المشهد ضرورة تقديم كل الدعم للأجهزة الأمنية العراقية، لكي تستطيع الصمود في مواجهة وهزيمة الموجة الجديدة من الإرهابيين والدواعش.
هذا فضلاً عن حتمية عودة العراق إلى الحضن العربي، وتقديم كل أشكال الدعم العربي وغير المشروط له ولشعبه حتى يتمكن من مجابهة كل الأخطار، والعمل على تثبيت أركان الدولة الوطنية العراقية، وانخراطها في منظومة الأمن القومي العربي حتى يعود العراق، الذي نعرفه قوياً صلباً عروبياً.
* رئيس تحرير «الأهرام العربي»