المجازر تنجز حلاً
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ١٤ نوفمبر ٢٠٢٣
لكنها توصم فاعليها بالعار وتدخلهم سجلات اللا أخلاق، انهارت إسرائيل خلال ساعات، حقيقة واقعة، لا يمكن لأحد إنكارها، حتى قادتها يعترفون بأن ما حصل كارثة تفاصيلها خسائر سياسية واقتصادية وعسكرية، وأهمها النفسية الاجتماعية، وقد أحدثت هذه النتائج خوفاً وهلعاً وهجرة في الداخل الإسرائيلي إضافة إلى الخارج؛ أي في رحلة عودة إلى الأوطان الأم، بشكل معاكس لأول مرة، إضافة إلى آلاف القتلى والجرحى ومئات الأسرى ودمار في كل المدن الإسرائيلية، حتى وإن كان جزئياً ، وفي المستوطنات والكيبوتسات (التي تعني التجمعات الإنتاجية الصغيرة) كل شيء تحول في إسرائيل إلى رعب، فظهرت بكل إمكانياتها دولة هشة قابلة للزوال بأسرع من المتوقع، نتاج المباغتة العلمية الدقيقة، رغم خفة السلاح، إذاً حدثت الصدمة غير المتوقعة، وانتفض الغرب انتصاراً لهذه الدولة، كما انتفض لها قبل خمسين عاماً، أثناء حرب تشرين التحريرية، حينها أنشأ جسوراً متصلة مَرّر من خلالها لإسرائيل أحدث الأسلحة، وها هو اليوم يستحضر بوارجه العاتية وجنرالاته وجنوده، ويقدم كل هذا الدعم والرعاية، التي لم يقدمها حتى لشعوبه، إلى هذه الزمرة الصهيونية انتصاراً للدولة اليهودية، وقد حضر جميع الغرب معلنين على لسان وزير خارجية الولايات المتحدة "بلينكن" يهوديتهم، الرئيس الأمريكي بايدن، وسوناك ذي الأصول "الآسيوية" رئيس وزراء بريطانيا، وماكرون رئيس فرنسا، والمستشار الألماني أولاف شولتس، كما أنه لم يبق أحد من الغرب إلا وأكد على وجوب تقديم الدعم لإسرائيل، وكل هذا من أجل رد الاعتبار لهذا الكيان، فالصدمة مستمرة، أما الرد الإسرائيلي على ما حدث فكان بالمجازر التي ذهب ضحيتها آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، وآلاف مؤلفة من الجرحى والمهجرين، واستمرارها واستنادها لمنظومة التوراة والتلمود الأورشليمي والبابلي وبروتوكولات حكماء صهيون وزعماء عصابات (الهاشومير، شتيرن، والهاغاناه، والأرغون) وغيرها من الذين عملوا على إبادة وطرد وتشريد وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه؛ أي عبر المجازر التي بنى على أطلالها دولة إسرائيل وظهوره محله بناء على معتقداتهم الدينية التي تصوروا فيها الوعد الإلهي بأرض سورية "الكتلة التاريخية"، ساعدهم في ذلك الوعد البلفوري عام 1917 والاحتلال البريطاني لفلسطين الذي سلمهم هذه الأرض، كبداية، على حساب الشعب الفلسطيني، وغطى مجازرهم في حينها وصولاً لإقامة دولتهم اليهودية الصهيونية الإسرائيلية.
"إسرائيل ياكوف يعقوب" مملكة يعقوب بالفكر التاريخي المسكوت عنه، أي المحرم في المقدس صاحب نظرية (أبيدو حرثهم ونسلهم وحجرهم وشجرهم وشيوخهم وأطفالهم ونساءهم، لا تبقوا ولا تذروا منهم أحداً) وذلك أثناء هجومه على مملكة حمور صاحب نظرية (الأرض مقابل السلام) وهذا موجود في مقدساتهم (التوراة والتلمود) دققوا وابحثوا، رغم أني أفصل بين يعقوب النبي وأبنائه الأثنى عشر "الأسباط" كونهم من سلالة (أبرام أبراهام إبراهيم) الذين حضروا من بابل تحت اسم العبرانيين، حيث عبروا الفرات والصحراء وحتى النيل، كون يوسف النبي حكم في مصر من أبناء يعقوب، وبين موسى النبي الذي ولد وعاش في مصر وناهض الفرعون وخرج مع مؤيديه، حيث تاه في سيناء لأربعين عاماً، وولد اثناءها اسم اليهود نتاج التيه، ويهود تعني في العربية يتوب ويرجع إلى ربه، وفي سفر التيه هودوا إلى إلهكم، هذا من بحثي التخصصي في عالمي العبرانيين واليهود، أوردت منه جزئية كي نحدث مقارنة تاريخية، فهم جمعوا الأسطورة والخيال إلى المقدس، وحولوا كل ذلك إلى وقائع على أرض فلسطين، وتبنوا فكرة صهيون ،الهيكل المزعوم، وقدموها على شكل حقائق اعتنقها الغرب كفلسفة سياسية ومنهج عقائدي ينتصر لليهود، إسرائيل في الظاهر بشكل شبه كامل، لكنهم جسدوها في قيامة إسرائيل التي تحقق مصالحه وأهدافه، لذلك نجده يدعمها بكل قواه.
مؤكد أن المجازر، مهما بلغت، لا ترد الاعتبار ولا تحمل فخار الانتصار ولا تنفي الحقائق، مهما حاولوا تغييبها، مثلها مثل النفاق والخطيئة اللتين، ومهما امتدتا، لا بد من انكشافهما وصولاً للحقيقة، الأمريكي، عبر المجازر، أقام دولته العظمى بعد أن محا شعباً بأكمله وحل مكانه، لكن بقاياه مازالت تتناقل آثار تلك الجرائم حتى الآن، وهذا ما يتشابه مع معاناة الشعب الفلسطيني الذي يسعى الإسرائيلي بمجازره منعه من الوصول إلى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، هذه وحدها هي التي تحقق للإسرائيلي الأمريكي الأوروبي، ولكل مناصريه، منطق الحياة الإنساني، وبدون الوصول لهذا ستبقى المقاومة حقاً مشروعاً لكل الشعوب تناهض الاحتلال والاعتداء والعنصرية، ولنفترض أن الأورو أمريكي الإسرائيلي انتصر في غزة وسيطر على مقاومتها، عبر المجازر والتدمير الهائل فما الذي سيجري؟ هنا يجب عليهم ان يؤمنوا بأن المقاومة جين فلسطيني وعربي وعالمي سيتوالد وتتواصل مقاومته لأنه سينجب أجيالاً من المقاومين وأجيالاً من المتشددين وأجيالاً من المتطرفين، فهل يدرك ذلك الغرب، وعلى رأسه الأمريكي الصهيوني الإسرائيلي الذي استخدم الوحشية النازية للبقاء، كما هم مستمرون، على تلال من جماجم الضحايا الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال، من الهنود الحمر ومن الفلسطينيين، إذا كانوا كذلك فالمجازر تنجز حلاً.
د. نبيل طعمة