المطالبات بإقالة بولتون… هل يأخذها ترامب بالاعتبار؟

المطالبات بإقالة بولتون… هل يأخذها ترامب بالاعتبار؟

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٧ يوليو ٢٠١٩

“وداعاً بولتون؟” كان هذا عنوان مقال بروفسور السياسات الدولية في كلّيّة فلتشر للقانون والديبلوماسية التابعة لجامعة “تافتس” دانيال دريزنر في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في 30 أيار الماضي.
“الوداع الطويل لجون بولتون”. عنوان مقال آخر للمسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزيّة والمحقّق السابق مع لجنة الشؤون الخارجيّة في مجلس الشيوخ جون كيرياكو في موقع “كونسورتيوم” الأميركيّ في 12 حزيران الماضي.
ليس سرّاً أنّ عدداً لا بأس به من الأميركيّين وغير الأميركيّين مستعجل لرحيل مستشار ترامب لشؤون الأمن القوميّ جون بولتون بسبب دفعه واشنطن إلى حروب خارجيّة بحسب رأيهم. من هنا، لا تخلو مقالات الرأي في الولايات المتّحدة من المطالبات المتكرّرة للرئيس الأميركيّ كي يقيل بولتون. الكاتب السياسي تايلر بيلستروم كتب في 22 حزيران مقالاً نشره موقع “الجمهوريّة الجديدة” تحت عنوان: “اُطرد جون بولتون”.
تأخّر حتى وجد ضالّته
بطبيعة الحال، كان شهرا أيار وحزيران الأشدّ توتّراً في الخليج العربي. ومع وصول الولايات المتّحدة إلى حافّة الاصطدام مع إيران اندفع نقّاد بولتون إلى تكرار مطالباتهم للرئيس الأميركيّ كي يتّخذ هذه الخطوة. بين المطالبات برحيل بولتون والتحليلات التي تتحدّث عن قرب إقالته، تثار التساؤلات عمّا إذا كان ترامب في هذا الوارد.
قد يكون من أسهل الأمور على المراقبين تكوين فكرة عن الاختلافات النظريّة بين ترامب وبولتون. فالأوّل مرتاب من الحروب الأميركيّة “التي لا تنتهي”، فيما يرى الثاني أنّها جزء من الوسائل الضروريّة أحياناً للحفاظ على الزعامة الأميركيّة حول العالم.
في بداية عهده، لم تكن فكرة إدخال بولتون إلى الإدارة واردة في ذهن ترامب. لكن شاءت الظروف بعدها أن يحتاج “رجل الأعمال” إلى خدمات “المحارب”. فقد استُفزّ الأوّل من اتّفاق نوويّ “فاشل” ولم يكن يجد في محيطه من يؤيّد قراره بالانسحاب منه حتى وجد ضالته في بولتون الذي شجّعه على هذه الخطوة مراراً.
عودٌ على بدء؟
يبدو أنّ الاختلاف في وجهات النظر سرعان ما عاود الظهور بعد الخروج من الاتّفاق النوويّ. فالرئيس الأميركيّ يرى هذا القرار خطوة تمهيديّة للوصول إلى اتّفاق أفضل مع إيران، بينما ينظر بولتون إلى الانسحاب وتداعياته كفرصة لإقناع ترامب بأنّه “لا يمكن إصلاح سلوك” طهران وأنّ الحلّ الوحيد هو إطاحة نظامها. ومن غير المفاجئ ألّا ينحصر الخلاف الكبير في وجهات النظر الفكريّة بين الرجلين حول السياسة الخارجيّة الإيرانيّة.
نقلت “واشنطن بوست” أوائل أيّار عن مصادرها أنّ ترامب انتقد بولتون بشكل مركّز بعد فشل تغيير نظام الرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا وانتقد أيضاً موقفه التدخّلي في المستنقعات الخارجيّة. وكان بولتون قد شبّه سلوك كوريا الشماليّة في أيار 2018 بسلوك ليبيا في عهد معمّر القذافي الأمر الذي هدّد بإلغاء القمّة الأولى بين ترامب وكيم.
يدرك الرئيس الأميركي توجّهات مستشاره الأساسيّة كما يدرك الانتقادات التي يوجّهها إليه جزء من جمهوره. ومع ذلك يدافع ترامب عن مستشاره مع إطلاق رسائل تطمينيّة. في 22 حزيران، أعرب ترامب عن ثقته ببولتون حين سأله مراسلون عن ذلك. واعترف بأنّه يخالف مرّات كثيرة وجهات نظر بولتون مضيفاً أنّه “يقوم بعمل جيّد جداً لكنّه يتّخذ موقفاً قاسياً عموماً”. ولفت ترامب نظر المراسلين حينها إلى أنّ القرارات الأخيرة تعود إليه.
“أعتقد أنّ أيّامه معدودة”
بالنسبة إلى المسؤول السابق في “سي آي أي” جون كيرياكو، “حان وقت جون بولتون كي يجد نفسه في الزاوية. أعتقد أنّ أيّامه كمستشار لشؤون الأمن القوميّ معدودة”. كتب كيرياكو أنّه شخصيّاً ليس فريداً من نوعه على مستوى صداقاته مع سياسيّين مختلفين في واشنطن من ضمنهم مسؤولون في البيت الأبيض، وما يقولونه له سرّاً هو نفس ما يقوله آخرون للصحافة المحافظة: “البيت الأبيض، وخصوصاً مجلس الأمن القوميّ، واقعان في الفوضى. وبولتون سيُطرد قريباً”. وذكر أنّ كبير موظّفي البيت الأبيض ميك مولفاني بدأ سرّاً اجتماعات غير رسميّة مع حوالي ستّة بدلاء محتملين لبولتون.
لكن بعد يومين، أوضح كيرياكو لشبكة “روسيا اليوم” أنّ قرار طرد بولتون “ليس قراراً منجزاً بالتأكيد”، لكنّه علم من خلال محادثاته مع مسؤولين في الأمن القوميّ من “المستوى المتوسّط” أنّه يتمّ “الحديث” عن طرده. إنّ مرور ثلاثة أسابيع على مقاله غير كافٍ لنقض توقّعات كيرياكو. لكنّ اعتقاده الجازم بطرد بولتون يواجه تحدّياً جدّيّاً.
مهما تكن نظرة قسم كبير من مناهضي الحروب الخارجيّة بمن فيهم نظرة قسم وازن من مؤيّدي ترامب تجاه بولتون، فقد يحتفظ الرئيس الأميركيّ بحسابات مختلفة عن جمهوره. بطبيعة الحال، لن يكون ترامب بحاجة إلى كثير من النصائح حول ضرورة عدم انخراطه في حرب مع الإيرانيّين لرفع حظوظ الفوز بولاية ثانية. لكنّ الانتصار في تشرين الثاني 2020 لا يستلزم فقط عدم شنّ حرب أخرى، بل الحفاظ أيضاً على استقرار الإدارة. لذلك، في وقت يرغب بعض المحلّلين في رحيل بولتون عن الإدارة، يُبقي آخرون على نظرة أكثر واقعيّة في الأشهر المقبلة ومنهم دريزر الذي شكّك في “الواشنطن بوست” بمغادرة بولتون الإدارة قريباً.
 
حسابات القبطان دقيقة
 
رأى دريزنر أنّ ترامب، وفي حال إقالة بولتون، لن يقدّم صورة الرئيس القادر على قيادة إدارته بطريقة سلسة خصوصاً أنّ بولتون سيكون المستشار الثالث الذي يغادر هذا المنصب خلال سنتين ونصف من هذه الولاية. كذلك لا يريد ترامب الدخول للمرّة الرابعة في مسار البحث عن الشخص المناسب. بتعبير آخر، “إنّ تردّد ترامب في أن يُنظر إليه كقبطان سفينة فوضويّة سيجعله أكثر تردّداً في طرد بولتون”.
 
إذا كانت قيادة السفن التجاريّة في مضيق هرمز قد باتت بحاجة لمزيد من الحذر في الآونة الأخيرة، فإنّ قيادة سفينة ترامب نحو الانتخابات المقبلة باتت أيضاً تستلزم حذراً من نوع خاص. إدارة الدفّة بقوّةٍ صوب الحرب، أو على العكس، صوب التخلّص من “دعاة الحرب”، قد لا توصل القبطان إلى برّ الولاية الثانية.
النهار