الميلاد ورأس السنة
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٢
تزخر الكنائس والكاتدرائيات والمتاحف بعشرات بل مئات اللوحات والأيقونات التي تسجل ميلاد السيد المسيح، حتى عندما حطّم الرسول العربي محمد عليه السلام أصنام قريش، وجد لوحة للسيدة مريم العذراء، وهي تحمل السيد المسيح، فأخذها وأمّن عليها، نظراً لتمتعه بالأخلاق، واحترامه للسيدة خديجة زوجته، ولكاهن مكة ورقة بن نوفل عليها، إضافة لاحتفاظ كاتدرائية سان جان في إيطاليا بكفن السيد المسيح الذي يحوي للصورة العجائبية المرتسمة عليه نتاج انطباع الوجه والجسد عليه.
حادثة الكفن هذه التي أنقلها عن الباحث جورج حداد، وسآتي على تفصيل عنها ضمن ما أخطّه، وقد عُني كمٌّ هائل من مشاهير الفن العالمي بتصوير هذا الحادث التاريخي "حادث الولادة"، لا لأهميته الدينية فحسب، وإنما لأنه يتخذ بداية للتوقيت الميلادي المعمول به لدى سواد البشرية، على الرغم من امتلاكها لتقاويم خاصتها، كالتقويم الصيني والفارسي والسوري والهجري الإسلامي، بعد أن كان يعمل بالتوقيت الروماني الذي يبدأ السنة معتمداً تاريخ تأسيس مدينة روما، الذي بقي بعد ولادة السيد المسيح حتى عام 532 من ولادته، حينها اقترح راهب يدعى "ديونيسيوس" إرجاع جميع الحوادث عند تاريخها إلى اليوم ميلاد السيد المسيح.
وقد قام بدراسات، استخلص منها أن السيد المسيح ولد في 25 ديسمبر سنة 753 رومانية، أي بعد تأسيس مدينة روما بـ 753 سنة رومانية، التي كانت تبدأ في أول يناير، وكان من غير المستحسن لصعوبة المقارنة بين التاريخين أن تبدأ السنة الميلادية في يوم آخر، ما أدى إلى أن يتفق على أن يبدأ التاريخ الميلادي في أول يناير، وما يجدر ذكره في هذا الصدد أنه فتح الباب لإجراء البحوث العديدة، حيث منها أن السيد المسيح لم يولد عام 753 رومانية، وإنما ولد قبل ذلك بأربع سنوات نتاج تدقيق حساب السنوات الرومانية، وهذا الفارق لم يؤخذ به، واستمر الاعتماد وبالتوافق المعمول به حتى يومنا هذا.
أما عن قصة كفن السيد المسيح، هذا الكفن المقدّس الذي كفّن به تلامذته معلمهم بعد إنزاله عن الصليب، ودفنه مازال باقياً بقاء الدهر، وعلى ذمة المؤرخ جورج حداد الذي كتب عنه مع بدايات خمسينيات القرن الماضي في بيروت، وصف الكفن بأنه يبلغ أربعة أمتار وستة وثلاثين سنتمتراً، وعرضه متر وعشرة سنتمترات، وأثيرت حول حقيقته عبر العصور الكثير من المجادلات، ومازالت المناقشات مستمرة، وكنت في إيطاليا، وسألت الكثير من الآباء والمسيحيين، فمنهم من أيّد، ومنهم من اختلف، هذا يأخذنا إلى بدايات انتشار الديانة المسيحية، حيث حرص تلامذة السيد المسيح نتاج وقوع الاضطهاد على الأتباع، واستشهاد الكثيرين نتاج إيمانهم بالمسيحية على إخفاء معجزة الكفن، واستمرّ هذا الإخفاء حتى القرن السابع، إلى أن طفقوا يجاهرون بسرّه، وكتب في حينها عنه في إحدى رسائل القديس "بروليون" أسقف سرقسطة، وشهد بوجوده في "أورشليم" مدينة السلام "القدس" سنة 650م الأسقف "أركولف" الذي رآه وقبّله، وظل فيها إلى مطلع القرن الثامن، إذ شهد بوجوده أيضاً الراهب المؤرخ الإنكليزي القديس "بليد المحترم" والقديس "يوحنا الدمشقي" وفي سنة 1204م كان هذا الكفن في القسطنطينية، وقد شاهده في كنيسة "سانت ماري ده بلا شيرن" وكتب عنه الشفالية الفارس "روبيرده كلاري" الذي ساهم في الحملة الغربية الرابعة التي احتلت القسطنطينية، كما شاهد قطعتين من خشب الصليب الحقيقي، وإكليل الشوك وحديدة الحربة التي طعن بها جنب السيد المسيح، ومسمارين من المسامير الأربعة، واستُبدل اثنان منهما بواحد طويل نظراً لوضع القدمين فوق بعضهما، ليكون المستخدم منها ثلاثة، وكان الكفن ينتصب من تلقاء نفسه في يوم الجمعة العظيمة ومن كل سنة، فيشاهد المؤمنون وجه السيد المسيح وجراحه الخمسة.
البحث حول هذا الموضوع الشائق مهم، ويحتاج إلى صفحات اختزلت منه على أهميته، لكني سأنشره كاملاً، والذي لفت نظري أنه في عهد الإمبراطورية العثمانية، نهبت جميع الآثار المسيحية والإسلامية، لنجدها في القسطنطينية، والتي مازال معظمها لديهم، والذي أستغربه أكثر، أن يقوم الكثير من المفسرين الإسلاميين بتحريم الفنون السبعة والفلسفة التي تقوم على الشك، لا من أجل الشك، وإنما من أجل الوصول إلى اليقين، وإذا أيقن الإنسان كان إيمانه عظيماً، وبمعرفته بالفنون يتقدم، ومن أسماء الله البديع والسميع والمصور، وخلق آدم من طين، صاغه أي هذّبه ونحته، ليغدو في أحسن تقويم، كيف بنا لا نؤمن ببعضنا ونحن جنس الإنسان واحد، خلقنا واحد، وجوهرنا المؤمن واحد، وإن اختلفت الألوان فميلاد مجيد ورأس سنة جديدة، فيها كل الخير لجنسنا البشري.
د. نبيل طعمة