المواطن والموظف
افتتاحية الأزمنة
الأربعاء، ١ يونيو ٢٠٢٢
علاقة ضرورية، بل حتمية في تكوين الدول، صممت من أجل تنظيم العمل وتحقيق العدالة والمساواة والاحترام المتبادل، وهذا يحتاج إلى تطوير ثقافة هذه العلاقة ومنحها دينامية نوعية، من خلال تطوير القوانين الناظمة التي تهيئ لمفردات التسامح الأخلاقي بشق طريقها قدماً نحو الأمام، والمطالب الآن من أجل تعزيز الوعي بشأن العلاقة أولاً بين العاملين في الوظائف العامة، وثانياً مع المواطن الذي يجب رفع ثقافته وإيمانه بخدماتها عبر موظفيها بغاية الوصول إلى الدولة العصرية التي تتبادل الخدمات والواجبات والحقوق مع مواطنيها، وتحويل الاهتمام بها، لتكون العلاقة أكثر من عملية فقط إلى ودية بين الطرفين، وأن تكون محكومة بمقدار الاحترام والتقدير، وأن الحصن الذي يضبط هذه العلاقة هو الثقافة الاجتماعية والالتزام بالقوانين والأنظمة المرعية.
الموظف العام أولاً وأخيراً مواطن مكلف بوظيفة تخصصية ضمن منظومة الدولة الوطنية؛ إدارية، مالية، شرطية، أمنية، خدمية، ولها مراتبها وتراتبيتها، وهو مُحمل على أن يؤديها بكل أمانة ونزاهة وشرف تجاه المواطن والدولة بالتساوي، أي يحفظ حقوق الطرفين، إضافة إلى احترام سلوكيات العلاقة وأدبياتها.
وهنا أقول: إن الثقافة والقانون ينبغي أن يسودا بين المواطن والموظف العام، كما يجب ألا تبلغ التجاوزات على بعضهما حدود الظاهرة التي أخذت طريقها في الظهور ضمن مجتمعنا، وعلاج هذه القضية يكون بتكثيف التوعية بأهمية دور الموظف في حياتنا اليومية مع مراعاة تطوير الدخل الاقتصادي لكل مهنة ووظيفة، وعندما تسوء الحالة الاقتصادية نشهد العلاقة العبثية والاضطراب والتعدي في كل المناحي، ولكن هل تكون هذه الحالة مدعاة للإساءة لبعضهما والتفكير بالشكل المقلوب، حيث ينظرون لبعضهم على أنهم مستغلون للدولة ضمن الظروف العامة وهمهم منحصر في أناهم.
أين منظومة القيم الكبرى؟ بالتأكيد هي موجودة، ولم تضمحل، لكنها متعبة ضمن الاستثناء الذي نمر به، فالذي يرى الطيب مغفلاً، والبسيط غبياً، والكريم مستجدياً، والمتسلط حكيماً، ينتهي في أتون الخطيئة لا محالة، لأن الإنسان ومهما بلغ من قوى فهو محكوم بالضعف وضغط الظروف المادية والمعنوية سلباً أو إيجاباً، إضافة إلى احتكامات البيئة المحيطة به وما يجري مع الدولة ومحيطها أيضاً.
المواطن والموظف من يفسد من؟ ومن يُعلي شأن من؟ معادلة وسؤال في آن، تستوجب التوقف عندها، وأيضاً ما مسؤولية الإدارات والرقابة المتابعة لشؤونها؟ من المسؤول عن نجاح العمل الوظيفي أو فشله؟ وعلى الرغم من الظروف الصعبة اقتصادياً وأخلاقياً يظهر الموظف والمواطن حساً قوياً من المقاومة للإغراء والإغواء وصموداً فريداً لمنع الانهيار، ويقفان مع الدولة تقديراً لإدارتها وتعزيزاً لاستمرارها، ما يوجد فرصاً لإعادة تقويم العلاقة بصور أفضل، وبصيغ جديدة، ويتيح للتشريع مساحات ينجز من خلالها قوانين تنظيم هذه العلاقة بشكل جيد وجديد، وتعد العلاقات السلبية بين المواطن والموظف في زمننا طارئة على المجتمعات في هذا الزمن، لأنها امتلكت القسوة بدل اللطف واللين، بحكم صعوبة الموارد وتعقيدات القدرة على الثبات في الجذر الإنساني وندرة الوعي بمفاهيم الوفاء، وفقدت الصداقات أسسها، وتاه التوافق، واختفت الأمانة خلف المصالح الضيقة، أي إن البشر يعيشون انقلاباً على قيمهم ومبادئهم، ولبس سوادهم أقنعة الخداع بكل أشكاله، حتى غدا التناقض أمراً صادماً وفاضحاً.
وهنا أستطيع أن أقول: إننا شعب هبط من ثقافة التنبُّه قبل وقوع الإثم إلى العقاب الجائر بعد وقوعه، أي إننا نتفرج على مسيرة الإثم حتى نهايته، ما أسس في دواخلنا مخزون الخوف المتراكم عبر الزمن، ولم نعد نعرف كيفية التخلص منه، وأنا هنا لا أناقش الخوف الفطري أو الخوف المبرر، لكني أبحث في الخوف من بعضنا، والخوف المندس في عقولنا الممتلئة بالمراوغة والخداع والشك وسوء الظن وعدم الثقة في بعضنا، وحتى في الإله الذي نريد منه كل شيء في آن، وتحولنا إلى امتلاك الأنا المقيتة التي فرطت العقد الاجتماعي، وأساءت لعلاقة المواطن بمن يخدمه أو يديره، وكلما تطورت هذه العلاقة إيجاباً ظهرت جودة الحياة الاجتماعية، وتطورت معها مخرجات الدولة، لأن استقرارها يؤدي إلى اكتشاف الأفضل وتنفيذ الخطط وما يراد الوصول إليه.
قد يبدو أن العنوان الذي اخترته مفاجئاً، إلا أنه واقعي وبعيدٌ من التزلف والتملق، فالغاية النهوض مما نحن فيه، ومن خلال ما وصلنا إليه، فالمواطن والموظف من أعمدة الدولة، بل أهمها، وكلما كانت العلاقة بينهما سلمية، نجحت الدولة، وحققت التطوّر المنشود.
د. نبيل طعمة