الفلاح في درعا أمام خسائر فادحة ..الزراعة تتراجع..والتكلفة تزداد.. والتحديات تتعاظم..!
الأزمنة
الجمعة، ٢٢ يوليو ٢٠١٦
محمد العمر
معاناة جسيمة أمام الفلاح باتت تلقي بآثارها وانعكاساتها السلبية نتيجة الظروف المحيطة،خاصة أنه قد باتت تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة ومحروقات وبذار وأدوية وأجور عمالة وفلاحة ونقل وغيرها باهظة جداً في درعا التي تعد رائدة في القطاع الزراعي، ويشكل إنتاج محاصيلها على اختلافها سلة خضر للعديد من المحافظات، وقد أشار العديد من الفلاحين إلى أن الزراعة ضمن الظروف الراهنة تعد مغامرة غير محسوبة النتائج إذ يوظف كل منهم رأس مال كبيراً جداً في أرضه وهو لا يعرف إن كان سيجني مردوده أم لا ضمن الظروف الراهنة، وطالبوا الجهات المعنية بإعادة العمل بدعم المحاصيل الرئيسة في المحافظة من صندوق دعم الإنتاج الزراعي، إذ إن هذا الدعم توقف منذ ما يقارب أربع سنوات، الأمر الذي دفع البعض إلى التوقف عن الزراعة وهجرة الأرض التي نحن في أمس الحاجة إلى إنتاجها لتأمين لقمة عيش المواطن والتخفيف ما أمكن من الاستيراد الذي يتطلب قطعاً أجنبياً لتغطية حاجات السوق في هذا الجانب.
قطاع مهم ولكن..!
إذاً هذا القطاع الحيوي المهم الذي يشكل إنتاجه سلة غذاء المنطقة الجنوبية من القطر قد تعرض لانتكاسات خلال سنوات الأزمة التي تمر فيها البلاد، فتراجع بشقيه النباتي والحيواني إلى مستويات غير مقبولة. كما أن الفلاح في درعا من دون ملل أو كلل يصل الليل بالنهار مع أفراد أسرته جميعاً للعمل في الحقول لتأمين لقمة عيشه وعيشنا، لكن الظروف الراهنة القاسية أنهكته كثيراً، كثير من الفلاحين يبدون معاناتهم الشديدة التي تكبدوها خلال سنوات الأزمة، فأجور العمليات الزراعية من فلاحة وزراعة ونقل وتسويق وعمالة باهظة جداً، ولاسيما في حال شراء مادة المازوت من السوق السوداء، التي يصل سعر الليتر الواحد منها إلى أكثر من 250 ليرة، وكذلك الأمر بالنسبة لأسعار بذور الخضراوات وشتولها والأسمدة والمبيدات، وعدّ آخرون أن الزراعة في هذه المرحلة مغامرة غير محسوبة النتائج، إذ يحتاجون إلى رأسمال كبير ليضعوه في الأرض، ولا يعرفون فيما إذا كانوا سيتمكنون من جني نتاجه أم لا، وهو أمر دفع بالكثيرين إلى الحدّ من المساحات التي يزرعونها لعدم مقدرتهم على تحمّل الخسائر الكبيرة، وطالبوا الجهات المعنية بدعمهم للاستمرار بالعمل الزراعي من خلال تقديم قروض ميسرة، والتعويض على المتضررين بمحاصيلهم، وتوفير المستلزمات من محروقات وأسمدة، وتيسير الحركة على الطرقات أثناء نقل المستلزمات والمحصول.
تراجع القمح
بالنظر إلى مؤشرات تنفيذ المحاصيل الشتوية، ولاسيما محصول القمح الاستراتيجي يلاحظ التراجع الملحوظ، ليس في المساحات المزروعة فحسب، وإنما في كمية الإنتاج والجودة.. دائرة الإنتاج النباتي في زراعة درعا بينت أن المساحات في موسم 2010- 2011 المزروعة بالقمح المروي بلغت 15350 هكتاراً بنسبة تنفيذ 106% من المخطط، وبالقمح البعل 45030 هكتاراً بنسبة تنفيذ 85%، وإجمالي الكمية المسوقة كانت بحدود 130 ألف طن، أما موسم 2013- 2014 فإن التنفيذ لم يكن كاملاً، حيث تمت زراعة 7154 هكتاراً بالقمح المروي بنسبة 59% من المخطط ومساحة 39308 هكتارات بالقمح البعل بنسبة 62%، وقدّر الإنتاج بنحو 35 ألف طن، ويُقاس على ذلك، وإن بنسب متفاوتة، محاصيل الشعير والحمص والعدس والفول والبازلاء، أما في الموسم 2014- 2015 وبالتحديد القمح، فيلاحظ أن هناك تحسناً نسبياً في المساحات المنفذة، حيث بلغت للقمح المروي 10900 هكتار بنسبة 85% من المخطط و47700 هكتار من البعل بنسبة 74%، علماً بأنه يتم توزيع البذار المغربل والمعقم من فرع إكثار البذار في إزرع، وتقدّم الإرشادات الزراعية، وتتم مكافحة فأر الحقل التي شملت حتى تاريخه 9 آلاف هكتار. أما الخضر الشتوية للموسم 2013- 2014 فبلغت نسبة التنفيذ 90% من المخطط البالغ 1410 هكتارات، ولموسم 2014-2015 وصلت نسبة التنفيذ إلى 87% من المخطط البالغ 1296 هكتاراً، وكانت للخضر الصيفية في موسم 2013-2014 (37%) من أصل المخطط البالغ 2052 هكتاراً، ولم ينفذ من البندورة سوى 34% من المخطط البالغ 3603 هكتارات وللموسم 2014- 2015 فإن الزراعة لاتزال قيد التنفيذ، وبالطبع فإن هذه المحاصيل قبل الأحداث كانت تتجاوز المخطط رغم ارتفاعه عن الحالي وإنتاجيتها وجودتها عاليتان، أي إن المشكلة ليست في انخفاض المساحات المنفذة فقط، وإنما في التراجع الكبير في جودة الإنتاج وكميته، وتعود الأسباب إلى ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومحروقات ومبيدات وقلة مياه الري وارتفاع أجور النقل واليد العاملة وصعوبة التسويق والتنقل والرعاية.
تحديات..!
إذاً هي التحديات التي ما زالت تعصف بالقطاع الزراعي منذ بداية الأزمة أي منذ خمس سنوات وأكثر، وقد ناله ما ناله من الأضرار والتعديات التي لحقت به وسببت له الخسائر في الإنتاج والتكلفة، ولا نتكلم عن المحاصيل الأساسية فحسب، وإنما حتى الأشجار المثمرة نالت نصيبها من آثار الأزمة، تشير الزراعة إلى أن هذه الأشجار أصابها ما أصابها من التعديات سواء في نقص المياه والري أو رشها أو الاهتمام بها،فالإحصاءات ما قبل الأزمة توضح أن المساحات المزروعة بالأشجار المثمرة في المحافظة تصل إلى 34507 هكتارات القسم الأكبر منها والبالغ 30673 هكتاراً لأشجار الزيتون، ومن ثم الكرمة بمساحة 2720 هكتاراً والبقية للحمضيات والإجاص والخوخ والفستق الحلبي والتين والجوز والرمان والدراق وغيرها.
وبالتوقف عند الزيتون فإن الإحصاءات السابقة تشير إلى أن أعداد أشجاره تبلغ 6,4 ملايين شجرة، المثمر منها 5,4 ملايين شجرة، وكان يصل إنتاجها إلى ما بين 65- 75 ألف طن زيتون و10-15 ألف طن زيت، لكن الإنتاج في موسم 2014 قُدّر بنحو 25 ألف طن زيتون و3 آلاف طن زيت، ولا توجد إحصاءات دقيقة لأعداد الأشجار الحالية، ولاسيما أن موجة من عمليات التحطيب طالت العديد من الأشجار وخرج الكثير منها عن الإثمار لقلة مياه الري وتراجع الرعاية.
أما أشجار الكرمة فكان عددها قبل الأزمة 1,7 مليون شجرة جميعها مثمر، وكان إنتاجها أكثر من 50 ألف طن، في حين أنه لموسم 2014 لم يقدّر إلا بنحو 19 ألف طن، وقسم من الأشجار تعرّض للتحطيب وللقطع والاستبدال بأنواع أخرى نظراً للجفاف وقلة مياه الري وارتفاع تكاليف الإنتاج، وفي المقابل فإن زراعة أشجار الرمان أصبحت تتقّدم على حساب أخرى، ولاسيما الكرمة لانخفاض تكاليف الإنتاج وقلة المياه التي يحتاجها الرمان بموازاة إنتاجيته الوافرة، وقد وصل إنتاج الموسم 2014 إلى 2000 طن رمان. أما زراعة محصول التبغ فبلغت نتائج جيدة عام 1992 بمساحة ألفي هكتار، لكنها تراجعت تدريجياً إلى 300 هكتار عام 2012 بنسبة تنفيذ 50% من المخطط، ووفقاً لمصادر شعبة زراعة التبغ في درعا فإن موسم 2012 كان الأخير، إذ لم تعد تزرع بعده أي مساحات بهذا المحصول، وتعود أسباب التوقف عن زراعته لقلة مياه الري السطحية وازدياد تكلفة الإنتاج وقلة اليد العاملة وارتفاع أجورها بمقابل انخفاض سعر الشراء للصنف الذي كان يزرع في درعا وهو البيرلي21، إضافة لصعوبة التنقل والرعاية والخوف من التعديات وقابلية الموسم للاحتراق عند حدوث أي طارئ، ولاسيما في ظل الظروف الراهنة، وتحديداً في طور تجفيف الأوراق.
تعديات على الحراج
يمكن القول:إن التعديات على الحراج طال مساحات كبيرة من الأراضي وذلك بهدف التحطيب والمتاجرة حتى كادت تأتي عليها جميعاً، وهو ما يعدّ تبديداً لثروة وطنية مهمة لا تقدّر فوائدها بأي ثمن.
رئيس دائرة الأحراج قال:إن المساحة الإجمالية للمحافظة تبلغ 373 ألف هكتار، المحرج منها 10624 هكتاراً منها 300 هكتار حراج طبيعية في وادي اليرموك والبقية اصطناعية بإجمالي عدد أشجار 9 ملايين شجرة من أنواع الكينا والصنوبر الثمري والبروتيوالأكاسياوالكازورينا والسرو بأنواعه والبطم ولسان الطير وغيرها، تتوزع فيما يزيد على 130 موقعاً حراجياً، وحالياً لا تتوافر إحصاءات عن الأشجار الباقية، لكن وفقاً للعديد من المصادر فإن القطع الجائر أتى على الكثير من المواقع برمتها، ما ينذر بمخاطر بيئية مستقبلية لا تُحمد عقباها، مع الإشارة إلى أن إنتاج الغراس الحراجية كان يتم في مشتلي إبطع وتل شهاب المتوقفين حالياً عن العمل نتيجة الظروف الراهنة، علماً بأنهما بطاقة إنتاجية سنوية كانت تصل إلى 2 مليون غرسة، ولجهة التعديات تم تنظيم ضبوط حراجية خلال العام الفائت والربع الأول من العام الجاري بعدد بلغ 146 ضبطاً.
أين يكمن الخلل؟
مديرية الزراعة في المحافظة أشارت إلى أن أضراراً كبيرة تكبدها القطاع الزراعي في المحافظة، فمنذ بداية الأحداث زادت على تسعة ونصف المليار ليرة سورية نتيجة ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي وصعوبة وصول الفلاحين والمنتجين إلى حقولهم الزراعية بدءاً من أيام الزراعة وحتى الحصاد في الأعوام الماضية، وقد أدى هذا الأمر إلى حصول خلل في تنفيذ الخطة الإنتاجية الزراعية، إذ خسرت المحافظة مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية ولاسيما في المناطق البعلية، إذ إن السبب الرئيسي في خروج هذه المساحات من الاستثمار يعود بالدرجة الأولى إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي ولاسيما ما يستخدم منها في مجال الري، حيث أدى ارتفاع أسعار المازوت والانقطاع المتكرر للكهرباء إلى إحجام الفلاحين والمنتجين الزراعيين في المحافظة ولاسيما في المنطقة البعلية التي تحتاج إلى المياه بعد تعاقب سنوات الجفاف عن ريّ أراضيهم، إضافة إلى غلاء الأسمدة والأدوية الزراعية.. وهذا ما أكده رئيس دائرة الإنتاج الزراعي في مديرية الزراعة حين قال: إن المحافظة خسرت مساحات كبيرة من الأراضي نتيجة هذه الأسباب؛ فقد جاءت هذا العام على مرحلتين: الأولى كانت بسبب عدم تنفيذ الخطة الزراعية بشكل كامل لعدم إمكانية الوصول إليها. والثانية جاءت بخروج مساحات كبيرة من الأراضي التي تمت زراعتها بعدم تقديم الخدمات الزراعية لها والاهتمام بها وعدم إمكانية حصادها في ظل الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة.
ووضحت الزراعة خلال اجتماعاتها المستمرة بالمحافظة أن عدم توافر الأيدي العاملة بسبب الهجرة أو نزوح العديد منها ولاسيما لدى المناطق الزراعية الواقعة في قلب الأزمة والساخنة، كما أن صعوبة نقل المنتجات وارتفاع تكاليفها وعدم الوصول للأرض الزراعية، ساهم إلى حد كبير في انخفاض سعرها بأرض المزرعة وارتفاع أسعارها في مناطق الاستهلاك مع ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وقدرة المزارعين المحدودة على دفع تكاليف الإنتاج مع عدم إمكانية وصول المزارعين لأراضيهم ولاسيما في المناطق الساخنة، هذه التحديات وغيرها دفعت الزراعة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات للتخفيف ما أمكن من وطأتها على الفلاح، منها العمل على تأمين المحروقات، وتسديد جميع مستحقات الفلاحين بغض النظر عن المديونية إضافة إلى إعطاء المرونة الكافية للحصول على التنظيم الزراعي لزوم تنفيذ الخطة والتنسيق مع مديرية الاقتصاد للسماح باستيراد البذار عن طريق مطارات الدول المجاورة.