المرتزقة وحكم العالم
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٢٥ يوليو ٢٠٢٣
حلم كبير زرعته الولايات المتحدة الأمريكية في أفكار أشخاص جندتهم، صنّعتهم وغذّتهم حتى امتلأت أدمغتهم بظنون أنهم قادة قادرون على حكم ـ ليس بلدانهم فقط ـ بل العالم، بدأ هذا في أفغانستان، هناك ظهر بن لادن كزعيم لمنظومة ما عُرف "بالقاعدة" بعد أن جهزته بالعديد والعتاد وحمّلته أفكار التشدد والتطرف الإسلامي، وأن عليه ومن معه القيام بطرد السوفييت "الكفرة" الذين لا يؤمنون لا بالله ولا بكتبه ولا برسله، ويستندون إلى نظريتي الصدفة في الخلق والجدلية المادية "الديالكتيك" وقفت خلفهم، غذت أفكارهم، جيشت لهم قوى إسلامية كبيرة ونجحت في قلب النظام في أفغانستان وعاد الاتحاد السوفييتي إلى حدوده، هذا الذي فُرِط عقدُه بوصول غورباتشوف إلى زعامة الحزب الشيوعي منتصف ثمانينيات القرن الماضي وجسد نهاية الحكم الشيوعي باستلامه رئاسة الدولة في عام 1990،ثم سلمها بدوره لرئيس مغتر عاشق لشرب الفودكا والنساء في عام 1991، ومع هذا الأخير عادت وظهرت روسيا الاتحادية التي أوصلها إلى الحضيض (طبعاً الرئيس يلتسين) من عام 1991 حتى 1999، ليستلم منه رجل قوي قدم من فهم عميق لأهمية روسيا الاتحادية ولما تملكه من تاريخ وعظمة، استلم الرئيس فلاديمير بوتين في 1/1/ 2000 رئاسة روسيا الاتحادية بالوكالة وقبض على مفاصل الدولة التي حولها بسرعة إلى قوة عظمى وألبسها حضورها وأعاد لها هيبتها التي تليق بها محدثاً لها استقراراً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً ومن ثم حضوراً.
على كل الصعد كان الرئيس بوتين مثالياً وخصوصاً بالنسبة للغرب، وقدوة لباقي شعوب العالم الساعية للتحرر من نظام الهيمنة الأورو أمريكي، إلى أن استحضروا لأوكرايينا زيلنسكي رئيساً لينقلب كل شيء رأساً على عقب ولتبدأ معه حرب بلا هوادة، وكذلك كان الرئيس الأسد شخصية مقدرة ومحترمة بالنسبة للغرب الذي فتح له أبواب روما وباريس ولندن وبرلين معتقدين أنه متوافق مع نهجهم وأنهم قادرون على تنفيذ مناهجهم من خلاله وجره في مشاريعهم، وسرعان ما خاب ظنهم وظهر أن كل من يخالفهم يُشَيطن وتقع عليه العقوبات الجائرة ويحاصر بالعقوبات والمنع وحتى التدخل السياسي والعسكري، وهذا ما صنعوه في الشرق الأوسط عبر خلق المرتزقة، كان هذا على مرحلتين الأولى من عام 1975 حتى 1990 (الأخوان السياسي وبن لادن) والمرحلة الثانية منذ عام 2010وحتى اللحظة (الأخوان السياسي والبغدادي والجولاني) بهدف تدمير سورية، القوة الوحيدة الباقية في وجههم، والقضاء على ما تبقى من العراق، فهيؤوا له كل الظروف بغاية تدمير البلدين، نجحوا إلى حد ما في تشكيل إمارة إسلامية تحت مسمى"ISIS" داعش، إمارة الشام والعراق، إلى أن قتله ترامب عام2019 في عملية استعراضية، كما حدث عندما قتل أوباما قبله بن لادن في 2011، وتتوالى عمليات استحضار المرتزقة وصولاً إلى بريغوجين طباخ بوتين الذي أصبح قائد مجموعة وقوات فاغنر، وليس انتهاء بحميدتي في السودان وكذلك مرتزقة ليبيا والمعارك الطاحنة في هذين البلدين، والسؤال الذي لا يتنازل عنه الذهن الإنساني: لماذا كل هذا؟ ومن أجل ماذا؟ روسيا المستقرة وسورية الآمنة ومعها العديد من الدول العربية والعالمية كانت تسير بهدوء وأمان، لماذا أُريد خراب الاستقرار وضرب السلام في هذه الدول وتحويل كل ذلك إلى دمار واضطراب والإعادة إلى نقطة الصفر؟ لا شك في أنه استعراض مستمر لقوة الغرب الذي يستخدم المليشيات الدينية والأيديولوجيا لقلب الأنظمة أو إحداث الخلل في بنيانها وتوجيه الرسائل بغاية الحفاظ على هيمنته، أو أخذ الحصة الأكبر من كعكة أي بلد، والبحث المستمر عن المرتزقة.
دققوا في واقعنا المعاصر وعندها ستجدون حجم الصراعات بين النظم السياسية وقواها العسكرية والأمنية النظامية وبين الميليشيات، أياً كانت مسمياتها (مخدرات، فساد، غسيل أموال، تطرف ديني أو سياسي، مافيات) أو بين الحالمين في الوصول إلى السلطة هذه التي تنتشر في معظم الدول المناهضة لفكر أمريكا وأوروبا والصهيونية العالمية؛ هذا الثلاثي المؤتلف والمتناقض في آن يهيمن على ثروات العالم وقدراته من خلال رسم صورة "البعبع" وبطولات هوليود، تراهم داعمين أي خلل في أي مكان في العالم، فإذا لم يصنعوا الخلل تراهم يديرونه وفي الوقت نفسه يمنعون أي حل إن لم يكن وفق إرادتهم.
د. نبيل طعمة