القادم ليس سهلاً
افتتاحية الأزمنة
الأربعاء، ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٢
تتصاعد الأحداث على المحاور كافة، بدءاً من الاجتماعي، مروراً بالاقتصادي والسياسي، وصولاً إلى العسكري، لتستذكر البشرية المعاصرة واقع ما قبل الحرب العالمية الثانية، وتلك الشتاءات القاسية والمثلجة جداً، وما حملته معها من نتائج سلبية، خلّفت الآثام، وتركت بعدها شعاراً خطيراً أطلق عليه الحرب الباردة، التي تتلاعب تحتها السلطات العالمية، لعبة البقاء عبر القوة والسيطرة والتحكم بمصائر الشعوب.
الرئيس بوتين يؤكد حساباته في أوكرانيا، الرئيس بايدن يعيد بين تايوان وأوكرانيا والشرق الأوسط حساباته، الرئيس شي جين يستفيد من جميع الحسابات، قادة الدول الأخرى تتابع، فمنهم من ينتظر، ومنهم من يحصّن، ومنهم الخائف على مصيره، وبين كل ذلك تزحف شعوب الأرض نحو شتاء لا تدري كيف سيكون، عاصفاً ماطراً مثلجاً عنيفاً، يقضي على آثار الحرب، أم بارداً قارصاً ينهي حياة كثير من الشعوب باستمرار ظروفه، المهم أنهم يحلمون بالوصول إلى ربيع مختلف، وخوفهم من استمرار هذا الشتاء القادم لعقود آجلة، كل هذا القادم ينشئ سؤالاً مهماً: كيف سنكون ضمن المشهد الذي يبدو مظلماً؟ وكيف سنحيا مع اشتداد البرودة والتضخم ونقص الوقود والأغذية وجفاف مصادر التمويل؟
السلام العالمي في عين العاصفة، تهدده التدخلات التي تمثلها الدول العظمى، من أجل اقتسام العالم من جديد، وليس للحفاظ على المكاسب فقط، بل لزيادة هذه المكاسب، وأهم هذه التدخلات جسدتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تزيد من ظهور التطرف والتشدد والويلات والرعب والحروب في جميع دول العالم من دون استثناء، ومع أن الأمريكي يصرح دائماً بأنه لا يريد الحرب، إلا أنك تجد له يداً في كل حرب ومع أي خلاف أو ضمن أي تفاوض.
دققوا في الذي أخطُّه، أَجْلَت أمريكا من أفغانستان مئتي قطة على عجل، وتركت الآلاف من مؤيديها رجالاً ونساءً عرضة للقتل أو تحضُّراً للاقتتال، جميع الحروب تحمل لغة خفية، ظاهرها الديمقراطية وحقوق الإنسان والوصول إلى الحرية، وما هي إلا من أجل التدخل والهيمنة على اقتصادات دول أو إنشاء صراعات ضد دول، ومثالنا ما حدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا الوسطى وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.
لاحظوا.. ما من مكان إلا وتشكلت فيه بؤرة للصراع، ونتائجه الموت والدمار والخراب واللهاث من أجل الإصلاح، أي إن حصول التقدم يكون بعده حرب والعودة إلى التخلف أو البدء من جديد، ما هذا الطبع البشري؟! جميع سكان دول العالم أصبحوا مرضى، لأن العلّات تكاثرت على أجسادهم، وتضافرت الآلام والعذابات على أفكارهم ودولهم، فإلى من يلجؤون؟ إلى القدر الذي أحترمه، أم إلى ما يسمى الدول العظمى التي ترأسها الولايات المتحدة الأمريكية؟ هذه التي أخذت دور القدر، وبدأت تتحدث على أنها ممثلة الإله، فإما أن يخضع الجميع لها، وإما الفوضى حتى ضمن الدول العظمى والكبرى، هذا الذي يراكم الأسئلة، بل يختزلها في سؤال: قدر الدول بيد من؟ وكيف ستتقوى مناعة الشعوب كي لا تصل إلى اليأس، أو تختار القتل والعنف، وتفضله على البناء والتقدم والتطور.
لا شك في أن الحالة العالمية متردية لدرجة هائلة سياسياً واقتصادياً وقانونياً، وحياة البشرية غدت بحاجة إلى علاج وعمليات قيصرية، فلم يعد للتحاميل فاعلية الشفاء من الأسفل بعد اعتماد مبدأ «مونرو»، الذي يؤيد تدخل أمريكا في شؤون الدول الأخرى من الأسفل، أي الاشتغال على قواعدها البشرية وزعزعة وجودها، كما حصل في الربيع العربي الدموي، والذي يقرأ كتاب عالمة السياسة الأمريكية «ليندسي أوروك» تغيير النظام الخفي «الحرب الباردة السرية لأمريكا» يجد أنه من عام 1947 إلى عام 1989 نفذت الولايات المتحدة الأمريكية 64 عملية تخريبية، قلبت أنظمة، وخربت اقتصادات دول، وأنجزت حروباً أهلية، وإذا تابعنا بعد ذلك نجد أن التخريب فاق هذا الرقم بكثير، وغدا أكثر من واضح لما يجري وكيف يجري، ما شكّل جروحاً عميقة وأحزاناً لا تنتهي لدى الشعوب كافة، التي انحسر الأمل لديها إلى درجات مقلقة، وتريد إعادة الثقة بالنظام العالمي، قديماً كان أم جديداً، المهم أنها تريد العيش بعد أن كان حلمها الوصول إلى الحياة.
شتاء قاسٍ قادم، وربما يماثله ما بعده نتاج صراع المصالح، تدفع الشعوب أثمانه، وتنافسات جيوسياسية بين الدول العظمى والدول التي تبحث عن الوصول لمرتبة الكبرى، أتونه الدول الباحثة عن الاستقرار، لكن هذا يرينا أن هذا الصراع الظاهر الخفي لن يكون بينهم مباشرة، ولن يهدأ، لأنه يحتاج إلى صراعات تكون بالوكالة، حيث لن تكون هناك مواجهات كبرى، بل مواجهات تكتيكية، تنهك شعوب العالم الثالث، وتزيد من ثروات الدول العظمى والكبرى، الضحية في كل ذلك الشعوب التي تلهث من أجل بقائها، فهي وصلت إلى الحد الأدنى من درجات العيش، وتتمسك بخيوط أمل قادم خوفاً من السقوط إلى العالم الآخر.
د.نبيل طعمة