المخرج والممثل والسيناريو
افتتاحية الأزمنة
الأربعاء، ٢٠ أبريل ٢٠٢٢
ثلاثية تفرضها ضرورة إنجاز أي عمل درامي أو كوميدي، فيلم سينمائي أو مسرحية تجتمع أبعادها ضمن أمكنة افتراضية أو واقعية بمساعدة كمٍّ تخصصي يصل بها أو بنتائجها إلى المشاهدين الذين يحكمون على الفكرة ومنجزيها، لكن الأهم من يؤدي الأدوار، وبشكل خاص دور البطولة، أي النجم، وليس من الضروري حضور كاتب النص في مكان العمليات، إنما لوجود الممثل ضرورة قصوى، والمخرج يكون بعيداً عنه، يتابع الأداء وجودة تنفيذ المطلوب منه.
إذاً الكلّ يكون في خدمة الممثل، الذي كثيراً ما يكون على خلاف مع ما يؤديه، ولكنه يلبس الدور أو يلعبه، وكلما كان أداؤه جيداً لقي الاستحسان والتفاعل والاهتمام والتصفيق، وإذا فشل أُبعد ونال الاستهجان والتوبيخ، وربما يفقد الفرص أو يستبعد عنها، وإذا عدنا إلى الممثل وبقينا في فلكه نجده يلبس دوره، وما إن ينتهي حتى يخلعه، ويعود إلى شخصيته التي كان عليها، ولم نشهد ممثلاً تقمّص دوراً وبقي عليه فهو يبكي وجوهره يضحك، والعكس صحيح، فلا تعرف جديّته من هزليّته، باستثناء المخرج.
الذي دفعني لأخطّ هذا العنوان هو الحاصل الآن في أوكرايينا، لأن الممثل الوحيد الذي لبس دور رئيس الدولة الأوكرانية هو زيلنسكي الممثل الأوكراني، وأكثر البشرية تابعت مقاطع من ذاك العمل الكوميدي المخرج الهوليوودي، حيث أعجبته الفكرة وأصرَّ على تحويله، بل استمراره في أداء دوره، ولكن بشكل رسمي، فقلب الطاولة على رؤوس أصحابها، ورسم لهذه الشخصية الكوميدية دوراً رئيساً فيها، ونصبه رئيساً على أوكرايينا لغايات في نفس يعقوب، وهو أي الممثل في ذات العقيدة اليعقوبية وحاقد في أعماقه على روسيا الاتحادية، رغم أنه حمل لغتها، وتقول خادمة منزله: إنه احتاج إلى زمن من أجل أن يجيد اللغة الأوكرانية.
قد يقول قائل: إن هناك ممثلاً وصل إلى سدة الحكم، وأقول أجل، في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الرئيس «ريغان» 1981- 1989، ممثل كاوبوي من الدرجة الثالثة، لكن اختياره كان بقرار سياسي ضمن دولته، ولم ينجح في أدواره التمثيلية، لكنه أثبت دوره في وجوده، والفارق كرئيس لدولة عظمى أن اختيار زيلنسكي حمل أهدافاً خبيثة وإستراتيجية، وهُيِّئت له كل ظروف النجاح لتنفيذ مخططات المخرج الأمريكي وكاتب السيناريو في الدولة العميقة لديه، ودعم موقفه بكومبارس أكثر من نوعي، محيطه من الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي، التي أدخلت في منظومة النيتو عنوة، من خلال الترغيب والترهيب، وخلفها تقف منظومة الدول الأوروبية الغربية؛ فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، زيلنسكي الممثل اعتبر رأس حربه أمريكا في أوروبا، والهدف روسيا الاتحادية منذ وصوله في 20 أيار 2019 بعد نجاح مسلسله الذي حمل عنوان «خادم الشعب»؛ أي خادم أمريكا، حيث قام بدور رئيس أوكرايينا، والذي قيل عند نجاحه إنه وصل إلى الرئاسة بمحض المصادفة، هل يعقل؟
لنتابع كيف علّق الرئيس السابق لأوكرايينا بيترو بوروشينكو على حملة زيلنسكي: «إن الولاية الرئاسية من خمس سنوات ليست مسرحية هزلية يمكننا تجاوزها إذا لم تكن مضحكة، وليست أيضاً فيلم رعب يسهل إيقافه»، وأضاف: «أريد أن أذكّر الجميع أن الأمر لا يتعلّق بمزحة، إنها انتخابات تتعلق بمنصب القائد الأعلى».
نعم لنعترف أن الغرب بقيادة أمريكا اخترق روسيا الاتحادية في أوكرايينا، وثبت أنهم اشتغلوا على الشعب الأوكراييني، وهيَّؤوه لإيصال زيلنسكي الذي بُرمج بشكل دقيق، وفتحوا له أبواب العالم من أجل نجاحه، ها هو يتحدث لبرلمانات العالم، ويستقبل من يريد من رؤساء الدول في كييف، ويتحدث صباح مساء مع قادة العالم بصلف وعنجهية بلباسه العسكري البسيط، الذي حاول وضع إشارة الصليب على كنزته العسكرية، هل انتبه أحد إلى هذا؟ ولماذا سرعان ما عاد إلى وضعه من دونها؟ هل سأل أحدكم لماذا هو مستمر هو ومن معه؟ هل لأنه مع رئيس وزرائه وكثير من الوزراء من الديانة اليهودية، وأن الصهيونية العالمية مع الدولة العميقة في أمريكا وبريطانيا يحمونه بقوة وهو يمثل دوره، ويمثل رأس حربتهم في مواجهة روسيا الاتحادية التي تكنُّ لها الصهيونية التاريخية حقداً خفياً، بسبب ما فعلته روسيا القيصرية باليهود؟
صحيح أن أرض كوكبنا مسرح كبير، وأن كل إنسان يحيا عليها له دوره، إلا أن دور زيلنسكي غدا لافتاً للنظر، وعلى المهتمين بالسلم والسلام العالمي التوقف عنده ودراسته، وأقول: إنه حتى الآن ممثل ناجح من خلال ما أعده المخرج له، والسيناريو يسير كما يريدون، والروسي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن يكشف هذه الثلاثية بانتصاره عليهم.
د.نبيل طعمة