الكارثة والزلزال الأخلاقي

الكارثة والزلزال الأخلاقي

تحليل وآراء

الجمعة، ١٠ فبراير ٢٠٢٣

كارثة الزلزال التي ضربت تركيا وسوريا، وأودت حتى الآن بحياة أكثر من 16 ألف ضحية وأضعافهم من الجرحى والمشرّدين، وما زال عدّاد الضحايا في ارتفاع، كشفت معدن الدول والأشخاص، وكيف تكون السياسة في خدمة الأخلاق والإنسانية، وكيف تكون السياسة معدومة الدسم وخالية من الضمير الإنساني وتمارَس وفق شهوة الحقد والضغينة.
أمامنا نموذجان في مواجهة لحظات المصيبة العظيمة، وهي أشبه بالجلجلة، يكشفان حقيقة الدول. النموذج الأول يفضح مآل البشرية في ظل عتي وفظاظة الدول التي ترفع رايات الحرية والعدالة، وتتعمد تزييفهما في الممارسة، والنموذج الثاني تترجمه دول أخرى ترى في العمل الإنساني والأخلاقي نهجاً تمارسه يومياً باعتباره ديدن وجودها.
هذا النموذج الثاني تمثّله دولة الإمارات التي تقف على رأس الدول التي ترى في العمل الإنساني فريضة سياسية وأخلاقية، باعتباره جزءاً من ميراث طويل جسّده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، حيث هبّت منذ اللحظة الأولى لوقوع الكارثة لتقديم واجب العون والمساعدة من خلال جسر جوي يومي إلى كلا البلدين، إضافة إلى تقديم دعم مادي ب100 مليون دولار لمساعدة المنكوبين في المأكل والملبس والإيواء وتضميد الجراح.
هذا موقف يعبّر عن نبل وشهامة وروح متوثّبة لخدمة الإنسان، بمعزل عن أي موقف سياسي، فكيف إذا كان من حلّت بهم النكبة أشقاء وأصدقاء.
في المقلب الآخر، هناك سوريا الشقيقة التي تواجه مثلها مثل تركيا تداعيات الزلزال المدمر، لكنها أقل حيلة وقدرة على مواجهة الأعباء، نظراً لتعرّضها على مدى 12 عاماً لأبشع مؤامرة شاركت فيها دول ومنظمات إرهابية، وأدّت إلى ما أدت إليه من دمار طال بنيتها التحتية وقدراتها البشرية، وأضعف وحدتها الوطنية، وزاد عليها حصار غربي ظالم وعقوبات اقتصادية أنهكت الشعب السوري الذي بات يئن من وطأتها، ويقف الآن في مواجهة الكارثة ولا يجد حوله إلا الأشقاء والأصدقاء الشرفاء، الذين تجاوزوا محاذير العقوبات «القيصرية»، باعتبار أن الواجب الإنساني والأخلاقي يفرض مواقف تليق بالكرامة الإنسانية.
ومن أسف، فإن الزلزال الطبيعي الذي ضرب سوريا، كانت ارتداداته زلزالاً سياسياً وأخلاقياً ضرب صميم الحضارة الغربية، ونال من كل المُثل والقيم التي تدّعيها الدول الغربية، ومنها خصوصاً الولايات المتحدة التي تقود عملية الحصار والعقوبات.
فالكارثة بحجمها المهول كان يمكن أن توقظ ضمير العالم الغربي فيبادر إلى رفع العقوبات والحصار، ويمدّ يد العون والمساعدة فوراً؛ لا أن «يتلطى» وراء مبررات العمل من خلال المنظمات المدنية، ويمارس الضغوط على بعض الدول كي لا تتجاوز حدود الحصار والعقوبات.
إنه موقف مشين ولا يليق بدول ترى في نفسها أنها تمثّل قيماً حضارية وإنسانية، بينما تمارس نهجاً حاقداً ومتوحّشاً بحق الإنسان.