العولمة العربية
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ١٧ أكتوبر ٢٠٢٣
مصطلح يتشابه مع الليبرالية العربية، حضر بلا نسل، ووُئد حينما أفصح عنه مستقبلوه والمروجون له أنه حلم قابل للتحقيق، إلا أنه اصطدم، حتى من حامليه أو المبشرين به، بعقبات لم تسمح له بالمرور من أول حاجز ديني أو أيديولوجي، والسؤال الذي راودني من لحظة تشكل الوعي الذي كان محاطاً بلغة دينية مهيمنة، يرافقها تيار ماركسي خجول محارب بحكم البيئة الدينية، ومعه أفكار حزبية متعددة، أقواها ينادي بالانقلاب على التخلف والتبعية ورفع شعار العلمية والثورية، كل هذا في نظري نجح إلى حد كبير، في الشكل فقط، ولم يقدر على تحقيق الغايات المنشودة بالشكل المطلوب، والسؤال الهام الذي رافقني طيلة مسيرتي العلمية والعملية، حتى اللحظة، مع إيماني المطلق بأن العلم مصدر الحياة والإيمان بمحيطه الجميل الذي لا غنى عنه، خاصة في عوالم الشرق، إضافة لعالم الجنوب، لماذا كل هذا لم ينجح في ذاكرة هذه الشعوب، وأجزم هنا أن السبب انعدام التفكير بالآخر والإيمان بال (الأنا)، ماذا يعني هذا؟. المتصوفة في جميع الديانات قالوا:" أنا الله والله أنا، أنا الحب والحب أنا، أنا أهوى وما أهوى أنا، نحن روحان حللنا بدناً" وأنا قلت: أنا لا أكون بكونك إلا بك، وبك أكون أنا وأنت تكون، فإن لم أكن لا كنتُ ولا كُنتَ، ولا كون ولا كن فيكون، أي بدون الإنسان لا يكون شيء، ويبقى الشيء مجهولاً إلى أن يُعرف، والإنسان بمفرده قليل، ويأتي إلى جانب المتصوفة المتدينين، وما أكثرهم، أولئك الذين "آمنوا بأنا ومن بعدي الطوفان وأنا الخليفة وأنا الفرد وأنا النجاح وأنا الفشل وأنا الكل والكل أنا" وقد تعلقت شعوبنا العربية بكل هذا من ثقافة الدعاء لأنا، وبالمصلحة الفردية، وتقوقعت على ما تؤمن به، لذلك ظهر الطائفي والمذهبي والديني والعلماني والوجودي والماركسي والليبرالي، فلم تقدر على فهم الحرية ولا استيعاب قوانين الديمقراطية، ولم تتخلص من العنف والإرهاب وثقافة السبي والغنائم والقسم بأغلظ الأيمان، لأن كل فرد فيها يحتاج إلى "إله " كشاهد إثبات ونفي، منذ لحظة الاستيقاظ إلى أن يأوي إلى الفراش، وذهب الكل ليهاجم كل شيء معرف وغير معرف من المصطلحات، ومعاداة كل من لا يؤيد هذه الأفكار، متمسكين بأن الإنسان عدو ما يجهل، فبدلاً من أن نذهب إلى العلم والتعلم والمعرفة والبحث والتدقيق وتحويل المجهول إلى معلوم، لم نستطع حتى تطوير الأرياف كونها خزان المدينة والمدنية، ولم نصل بعد حتى إلى تعريف المدنية، ولم نؤمن بأن الأداء يؤدي إلى ظهور الهوية ويعززها، كونها تشير إلى الانتماء، لذلك تراجع الدور المدني للدولة، وعندما يتراجع هذا الدور تفسد الأمة ومعها تفسد الدولة بسواد أركانها.
أنا لا أتجه إلى الغرب بل أبحث عن تفكيك لهذه المعضلة المسماة (ليبرالية عربية) ومعها إشكالية الديمقراطية العربية، وكثيراً ما أسمع من البعض وهو يقول أنه ليبرالي وطني وديمقراطي فاعل ومؤمن وخلاق، وعندما أحاوره أجده بعيداً عن كل هذه الطروحات، مما أخذني للاعتراف بأنه لا وجود لليبرالية عربية ولا ديمقراطية عربية، بسبب وجود سطوة الفكر الديني إلى جانب الفكر الخرافي والإيمان بالسحر والشعوذة والعرافة والانتماء إلى العشيرة أو القبيلة أو للفرد أو للمذهب والطائفة والدين، والابتعاد عن فهم الأخلاق والقيم العقلانية ونواصي العلم، وأولوية بناء الفرد ،عماد المجتمع، على أسس الأداء أولاً والانتماء ثانياً، وهما المسؤولان عن تحديد الهوية القوية التي تعني أن الدولة قوية، وما تقدم يقودنا لطرح السؤال التالي: هل العقل العربي جاهز لإبداع شخصية تخصه بعيداً عن بقائه مُستقبِلاً للأفكار؟ وهل يستفيد من إيجابيات الأفكار المسقطة عليه أو المستوردة؟ ولنأخذ الليبرالية القديمة بعد فشل الماركسية، ثم ظهور الليبرالية الحديثة التي تقوم على الحرية والفردانية وإلغاء الجنس "ذكر وأنثى" أي تعزيز المثلية في حياة الفرد بغاية تحقيق نموه المضطرد، وتحقيق رفاهيته بعيداً عن فلسفة الأخلاق، وانتهاك حرمات البناء الإنساني القائم على التراكم الثقافي والقيم والمبادئ؛ أي أنني أستطيع أن أطرح مصطلحاً جديداً هو "العولمة العربية" وهذا الأجدر أن نأخذ به، لأن المشتركات قائمة، ولعل به نعيد حضورنا بعد أن ابتعدنا كثيراً عن أخلاقنا وثقافتنا وإيماننا الحقيقي بأسباب وجودنا، حتى أصبح سهلاً إلى حد كبير اختراقنا.
لا يمكن بناء ليبرالية عربية أو عولمة عربية مع ثقافة الأنا والعنف والمذهبية والطائفية، كما لا يمكن أن يتأسس فكر أخلاقي طالما أن هناك انتماءً إلى الأفكار المستوردة التي تعزز لغة الاقتتال وتفرط عقد الاجتماع، كذلك لا يمكن نجاح أي فكر خلاق إن لم يتعزز قبل ذلك دور القانون، ولا يمكن تحقيق ليبرالية عربية أو عولمة عربية خاصتنا بوجود أفكار تضعف المدنية وحضورها، فالليبرالية العربية المنشودة تحتاج إلى بيئة متنورة مترفعة عن التناقض، منسجمة مع مجتمعها، تمنح الخصوصية وتؤمن بالتكامل والتجانس والمساواة، وهذه وحدها قادرة على النهوض بالمجتمع العربي والأخذ به نحو التقدم العلمي والروحي والإبداع الجمالي واللغوي، وذلك بعد شطب أفكار التعصب والإيمان بثقافة الحوار.
د. نبيل طعمة