الفصل العنصري
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٣١ أكتوبر ٢٠٢٣
أبدأ، من حيث يجب أن أنهي ما أريد إيضاحه والوصول إليه، بأن الغرب المُقاد من الولايات المتحدة الأمريكية يعاقب الفلسطينيين وحاضنتهم العربية؛ وأقصد هنا بضعاً من العرب وأصدقائهم الذين تخصصوا في مفاهيم المقاومة وإعلاء شأنها، وبالمقابل يكافئ المعتدي الإسرائيلي الصهيوني بكل ما يملك من مال وسلاح وفكر علمي، مع سيطرة إعلامية، كونه المتحكم الرئيس بأدواتها، وأيضاً يهدد كل من يحاول دعمها، رغم ما له من تحالفات أكثر من هامة ودقيقة مع المنظومة الخليجية، بشكل خاص، والعديد من الدول العربية في شمال أفريقيا، ممن يدعمون من يعمل على إزالة شعب بأكمله من فوق أرضه، ويرتكبون أبشع جرائم الإنسانية بفضل هذا الدعم وهذه الحماية، يلتزمون ببقاء إسرائيل كدولة محورية، وكذراع ضاربة تكون الأقوى في المنطقة، وهذا ما يفسر سعيهم الدائم للهيمنة على المنظومة العربية، ويشرح في الوقت نفسه ما يُخطط للمنطقة من الإصرار على إضعاف إداراتها السياسية والعسكرية، مما يجعل تقسيمها أكثر من سهل.
الفصل العنصري ويعني فرز الإنسان إلى طبقتين، عليا ودنيا، والضغط على الدنيا ومحاصرتها، مما يؤدي إلى تفعيل الأزمات وينشئ الاضطرابات وينمي الأحقاد، فكيف إذا كان فرزاً دينياً أو عقائدياً أو عدوانياً أو احتلالياً لأرض على حساب شعب ساعٍ للحياة، وهذا بحد ذاته ما يسبب الاضطراب ويفاقم الأزمات المولدة لمشاعر الانتقام، فلا يمكن لمحتل أن يستكين ولا تستقيم له حياة مهما بلغ من شأن في القوة والمال.
مؤكدٌ أن المشهد في فلسطين العربية مختلف فيما بين جنوب أفريقيا وروديسيا " زيمبابوي" التي مورس فيهما أبشع أنواع الفصل العنصري، ولعقود طويلة، وبين ما يجري مع مقاومة شعبها للتجمع اليهودي الذي تقوده الصهيونية بعالميتها الغربية المستندة إلى مقولات دينية، وهنا استحضر الفكر الأمريكي الحديث الذي يقول: (لو لم تكن إسرائيل في الشرق الأوسط لأوجدنا إسرائيل) والسبب كونها تشكل المستند الضروري لاستمرار مصالح الغرب الذي يقرأ التاريخ بشكل سليم، ويتعامل معه بخوف وحذر وفرز عنصري، على الرغم من اللبوس الديمقراطي، والمواقف المتذبذبة للدول الأوربية التي تجعل منها تائهة بين التأييد والرفض للعنصرية العرقية والدينية، وكذلك الأمريكي الذي نرى، في اللحظات الحاسمة، أن لديه تأييداً فاضحاً وتبنياً يصل درجة الوقاحة، لاسيما عند وقوع الصهيونية اليهودية في مأزق، فنجدهم يبتعدون عن روح الإنسان الجامعة التي توقظ هواجس الخير والحب، وتوحده مع الحياة ونظم بنائها التي تدعو لبناء الجمال، لكن الذي يظهر أن إحداث الألم للإنسان أقوى، فالنضال من أجل الحرية والعدالة والمساواة يعني النضال والكفاح ضد الفصل العنصري من أجل تحقيق السلام؛ هذا النضال الذي يجب أن تحميه ضفاف أرواح المؤمنين بحق الشعوب في الوصول إلى تقرير مصيرها وإعلاء شأن وجودها، من خلال ضبط الأخلاقيات المتعلقة باستخدام التكنولوجيا وتحديثاتها، والتي أعتبرها اليوم من أهم أدوات الفصل العنصري، وخاصة في التعديل الوراثي وتعديل الحمض النووي والأسلحة الذكية فائقة الدقة، لأن جميعها تستهدف الإنسان الأدنى الذي يتحمل وحده المأساة وامتداداتها، ماذا تعني محاولة إزالة شعب بأكمله من فوق أرضه واقتلاعه من جذوره، والقيام بأبشع جرائم البشرية المادية ضد وجوده وإنسانيته؟ والأنكى من ذلك أن الأمريكي يعاقب، وكما ذكرت، كل من يقف مع حقوق الشعب الفلسطيني، ويكافئ الإسرائيلي الصهيوني، مع وجود جزء من القيادات العربية ممن يدعمون وجود إسرائيل سراً وعلانية، مستندين إلى صياغات يعتبرونها موجودة في المقدس تعترف بأحقية وجود الإسرائيلي.
بضع ساعات كانت كافية لإظهار الإسرائيلي ضعيفاً هشاً كرتونياً، وهنا نجد ما (أتحدث عنه) عندما تحركت أمريكا والغرب لإنقاذ هذا الوجود الهش، والتدخل بقوة لحمايته، فأمريكا تعلن: ( أنا المحتل الحقيقي لفلسطين، عليكم أن تعلموا هذا) لأن انهيار الكيان الذي اصطنعتْهُ على أرض فلسطين يعني انتهاء مصالحها ومصالح الغرب في الشرق الأوسط، وهذا يشير إلى أن الفصل العنصري المتجسد في الأورو أمريكي وأداته" الإسرائيلي" لا يسمح للدول النامية بالنهوض، وفي الوقت نفسه يمنع سقوطها، وهذا ينطبق على الدول العربية والأفريقية التي يجذبها إليه بغاية امتصاص طاقاتها وما تملكه من موارد طبيعية، أما المتمردة عليه فيدعها تسقط في المستنقع المتعدد الأشكال؛ حيث تسقط الإنسانية تحت عنف الفصل العنصري المتجسد بالعمليات العسكرية البشعة المخلفة للدمار الهائل، وهنا تظهر بشاعة المجازر اليومية التي تزهق أرواح المئات والآلاف من الأطفال والنساء الأبرياء، والغاية استمرار الاحتلال، صحيح أنه لا مكان في الحروب للأخلاق والإنسانية، بل إنها تُظهر الوجه الكالح والمأساة التي ترسم أبشع صور الفصل والفرز العنصري، إلا أن أصحاب الحق يخرجون على هذه الوجوه وينفذون من عمق المأساة لأنهم أصحاب حق، والحق منتصر لا محالة.
نحن نؤمن، بل وعلينا أن نؤمن، بأن لا مجال إلا لانتصار أصحاب الحق، رغم إدراكنا القوة الهائلة التي تتمتع بها أمريكا ومنظومتها الغربية، فكما انتصر أصحاب الحق في روديسيا وجنوب أفريقيا على نظام الأبارتايد ونالا حريتهما، وقبل ذلك في فيتنام، سينتصر الشعب العربي الفلسطيني ومناصروه، عاجلاً أم آجلاً، على الفصل العنصري الأورو أمريكي الصهيوني، ومعنى فصل هنا أي أنه جزء من مسيرة أو فصل من كتاب، والمتابعة ضرورة حتمية لا بد أن تنتهي بالانتصار لتستمر الحياة.
د. نبيل طعمة